الجمعة 31 آذار (مارس) 2017

تواطؤ مع العنصرية الصهيونية

الجمعة 31 آذار (مارس) 2017 par عوني فرسخ

أصدرت لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا «الإسكوا»، مؤخراً، تقريراً باعتبار «إسرائيل» دولة تمارس التمييز العنصري ضد الشعب العربي الفلسطيني، صاحب الوجود الطبيعي الممتد في وطنه المحتل من النهر إلى البحر. ولما كانت جريمة التمييز العنصري تعتبر في القانون الدولي بمنزلة تالية لإبادة الجنس، وتحسباً من تداعيات القرار الدولي على الكيان الصهيوني، سارعت حكو مة نتنياهو بطلب سحب التقرير، وأيدتها في طلبها الإدارة الأمريكية، بأن مارست ضغوطاً على أمين عام الأمم المتحدة، بحيث أصدر بياناً باعتبار تقرير «الإسكوا» معبراً عن وجهة نظر مصدريه، وليس عن الأمم المتحدة، ولم يلبث أن طالب بسحبه، من دون أن يتضمن بيانه أي طعن في مضمون تقرير اللجنة الدولية، ما دعا د. ريما خلف، المديرة التنفيذية للجنة لتقديم استقالتها من الأمم المتحدة، في موقف شجاع يذكر لها وطنياً وقومياً.
ولما كانت «إسرائيل» لم تقدم ما ينفي مصداقية تقرير «الإسكوا»، ولما كان أمين عام الأمم المتحدة لم يطعن في مضمون التقرير، أو منهجية مصدريه، وإنما طالب بسحبه تحت الضغوط التي مورست على الأمانة العامة للأمم المتحدة، يغدو منطقياً اعتبار سحب التقرير الدولي تواطؤاً مع الكيان الصهيوني. إلا أنه ليس التواطؤ الأول للمنظمة الدولية مع العنصرية الصهيونية. فضلاً عن أنه لا يعود مطلقاً لفعالية جماعات الضغط «اللوبيات» اليهودية واسعة النفوذ في دوائر صناعة القرارات الأمريكية والأوروبية، كما هو التصور الشائع. وإنما هو تواطؤ يقع في صلب الاستراتيجية الاستعمارية لإدارة الصراع مع الأمة العربية.
فحين دعا نابليون سنة 1799 يهود أوروبا للعودة إلى فلسطين، وإقامة دولتهم فيها، لم يكن في فرنسا لوبي يهودي له أدنى أثر في صناعة القرارات الفرنسية. ولا كان في بريطانيا فعالية تذكر لمواطنيها اليهود سنة 1840 عندما طرح بالمرستون فكرة إقامة الكيان الصهيوني في أعقاب دحر الجيش المصري بقيادة إبراهيم باشا من بلاد الشام. والثابت أن لا نابليون، ولا بالمرستون، استهدفا إقامة وطن قومي يهودي في فلسطين، وإنما كان هدف كل منهما الاستراتيجي إيجاد تجمع بشري غريب يفصل بين جناحي الوطن العربي الآسيوي والإفريقي، وعلى تخوم مصر لكبح فعاليتها القومية، بما يشكل مانعاً لوحدة العرب وتحررهم وتقدمهم.
كما لم تكن فعالية الجاليات اليهودية الصاعدة في الولايات المتحدة وأوروبا، ولا افتقار صناع القرار العربي العام، والفلسطيني منه الخاص، لاستقلال الإرادة والقرار، العامل الحاسم في إصدار الجمعية العامة للأمم المتحدة سنة 1947 القرار 181 بتقسيم فلسطين، ومصادرة حق شعبها العربي في تقرير مصيره، في وقت كان فيه صاحب الأغلبية السكانية، ومالك أغلبية الأراضي الزراعية، بحيث كانت فلسطين عربية كما يقرر المؤرخ «الإسرائيلي» إيلان بابيه. إلا أن صناع القرار الدولي بانحيازهم للصهاينة حينها تواطؤوا مع الصهاينة ضد الشعب العربي الفلسطيني، ما يعتبر باكورة مسلسل التواطؤ الدولي مع العنصرية الصهيونية.
وفي 11 مايو 1949 أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار 273 بقبول «إسرائيل» عضواً في المنظمة الدولية، متضمناً القول: إن «إسرائيل» دولة محبة للسلام، راضية بالالتزامات الواردة في الميثاق، قادرة على تنفيذ هذه الالتزامات، وراغبة في ذلك». في تناقض تام مع الواقع، إذ لم تكن «إسرائيل» قد التزمت بقرار التقسيم باحتلالها منطقة القدس الدولية، وأكثر من 50% مما خصص للقسم العربي، ومارست التطهير العرقي بحق المواطنين العرب في المناطق التي سيطرت عليها، كما أنها لم تنفذ التزاماتها بالقرار 194 بعودة اللاجئين.
وفي العام 1950 أصدرت حكومة بن غوريون قانون العودة، الذي يعطي كل يهودي أيا كانت جنسيته حق العودة للأرض المحتلة، ونيل الجنسية «الإسرائيلية» فور قدومه، فيما منعت، ولا تزال عودة ما يجاوز الستة ملايين عربي فلسطيني إلى ديار آبائهم، وأجدادهم. فضلاً عن اغتصابها أملاك اللاجئين الذين شردتهم، وما يزيد على 50% من أملاك العرب الباقين، بحيث امتلك الصندوق القومي اليهودي «الكيرين كايمت» 17 مليون دونم من الأراضي تشكل 92% من الأرض التي قامت عليها «إسرائيل» سنة 1949، ومقرراً عدم بيع أي جزء منها، أو تأجيره لغير يهودي.
وكانت الجمعية العامة للأمم المتحدة أصدرت في 10 نوفمبر 1975 القرار 3379 باعتبار الصهيونية شكلاً من أشكال العنصرية والتمييز العنصري. وطالب القرار جميع دول العالم بمقاطعة الأيدولوجية الصهيونية التي تشكل خطراً على الأمن والسلم الدوليين، وقد عملت الإدارة الأمريكية سنة 1991 على اتخاذ قرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة بإلغاء قرارها السابق في حالة غير مسبوقة في تاريخ المنظمة الدولية.
وبرغم سحب قرار «الإسكوا» بطلب أمين عام الأمم المتحدة، إلا أنه بات وثيقة دولية ذات حجية في المحافل الدولية، وبالذات محكمة العدل الدولية، والمحكمة الجنائية الدولية.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 22 / 2166084

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع عوني فرسخ   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

16 من الزوار الآن

2166084 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 16


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010