الجمعة 31 آذار (مارس) 2017

في يوم الأرض... تبقى الأرض جوهر الصراع

الجمعة 31 آذار (مارس) 2017 par راسم عبيدات

منذ الغزوة الصهيونية الأولى لفلسطين وحتى اليوم، والصراع مع الاحتلال «الإسرائيلي» محتدم ومستمر بالأشكال كافة وعلى الصعد والمستويات كافة، وعنوانه الرئيس وجوهره الأرض. تلك الأرض التي سعت الحركة الصهيونية الى الاستيلاء عليها وطرد أهلها وسكانها الأصليين بالقوة، من أجل إحلال المستوطنين مكانهم، في محاولة لاقتلاعهم ونفي وجودهم وحقهم في أرضهم. وضمن هذه الحرب هدمت أكثر من 531 بلدة وقرية فلسطينية، وشرّد أغلب الشعب الفلسطيني الى خارج وطنه، ليعيش حياة بؤس وشقاء مفتقرة لأدنى شروط الحياة الإنسانية في الدول المجاورة، في جريمة مستمرة حتى اليوم، لم ينصف فيها هذا العالم الظالم شعبنا، بل ناصر جلاده عليه، ويريد منه أن يرفع راية الاستسلام، وأن يتخلّى عن حقوقه وفي المقدمة منها حقه في العودة إلى دياره التي طُرد وشُرّد منها، وفق القرار الدولي 194.

الاحتلال في سبيل تحقيق أهدافه وغاياته، استخدم ويستخدم كلّ الطرق والأساليب المشروعة وغير المشروعة من البلطجة والزعرنة وقوانين الطوارئ وأملاك الغائبين وتجنيد القضاء والقانون وتطويعه لهذا الهدف، هدف الاستيلاء على الأرض، و«قوننة» سلب الأراضي الفلسطينية كانت وما زالت تمرّ بواسطة قانونين أساسيين، قانون أملاك الغائبين عام 1953 وبموجبه حوّلت «إسرائيل» لحوزتها جميع أملاك اللاجئين الفلسطينيين الذين هجروا إلى الدول العربية المجاورة، وقانون استملاك الأراضي 1953 قانون الحرام بموجبه صودرت غالبية أراضي القرى المهجّرة من مالكيها الفلسطينيين، بمن فيهم المهجّرون الداخليون.

وذهب الاحتلال الى أبعد من ذلك في إطار التصفية لقضية اللاجئين والاستيلاء على أراضي أبناء شعبنا المهجرين، حيث شرعت ما يُسمّى «دائرة أراضي إسرائيل» في عام 2007 بنشر مناقصات لبيع أملاك اللاجئين في المدن، واستتبع ذلك في شهر آب 2009 سن البرلمان «الإسرائيلي» قانون الإصلاحات في «دائرة أراضي إسرائيل». القانون يسمح بخصخصة أراضٍ بملكية الدولة تقدر بـ800 ألف دونم أراضٍ مبنية ومعدّة للتطوير بناء على المخططات الهيكلية ، وذلك يشمل أملاك لاجئين فلسطينيين. وهذا القانون يسري مفعوله في المستوطنات «الإسرائيلية» في القدس الشرقية والجولان المحتلّ، وبيع الأملاك يشكّل، فعلياً، مصادرة نهائية لحقوق الملكية الخاصة باللاجئين الفلسطينيين على أملاكهم.

همُّ شعبنا واحد، ومصير شعبنا واحد، وتطلّعات وأهداف شعبنا واحدة، وإنْ اختلفت الأولويات، وكذلك الاستهداف واحد، فبالقدر الذي تستهدف فيه حيفا ويافا واللد والرملة والمثلث وعرابة وسخنين والعراقيب، بالقدر الذي تستهدف فيه القدس ونابلس والخليل وغزة والشيخ جراح وسلوان وجبل المكبر وكلّ بقعة من بقاع أرضنا الفلسطينية. فهذا عدو يبني وجوده ومشروعه على استباحة ومصادرة أرض الغير ونفي وجوده، ولكن شعبنا يعي جيداً حقيقة أهداف المشروع الصهيوني، وهو مصمّم على البقاء والانغراس والتجذّر والصمود في أرضه والدفاع عنها باستماتة، فجذوره ضاربة وراسخة في أعماق هذه الأرض كامتدادات ورسوخ أشجار الزيتون، وهي ممتدّة لأكثر من خمسة آلاف عام، ولن تجدي معه لا أساليب الترهيب ولا التخويف ولا البطش ولا البلطجة ولا الزعرنة ولا المقولات والأساطير التوراتية والتلمودية من طراز «شعب بلا أرض وأرض بلا شعب»، وسيبقى يدقّ ويقلق مضاجع الإسرائيليين في منامهم وأحلامهم، وكوابيس تلاحقهم في الصحو والنوم.

