الجمعة 3 آذار (مارس) 2017

مؤتمر فلسطينيي “الخارج”.. المآزق والفرص

فلسطينيو المهجر وأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
الجمعة 3 آذار (مارس) 2017

- “مؤتمر” فلسطينيي “الخارج”.. المآزق والفرص
بشـار غنـّام

شكل مؤتمر فلسطينيي “الخارج” خطوة مهمة على طريق طويل لإعادة التوازن للقضية الفلسطينية، فاجتماع 5 آلاف فلسطيني من 50 دولة تحت شعار واحد بعث برسالة قوية.

كلمات المتحدثين الرئيسيين بمجملها أوصلت رسائل واضحة.. عن تصحيح مسار أوسلو، وإصلاح منظمة التحرير. لكن شعارات مثل تحرير كل فلسطين لم تكن مناسبة للمؤتمر؛ صحيح أنه مؤتمر شعبي وبالتالي سقفه مفتوح لكن هدفه سياسي بامتياز؛ ومن يريد العمل بالسياسة عليه أن يقتصد في أحجام الشعارات! ومن يريد انتزاع الحقوق من بين حقول الألغام يعلم أن الشعارات الكبيرة معوقة فضلا عن أنها لم تحقق شيئا حتى اللحظة – فيما هي يمكن أن تضيع فرصا أو تفشل اختراقات.

إن بعض عمل السياسي هو أن يقول ما لا يقصد ويقصد مالا يقول ويفعل مالا يقول ولا يقصد ! وإذا كان الذئب يخطط لخنق الدب فليس من الحكمة أن يلقي خطبةً مسبقاً حول ذلك.

إن التمسك بشعارات طهرانية من نوع “حتى يشهد التاريخ أننا قلنا” لا يفيد القضية ؛ لأن التاريخ يشهد للذي يفعل لا الذي يقول وللذي يراكم الانجازات ويصنع الاختراقات ، لا الذي يتحصن خلف مواقف كلامية فيما العالم ينهار من حوله.

عندما وقّع أحد قادة الجيش الألماني وثيقة الاستسلام نهاية الحرب العالمية الثانية دخل القاعة وظل واقفا وطلب الوثيقة ليوقعها سريعا ، فقال له الجنرال الأميركي : ألن تجلس ؟ ألن تناقشنا في أي بند ؟ توقعنا نقاشاً ! فأجابه : اليوم أنتم منتصرون .. وتستطيعون تفسير كل شيء في الورقة كما يحلو لكم ، سيأتي يوم آخر وستعلمون حينها ماذا عليكم أن تصنعوا بهذه الورقة !

المؤتمر أمام تحديات ضخمة يجدر التنبه لها:

- تحدي المشروع؛ فرغم أن المؤتمر كان تحت شعار “مشروعنا الوطني طريق عودتنا” إلا أنه لم يطرح أي مشروع ، ولا حتى أفكار أولية عن مشروع.

ما هو إذن المشروع الممكن؟ المشروع الممكن كما أعتقد هو باختصار: (تيار وطني، شعبي، جبهوي، عريض، يجتمع على الحد الأدنى، المقبول مرحليا، من القواسم الوطنية المشتركة، ويحشد فلسطينيي الشتات تجاه مشروع موحد). و يجدر التوقف عند كل كلمة مما بين القوسين لأن كل كلمة هي تحد يصادم ما اعتاده المناضلون الفلسطينيون من شتى تياراتهم.

- تحدي الاستمرار، فالقوى العربية بمجملها أحزابا وحركات ذات نَفَس قصير جدا – وبلغة الجري لم تعتد أكثر من سباق الـ100 متر، ولا تكاد تجد لها تجربة واحدة مقنعة حول برنامج منهجي تراكمي واعي طويل المدى... إنما هي ردات الفعل وما يجلبه لهم الحظ من تقلبات الرياح !

- تحدي انتقال الفصائل من عقلية التنظيم الحديدي المغلق إلى عقلية التيار الوطني الشعبي المفتوح ؛ ماذا يعني ذلك؟ يعني أنه ليس هناك سيطرة مضمونة على المخرجات.. ليست هناك مخططات مسبقة يتم الالتزام بها.. ليس هناك خطاب ايدولوجي مسيطر.. الخ.

