الجمعة 10 آذار (مارس) 2017

ظواهر لا مكان لها في فلسطين

الجمعة 10 آذار (مارس) 2017 par علي بدوان

قبل أيامٍ قليلة، قام تنظيم (داعش) بإعدام أربعة مواطنين فلسطينيين في مخيم اليرموك حيث يسيطر على مساحات واسعة منه، وذلك بعد تكفيرهم، واتهامهم برفع العلم الفلسطيني. فقد كان تنظيم (داعش) قد أصدر أمرًا لعناصره بإعدام كل من يرفع العلم الفلسطيني في مناطق سيطرته في مخيم اليرموك، وبالطبع العلم العربي السوري. وهذه ليست الحالة الأولى التي يعتدي بها التنظيم على الرموز الفلسطينية، حيث قام في وقت سابق من العام 2016 بطمس صور الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات من شوارع المخيم.
ظواهر التطرّف، وبروز الاتجاهات التكفيرية، تدفعنا لوضع الكثير من إشارات الاستفهام على تلك الظواهر التي نَسيت فلسطين، ووضعت أجندتها في سياقاتٍ مختلفة.
فمن رحم تنظيم القاعدة كان تنظيم (داعش) كأحد تمفصلات اللعبة الكبرى الجارية في المنطقة وفي المشرق العربي على وجه التحديد. فالأطراف المعادية تُهندس المسار وتحدد الأهداف العامة، وتوفر الخبرات اللوجستية والتدريبية.
لقد نسوا وتناسوا فلسطين، وجعلوا من عملهم “جهادًا مُعجلًا”، وفي فلسطين “جهادًا منسيًّا”. بالرغم من سعي تلك المجموعات لبناء أطر تنظيمية لها في فلسطين كنوعٍ من الحضور في مواجهة قوى الإسلام الوطني المقاوم والمناهض للاحتلال.
لكن، وفي الساحة الفلسطينية، بقيت تلك الظواهر محدودة نتيجة أسباب مختلفة تميزت بها الساحة الفلسطينية، دليلنا على هذا المحاولات المتكررة الفاشلة التي قام بها تنظيم القاعدة لزرع أوتاده في فلسطين، وتواضع حضور التيارات المتطرفة التي تسمي نفسها بالسلفية الجهادية.
فالأجواء الفلسطينية عامة لا تساعد على نمو وانتشار الظواهر ذات التطرف التكفيري، فبقيت تلك الظواهر محدودة الانتشار والفعل وذلك لأسباب كثيرة، فالفلسطينيون ليسوا بحاجة لوصفات قادمة من الخارج، مع أن البيئة الفلسطينية في الداخل في الظروف القاسية تحت الاحتلال والحصار والفاقة، خصوصًا في قطاع غزة، قد تساعد على نمو اتجاهات التطرف، لكن الاتجاهات إياها تصطدم مرة جديدة بخصوصية الوضع الفلسطيني المثقل بالتجارب والآلام، والمُشبع بالتعددية، والطامح نحو الديمقراطية الداخلية في سياق مشروعه الوطني المتواصل منذ عقود طويلة من الزمن.
ففي الواقع العملي المباشر انطلقت الدلالات عن محاولات يتيمة انتهت في حينها في مهدها، عندما قام تنظيم القاعدة ببذل جهوده لزرع وجوده في فلسطين عبر بعض البيانات المذيلة بتوقيع تنظيم القاعدة في فلسطين، والتي تم توزيعها بشكل محدود في قطاع غزة منذ أعوامٍ طويلةٍ مضت، وأثارت في حينها مجموعة من التساؤلات عن مدى الحديث الجدي عن وجود تنظيم للقاعدة في فلسطين كما كانت وما زالت تروج المصادر الأمنية “الإسرائيلية”. وفي هذا السياق، يمكن القول بأن محاولات القاعدة اليتيمة للانتشار في الداخل الفلسطيني بدأت بوادرها مع ظهور مجموعات تناسلت أو جاءت من رحم تنظيم القاعدة بعد عامين ونيف من انطلاقة الانتفاضة الثانية، وتحديدًا في العام 2002، حين ظهر الإعلان الأول