شعبنا الفلسطيني هبّ في يوم الأرض الخالد في الثلاثين من آذار للدفاع عن أرضه، وكلّ مكوّنات بقائه ووجوده، في مواجهة مخطّطات المتطرّف العنصري «أرييه كنج» لتهويد الجليل، حيث سعى الى مصادرة 21 ألف دونم من أراضي عرابة وسخنين ودير حنا وعرب السواعد، وليكن ردّ شعبنا بهبّة شعبية شاملة على طول جغرافيا فلسطين المحتلة عام 48، هبّة عمّد فيها شعبنا دفاعه عن أرضه بالدماء والتضحيات، حيث سقط ستة شهداء من أبناء شعبنا في هذا اليوم الخالد، وجرح واعتقل المئات. وكان يوم الأرض الخالد رسالة للمحتلّ، بأنه لن ينجح في تطويع شعبنا وحمله على التخلي عن أرضه، أو التشرد في نكبة جديدة.

منذ يوم الأرض الخالد وحتى هذا اليوم والمحتلّ يعاند حقائق التاريخ والصراع، وهو يعمل ليل نهار من أجل تثبيت مشروعه الصهيوني ويرفض أيّ مصالحة تاريخية، بل ما يريده النفي والإقصاء لهذا الشعب. فنحن نشهد حالة من «التغوّل» و«التوحّش» غير المسبوقة على أرض شعبنا الفلسطيني وحقوقه ووجوده، فمخططات التهويد في الجليل مستمرة، ومحاولات الترحيل القسري كذلك مستمرة، حيث الحديث عن التبادل السكاني والجغرافي، في أيّ تسوية قد تطرح، من أجل المحافظة على نقاء الدولة العبرية، ومشروع تهويد النقب، مشروع المتطرف «برافر»، يطلّ برأسه من جديد، بعد أن تصدّى شعبنا لهذا المخطط التهويدي ولجم تنفيذه، فنحن نشهد عمليات طرد وتهجير هناك، واقتلاع لقرى فلسطينية وجودها سابق لوجود دولة الاحتلال، فقرية «العراقيب» هدمت للمرة العاشرة بعد المئة، وكذلك قرية «أم الحيران»، وهذا الخطر يتهدّد أكثر من أربعين قرية فلسطينية هناك.

أما في القدس والضفة الغربية، فنشهد أيضاً «تسونامي» استيطانياً، يبتلع القدس، ويريد الإجهاز عليها بشكل نهائي، مشاريع استيطانية في كلّ بقعة من بقاعها، من أجل تحويل سكانها المقدسيين إلى جزر متناثرة في محيط «إسرائيلي» واسع!

وفي الضفة الغربية، تتمّ إقامة دولة للمستوطنين، تمنّع أيّ انسحاب أو هدم لهذه المستوطنات في المستقبل، ضمن مشروع قبر حلّ الدولتين، ودفع الفلسطينيين لتقديم تنازلات جديدة، ضمن مسار سياسي جديد يفرض عليهم الموافقة على الحلول المؤقتة، والحال في القطاع المحاصر، لا يختلف كثيراً عن حال بقية الوطن. فالحصار مستمر ومتواصل والمعابر رهينة بيد المحتلّ، وعجلة الإعمار لم تدر بشكل جدي وحقيقي، ومعظم الشعب هناك في ظلّ بطالة وفقر مدقعين، يعتاش على الإعانات والمساعدات الخارجية.

نعم في ذكرى يوم الأرض الخالد، والذي تستباح فيه الأرض الفلسطينية، ويجري نهبها ومصادرتها والاستيلاء عليها من قبل الحكومة «الإسرائيلية» ومستوطنيها، فلا بدّ من وضع استراتيجيات وخطط وبرامج وآليات تنفيذية تمكّن من الدفاع عن الأرض وحمايتها، واستخدام كلّ وسائل المقاومة بكلّ أشكالها ومسمّياتها بدءاً من رفض استئناف المفاوضات العبثية، وربط أيّ عودة إليها بالوقف الكامل والشامل للاستيطان في القدس والضفة الغربية، وتطبيق القرار الأممي 2334، وكذلك تصعيد النضال الجماهيري والشعبي، كما هي الحال في مقاومة جدار الفصل العنصري، حيث بلعين ونعلين والمعصرة وام سلمة والولجة وبيت أمر وغيرها ضربت أروع الأمثلة في المقاومة الشعبية، والتي يجب أن تتطوّر وتتوسّع لتشمل كلّ قرى ومدن فلسطين، فما عاد الشجب والاستنكار والبيان والمهرجان والاحتفال من الوسائل الفعّالة في مقاومة وردع ووقف «غول» الاستيطان، هذا «الغول» الذي يبتلع كلّ شيء له علاقة بالوطن، لا استجداء بالمفاوضات يوقفه ولا الاستجداء على أبواب هيئة الأمم والبيت الأبيض وعواصم أوروبا الغربية أيضاً، وكذلك ليس بالخطب العصماء والشعارات الرنانة و«الهوبرات» الإعلامية والتصوير أمام الكاميرات وفي الفضائيات، بل ما يوقفه هو وحدتنا وإنهاء انقسامنا ونضال جادّ وحقيقي، وخطوة عملية في هذا الجانب أفضل من مليون شعار.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 28 / 2165797

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقلام الموقف  متابعة نشاط الموقع راسم عبيدات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

19 من الزوار الآن

2165797 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 19


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010