- تحدي إيجاد أطر مرنة تتسع لأنماط عمل جديدة ، ومتغيرة. إنها ثقافة نضالية مختلفة فيما البيئة الفلسطينية متعودة على الأطر الفصائلية الجامدة والهرمية.

- تحدي تسويق الهدف الأساسي للمؤتمر وهو إعادة تشكيل المجلس الوطني الفلسطيني، فمعظم الفلسطينيين وخاصة الأجيال الجديدة لا يعرفون عن شيء اسمه المجلس الوطني الفلسطيني، وماهي فائدته، ولماذا يكون هدفا أساسيا؟!

- تحدي الخروج من أوهام المشاريع الشكلية . والتي معظمها عبارة عن العاب كلامية وتلاعب بالألفاظ وتركيب للكلمات لا غير! مثل الحديث عن الأطر النقابية الجديدة التي يتم تشكيلها بإسراف.

أي أطر نقابية يا سادة؟! إن الأساس في العمل النقابي هو البيئة الواحدة للعمل والتي يجتمع الناس فيها لمواجهة تحديات مهنية مشتركة ؛ ولا يكفي أن نكون نعمل سويا في نفس المهنة حتى يكون بيننا اطار نقابي؛ فمشاركة العمل النقابي لشخصين من مهنتين مختلفتين تجمعهما بيئة عمل واحدة أسهل من مشاركة العمل النقابي بين شخصين من نفس المهنة في بيئتين مختلفتين فكيف إذا كانت 50 بيئة في 50 دولة! بالنهاية العمل النقابي جوهره المهنة وحماية مصالح العاملين فيها! أما المشاركة الوطنية لأي وطني في القضايا الكبرى فهي انعكاس لشعوره بالحاجة لحماية المصالح الوطنية الكبرى وليس استجابة لأطر ملتبسة.

هذه “الأطر” المطروحة لمهنيين يعملون في دول مختلفة وبيئات عمل مختلفة وثقافات مختلفة ليست مفيدة إلا لإرضاء الغرور النخبوي والإيهام بتحقيق الإنجازات عبر تشكيلات لا يكلف الإعلان عنها شيئاً ولن تخضع للتقييم الجدي كما هو الحال عموما. لكن الإطار النقابي الوحيد الذي يمكن أن يكون مفيدا للمشروع وفاعلا حقيقيا على الأرض هو الإطار الطلابي؛ هذا الإطار يمكن أن يكون ذا رؤية واضحة واستراتيجية عملية وفعالة، والأهم أنه يمكن أن يكون الإطار التنفيذي الأساسي في جعل “مشروع فلسطينيي الشتات” يصبح حقيقة على الأرض بدل أن يظل رهن الخطب والمواعظ والخيالات المجزوءة. أما الأطر النقابية الأخرى فالأجدر أن تسمى روابط أو ملتقيات تصلح كمجموعات ضغط و مزاحمة في مرحلة معينة من المدافعة الطويلة لإعادة تشكيل المنظمة ، ويجدر عدم الانسياق في أوهام بعيدة حول دورها وما يمكن أن تنجزه .

- تحدي التنفيذ، فتنفيذ مشروع شعبي من خلال هياكل فصائلية أو حزبية هو وصفة فشل مع سبق الإصرار.

- تحدي استيعاب حساسيات الدول العربية المضيفة للاجئين، وهو ما يحتاج مرونة سياسية من قيادة مكتب المتابعة للمؤتمر، كما يحتاج تواصلا دائما و ذكيا مع الحكومات العربية والغربية أيضا.

- تحدي تجنب المعارك المبكرة و التسامي فوق المناكفات المتوقعة مع مؤسسات السلطة ومنظمة التحرير.

- تحدي الإعلام ؛ فرغم أن أغلب ورش المؤتمر وندواته تطرقت لدور الإعلام إلا أن هناك غياباً لأي مشروع إعلامي حقيقي أو ملفت وكل المطروح هو تكرار لأفكار مثل ضرورة تفعيل السوشيال ميديا والانتباه لأثر التوثيق و أهمية الدراما ...الخ.