عن تشكيل مجموعات للقاعدة في فلسطين في قطاع غزة عبر بيانٍ تم توزيعه في القطاع. وفي حينها تلا ذلك بيان آخر عن تنظيم القاعدة في فلسطين يتضمن المسؤولية عن محاولة اغتيال رئيس المخابرات الفلسطينية طارق أبو رجب شنيورة، ومن حينها، اختفى تنظيم القاعدة نهائيًّا في فلسطين إلا أن تم الإعلان عن قيام جيش الإسلام أو كتائب التوحيد والجهاد، الذي اعتبره البعض في معلومات يعتريها الشك الكبير، ذراعًا للقاعدة عبر تبنّي خطف الصحافي البريطاني آلان جونستون، فقامت وسائل الإعلام وأجهزة الأمن الإسرائيلية بالترويج الهداف والمدروس للمعلومات غير الدقيقة المتعلقة بتضخيم وجود ما يسمى جيش الإسلام وإرجاعه للقاعدة، وذلك لأسباب استخدامية باتت مفهومة في محاولة تشويه الكفاح الفلسطيني العادل وخلطه بالإرهاب، وإثارة الفزع الأصولي وتكرار مقولة “الإسلام فوبيا” أمام العالم بأسره، ليتبين بنهاية المطاف أن تنظيم جيش الإسلام لم يكن سوى مجموعة مسلحة جرى حلها لاحقًا.
وكانت صحيفة معاريف “الإسرائيلية” قد نشرت بتاريخ (14/5/2007) خبرًا فحواه أن “المؤسسة الأمنية الإسرائيلية ووزارة البنية التحتية ستشرعان خلال الأشهر القادمة بتحصين منشآت الطاقة الإسرائيلية وزيادة وتنويع مصادر الغاز والنفط وذلك في أعقاب تحذير استخباري عام حول نية تنظيم القاعدة استهداف منشآت النفط والغاز في الشرق الأوسط بشكل عام وتلك التي تؤثر على إسرائيل بشكل خاص، الأمر الذي قد يلحق ضرراَ كارثيًّا بالاقتصاد الإسرائيلي”.
طيف الإسلام السياسي في فلسطين والشتات الفلسطيني، ممثلًا بحركتي حماس والجهاد الإسلامي أوسع وأرسخ وأبقى من تيارات التطرف الأصولي التكفيري، وأوسع من حصره بمجموعة متطرفة (موجودة/غير موجودة) وافدة إليه من الخارج. فالإسلام الوسطي المعتدل، ومعه الإسلام الجهادي ضد الاحتلال في فلسطين يمتلك من الحضور والفعالية والتجربة الواقعية والانغراس في النسيج المجتمعي الفلسطيني ما يسد الطريق على قدوم أفكار تكفيرية من خارج فلسطين، ومن الصعب عليها أن تجد مجالًا للتعبير عن نفسها في ظل انخراط ووجود حركتي حماس والجهاد الإسلامي في المقاومة العسكرية وغير العسكرية المباشرة في مواجهة الاحتلال “الإسرائيلي”.
وعليه، إن بذور الفكر المُتشدد من الصعب عليها أن تجد مجالًا للتعبير عن نفسها في ظل انخراط حركتي حماس والجهاد الإسلامي في المقاومة العسكرية وغير العسكرية المباشرة في مواجهة الاحتلال “الإسرائيلي”. كما أن المجتمع الفلسطيني في الداخل والشتات، يتمتع بحالة ديمقراطية نسبية متقدمة عن باقي المجتمعات، وبعيدًا عن الفكر الاستئصالي ومنابعه، ويرى دومًا أن الصراع والتناقض الرئيسي يفترض به أن يتوجه نحو الاحتلال الصهيوني وليس غيره.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 50 / 2165340

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع علي بدوان   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

13 من الزوار الآن

2165340 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 14


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010