في الإعلام هناك حاجة لتصحيح كثير من المصطلحات الدارجة.. حتى على ألسنة المقاومين ! مثل مصطلح اللاجئين ؛ فرغم انه راسخ لارتباطه بعناوين أكبر مثل القرارات الدولية التي تنص على “عودة اللاجئين”، أو ارتباطه بالمؤسسات الدولية مثل “وكالة غوث وتشغيل اللاجئين” إلا أن هذا المصطلح مضلل ؛ وذلك لأن الفلسطينيين لم يلجؤوا مختارين لتجنب مجاعة أو نزاع إنما جرى تهجيرهم قسراً تحت وقع المذابح وقصف المدن وحصار القرى، والتعريفات الدولية الدارجة للاجئين إما تستثني أصنافا منهم أو أنها تتعارض مع مصالح كبرى للفلسطينيين ضمن تفاصيل كثيرة بعضها معروف وبعضها مستتر وغائب ولم يناقشه سابقاً القانونيون.. أضرب عليها مثلا واحدا وهو أن القانون الدولي يتحدث بالمجمل عن أن اللاجئ هو الذي يعيش خارج الحدود ولا يستطيع العودة لبلده خوفا على نفسه؛ و وفق هذا التعريف مثلا فإن ملايين الفلسطينيين ممن يحملون الجنسية الأردنية لا ينطبق عليهم وصف لاجئ لأنه تم احتلال جزء من وطنهم ( على أساس وحدة الضفتين المعترف بها دولياً ) وهم يعيشون حالياً في الجزء الآخر منه أي الأردن ( الضفة الشرقية) وبالتالي لا ينطبق عليهم التعريف ! وخصوصا أنهم يحظون بالجنسية ويعيشون مستقرين ولا يحتاجون معونة أو حماية دولية ! تخيلوا .. وفق تفصيلة بسيطة يمكن شطب ثلثي اللاجئين فيما نحن نكرر المصطلح طوال 70 سنة دون بذل جهد في وضع روايتنا على الطاولة . و ربما يكون المصطلح الأجدر تداوله هنا مثلا هو “المُهَجَّرون” ولا أعرف إذا كان له رديف لغوي أو متداول في القانون الدولي، والحديث يطول...

إن شعار إعادة انتخاب المجلس الوطني الفلسطيني ليمثل جميع الفلسطينيين هو هدف واضح ومحدد، لكنه غير واقعي حاليا ضمن ميزان القوى القائم، ومع ذلك لا بأس بطرحه كشعار الآن ! وحتى الوصول إلى لحظة يمكن فيها تحقيق مثل هذا الهدف هناك خطة مختلفة يجدر العمل عليها.

الدول المضيفة للفلسطينيين ستعارض هذا الشعار، وهذا مفهوم لأسباب مختلفة، فمثلا الأردن حساس للتداخل في الهوية الوطنية مع شطر الشعب الأردني ذي الأصول الفلسطينية و ما يعنيه ذلك، إضافة إلى أن الأردن الرسمي يريد أن يستمر في امتلاك شرعية الرعاية الدينية للحرم القدسي وما يمثله ذلك من رمزية عالية وعالمية . السلطة الفلسطينية من ناحيتها ستحارب بشراسة. إسرائيل وأميركا ستعارضان لأسبابهما المختلفة.. وهكذا.

كل هذه التحديات لا تقلل من أهمية المؤتمر، بل على العكس فإنها تبين بوضوح أن المهمة كبيرة، وأنه وإن كانت دوافع مؤيدي المؤتمر متباينة إلا أن مشروع التحرر الفلسطيني لن يتقدم دون استراتيجية شاملة.

- فلسطينيو المهجر وأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
بشير نافع

تبلورت فكرة عقد مؤتمر لفلسطينيي المهجر، قبل شهور قليلة، لدى مجموعة من الفلسطينيين، وسرعان ما ولدت استجابات واسعة النطاق. فلسطينيون مقيمون في أوروبا، أمريكا وأمريكا اللاتينية، كما في العالم العربي، ومن جميع الخلفيات والاهتمامات، وجدوا في الفكرة تحقيقاً لطموحاتهم في الالتقاء من أجل قضيتهم، وفرصة لتوكيد ارتباطهم بوطنهم، وللدور الذي يمكن أن يتعهدوه في مسيرة النضال الوطني. وقد عقد المؤتمر بالفعل في مدينة اسطنبول، بعد تعذر عقده في عاصمة عربية، يومي 25 و26 فبراير/ شباط الماضي، وسط حملة من التشكيك والاتهامات.

ليست هذه أيام جيدة للقضية الفلسطينية، ولا هي بتلك التي تبعث على كثير من التفاؤل. عملت حفنة من الدول العربية وغير العربية، بالتعاون مع الطبقات الحاكمة القديمة، وفي التقاء مع مجموعات عنف هوجاء وتجمعات طائفية، على إجهاض مسيرة التغيير والتحرر العربية، ودفع المجال العربي إلى هاوية من التشظي والحروب الأهلية. وعندما يخيم الموت والدمار والجوع على شعوب بأكملها، ويصبح عليها أن توجه العدو المتربص أمام أبواب بيوتها وفي سماء مدنها، يصعب أن تجد الشعوب فسحة للتفكير في فلسطين، أو فائض قوة لتكرسه لمواجهة عدو أبعد قليلاً. وربما كان هذا الانشغال عن المسألة الفلسطينية ما سعت إليه الطبقات العربية الحاكمة، أو هو بالتأكيد ما رحبت به. ولم تتردد غالبية الدول العربية، التي جعلت من مواجهة رياح التغيير والصراعات الإقليمية أولوية لها، في الصمت على، أو الترحيب بانحياز القوى الدولية المتزايد ضد الفلسطينيين وحقوقهم. وكلما تفاقم الخلل في معادلة القوة التي يرتكز إليها الصراع على فلسطين، أمعن القادة الإسرائيليون في جهودهم لاقتلاع الفلسطينيين من أرضهم، ودفعهم إلى الحائط الأخير.

فما الذي يمكن أن يأتي به هذا المؤتمر، ولماذا يتعرض المؤتمرون لهذا الهجوم الحاد من منظمة التحرير ومن تبقى ممن يتحدثون باسمها؟

بني المشروع الصهيوني من البداية على سياسة إحلال، تطلبت طرد وتهجير أكبر عدد من الفلسطينيين من وطنهم. وهناك تقديرات تشير إلى أن نصف الفلسطينيين، أي ما يقارب السبعة ملايين فلسطيني، يقيمون خارج حدود فلسطين الانتدابية. أغلب هؤلاء يعيش في البلاد العربية المجاورة لفلسطين، مثل الأردن ولبنان وسوريا، ولكن ملايين أخرى توزعت على البلاد العربية الأخرى، أو البلاد الأوروبية والأمريكيتين. بين فلسطينيي الخارج، كما باتوا يوصفون، أكاديميون كبار، رجال أعمال نافذون، طلاب، ومهنيون من كل المشارب، قدم عدد كبير منهم مساهمات هامة لنمو وتطور البلاد التي اختاروها وطناً أو ملجأ. ولأسباب يصعب تعدادها هنا، لم تزل الأغلبية العظمى من فلسطينيي الشتات ترى نفسها وثيقة الصلة بالمسألة الفلسطينية. في 1948، تسببت النكبة في تدمير الجماعة الوطنية الفلسطينية، بعد أن اقتلعت الأغلبية من مدنها وقراها وبلداتها، وانقسمت الأسر بين الملاجئ، وقوضت سبل العيش والحياة الكريمة. خلال الخمسينات والستينات، أعاد الفلسطينيون، فلسطينيو الشتات، بداية وأصلاً، بناء حركتهم الوطنية.

كان فلسطينيو الشتات هم القوة الرئيسة في تأسيس حركة فتح، وهم القوة الدافعة خلف تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية. أطلق فلسطينيو الشتات الكفاح المسلح، نظموا أنفسهم في اتحادات طلابية، في تجمات نقابية، في مراكز أبحاث ودراسات، وحملوا راية شعبهم ووطنهم في الجامعات والمجتمعات والدوائر السياسية الغربية، سيما في أوروبا الغربية والولايات المتحدة. ولكن هذه الحالة من النهوض الوطني الفلسطيني أخذت في الانحسار منذ 1993 وتوقيع اتفاقية أوسلو، ومن ثم إقامة سلطة الحكم الذاتي في بعض من الضفة والقطاع.

ولدت اتفاقية أوسلو من مساقات تفاوضية متشعبة، جرت جلساتها في واشنطن ولندن وبروكسل وروما، كما في النرويج، عقد بضعها بصورة سرية وبعضها الآخر غير سري. ثمة الكثير من الانتقادات التي وجهت إلى اتفاقية أوسلو، سواء من وجهة نظر وطنية فلسطينية، أو من وجهة نظر الحريصين على تقدم عملية السلام والتوصل إلى حل تفاوضي للصراع على فلسطين. ولكن مسألتين لا تبرزان كثيراً في مراجعات أوسلو وعواقبها: الأولى، مصير الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال، والثانية، حقوق فلسطينيي الشتات. حقيقة الأمر، أن المفاوض الفلسطيني غض النظر عن، أو تجاهل، أو أهمل كلية هذين الملفين، واختار بالتالي التوقيع على اتفاقية سلام مع الجانب الإسرائيلي، لا تحمل نصاً محدداً يتعلق بملفي الأسرى واللاجئين. لم تزل مسألة الأسرى تؤرق ضمير وحياة المجتمع الفلسطيني بأكمله، وخصوصاً عشرات الآلاف من العائلات، التي غيب أبناؤها في سجون دولة إسرائيل، التي وقعت قيادة منظمة التحرير الفلسطينية معها اتفاقية سلام. أما مسألة فلسطينيي الشتات، فمصيرها أكثر مدعاة للتساؤل.

اعتبرت قيادة منظمة التحرير إقامة سلطة الحكم الذاتي (وليس تحرير الأراضي الفلسطينية التي احتلت في 1967) أهم إنجازاتها التفاوضية. وشيئاً فشيئاً، تصرفت قيادة المنظمة على أساس أن السلطة، وليس المنظمة، هي من يمثل القضية الفلسطينية، ويتحدث ويتفاوض باسمها. أهملت منظمة التحرير عن سابق تصميم وتصور، إلا عندما احتاجها رئيس السلطة لتوطيد شرعيته أو إقرار خياراته، وتحولت مؤسسات المنظمة إلى مجرد هياكل متآكلة لبيروقراطية تقدم بها العمر، ولا يريد أحد أن يتذكرها. كل التوافقات الفلسطينية الفصائلية من أجل إحياء المنظمة وإعادة بنائها لم تحقق تقدماً يذكر، ليس لأن هذه التوافقات لم تكن واقعية، بل لأن قيادة المنظمة، التي هي قيادة سلطة الحكم الذاتي، لا تريد أصلاً إحياء المنظمة ولا إعادة بنائها. تعرف قيادة سلطة الحكم الذاتي أنها منحت مقاليد السلطة ليس لتمثيل الفلسطينيين كافة، ليس لتمثيل الجماعة الوطنية الفلسطينية، ولكن لتمثيل سكان الضفة والقطاع وحسب، تمثيلهم النسبي، بالطبع، وتحمل أعباء إدارة شؤونهم البلدية والأمنية، بدلاً من سلطة الاحتلال. والمؤكد، أن سلطة الحكم الذاتي عرفت دائماً شروط المنحة التي حصلت عليها، وعملت، بإخلاص تحسد عليه، على أن تلتزم بها ولا تتخطاها. وحتى في حركة فتح، التي تمثل العمود الفقري لسلطة الحكم الذاتي، تراجع دور ووزن فلسطينيي الشتات بصورة حثيثة، حتى وصل إلى ما يشبه التلاشي في مؤتمر الحركة الأخير.

والمشكلة، ليس فقط في إخفاق سلطة الحكم الذاتي في تحقيق هدف تحرير المناطق التي احتلت في حرب 1967، وتحولها إلى كيان سيادي، حر، يمثل فلسطينيي الضفة والقطاع، ولكن أيضاً في أن السلطة سرعان ما انقسمت على نفسها بين غزة ورام الله.

وهذا ما يجعل الدعوة إلى وجود إطار جديد للقاء الفلسطينيين في الشتات مسألة بالغة الأهمية، وما يجعل احتجاجات بيروقراطية المنظمة غير ذات معنى. إن كان لبيروقراطية المنظمة أن تعترض، فلابد لها من الاحتجاج على الانقلاب الذي قادته سلطة الحكم الذاتي وحراس أوسلو على نضال الحركة الوطنية الفلسطينية الطويل من أجل إعادة بناء الجماعة الوطنية الفلسطينية. كان فلسطينيو الشتات الحاضنة الأولى للحركة الوطنية، وربما سيتحول اجتماعهم من جديد إلى قوة دافعة لعودة التوازن إلى معادلة القوة التي تحكم الصراع على فلسطين ومصير شعبها.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 13 / 2165482

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع وجهات العدد   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

14 من الزوار الآن

2165482 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 14


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010