الجمعة 3 آذار (مارس) 2017

في المُلِح الفلسطيني بعد طي “حل الدولتين”

الجمعة 3 آذار (مارس) 2017 par عبداللطيف مهنا

انتهى وهم “حل الدولتين” منذ أمد، وقبل انتهاء خدمة هذه الأحبولة التصفوية المعلن وبعده، انتهى خليفته المتوعَّد به، أو الموهوم عند البعض، “حل الدولة الواحدة”. الأول أجهز عليه التهويد المتدثِّر بعباءة “المسيرة التسووية”، والتي من المحال أن تفضي بأصحابها وبالقضية إلى غير ما أفضت إليه. والثاني يتكفل باستحالته أمران: “يهودية الدولة”، التي باتت اللازمة لأي مقاربة صهيونية أو غربية مروِّجة لأكذوبة المساعي السلمية، بمعنى النقاء اليهودي لكيان الاحتلال الإسرائيلي والتمهيد المستقبلي لمخططات “الترانسفير”، والثاني، وهو الأهم، طبيعة الكيان الغاصب الاستعمارية الإحلالية، الذي وجوده أصلًا نقيض للآخر نافيًا له، بما يعني موضوعيًّا استحالة مسالمته أو التعايش معه لكونه حالة استعمارية عدوانية نقيضة موضوعيًّا لهذين المفهومين.
حديث إفك الحلول لن يتوقف. ستتوالى مختلف معزوفاتها القادمة. كل ما كان حتى الآن هو مجرَّد إشهار دفن “حل الدولتين”، الذي سبق وأن نفق، لكن، واستنفادًا للغرض منه، قد تأخر إشهاره. أما ما سيكون المستجد لاحقًا فليس سوى الهبوط بالسقف التصفوي بما يتفق مع المقاسات النتنياهوية المرحلية، بدءًا بـ”الحل الإقليمي أولًا”، أو ما دعته صحيفة “هآرتس” بـ”الانطلاق من الخارج للداخل”، والذي يعني محاولة طي الصراع عربيًّا كمقدمة لحله فلسطينيًّا، والحل هنا بمفهومه الصهيوني، والذي يأملون أن يسهِّله الا ستفراد بهم، يعني فرض قبول الفلسطينيين بالتصفية النهائية لقضيتهم، أو ما يعني للإسرائيليين تحقيق الانتصار النهائي المنشود للمشروع الإسرائيلي.
العدو من الآن يستعد لمرحلة ما بعد دفن فرية “حل الدولتين”، ويعمل وسيعمل جاهدًا على توكيد استحالة خرافة “حل الدولة الواحدة” من الآن فصاعدًا. كما وليس عنده من حد فاصل بين من دفنها ومن سيئدها، بل يرى في دفن أكذوبة الأولى منطلقًا لطمر وهم الثانية. وعليه، أعاد ليبرمان فتح إضبارته القديمة ليقرأ علينا من برلين دعوته الترانسفيرية القديمة، تلكم الداعية لتبادل أصحاب الأرض في المحتل عام 1948 بحفنة من المستعمرين في الضفة المحتلة في العام 1967، وإذ لا حديث في الكيان المحتل إلا عن ما بعد طي “حل الدولتين”، فلا من خلاف لديهم على إبقاء السلطة مرحليًّا، بغية تأمين احتلال مريح خدماتيًّا، والحفاظ على التنسيق الأمني لضمان أمن المستعمرات، ما خلا ذلك فكل الأمور تجري وستجري من الآن فصاعدًا اتساقًا مع مستجد المرحلة.
بعد قرار “تبييض” المستعمرات تمهيدًا لضمها، والإعلانات المتواترة لقرارات التهويد، وقانون منع الأذان، جاء التصعيد القمعي للتضييق على الفلسطينيين. في يوم واحد فحسب، وعلى سبيل المثال، المداهمات والاعتقالات شملت أحياءً مقدسية، وسبع مدن أخرى، هي: الخليل ونابلس وجنين وطول كرم ورام الله والبيرة وقلقيلية، حيث تم اعتقال 28 مواطنًا بذريعة الاشتباه بممارستهم “نشاطات عنفية”، أو الإخلال بالنظام العام، بالتوازي مع استشهاد عامل فلسطيني دهسًا متعمدًا من قبل أحد المستعمرين، وتدمير جرافاتهم أنابيب مياه الشرب في الأغوار الشمالية، وتجريف الأراضي الزراعية لقرية رخمة في النقب، واستهداف بوارجهم للصيادين في غزة… يقابله إصدار حكم مخفف لا يتجاوز ثمانية عشر شهرًا وقيد العفو على الجندي مطلق النار على جريح فلسطيني نازف ملقى على الأرض، هو الشهيد عبدالفتاح الشريف… خلاصته، كل ما يؤشر على انتهاج سياسة التصعيد الباطش اتساقًا مع ما تتطلبه مرحلة ما بعد “حل الدولتين” وتهيئةً لما بعده.
إن أخطر ما يتهدد القضية الفلسطينية دائمًا، وخصوصًا في هذه المرحلة، هي أطروحات الحلول الوهمية والمختلف من المبادرات التصفوية، وتحت أية عناوين ومن أي جهات كانت، لا سيما في ظل راهن حال الأمة وهذا الواقع العربي المزري والظرف الفلسطيني البائس. وهي ليست في حاجة لمؤتمرات صاخبة تحت أية مسميات كانت، وبغض النظر عن النوايا حسنها أو سيئها، كما هي بغنى عن توجه فاشل تاريخيًّا وعبثي موضوعيًّا ويتمسك به عادة انهزاميون فلسطينيون ومن يدعمهم من القضية المركزية للأمة العربية، وهو اللجوء لعدالة ما يدعى “المجتمع الدولي”، أو “الرأي العام الدولي”، الذي هو عمليًّا الغربي، أو الأمم المتحدة، هذه التي شرعنت اغتصاب فلسطين حين قسَّمتها بين الغزاة المستعمرين وأهلها واعترفت بالكيان الغاصب، ولم تنفذ قرارًا واحدًا من ترسانة قراراتها بشأن القضية الفلسطينية لا يرضى عنه الصهاينة.
القضية الفلسطينية، الشعب الفلسطيني، النضال الفلسطيني، خطورة المرحلة، ومصيرية اللحظة، تبدو بحاجة فلسطينية ماسة إلى مؤتمر واحد لم يعقد بعد، مؤتمر شعبي عام، وحقيقي في شموليته التمثيلية لكافة شرائح الشعب الفلسطيني وقواه وفعالياته، ومن سائر أماكن تواجده، وطنًا وشتاتًا، وليعلن باسم هذا الشعب مسألتين لا ثالث لهما:
الأولى، رفض وقطع وتحريم لأي جنوح تسووي، لا سيما في هكذا مرحلة مختلة الموازين بالكامل لصالح عدو الصراع معه تناحري، إما نحن أو هو، وأي مسار غير المواجهة فيها يفضي بالضرورة لتنازلات تمس حقا عادلا وغير قابل للتصرف في كامل وطن تاريخي يحتله مستعمر غازٍ.
والثانية، الإجماع على خيار واحد وهو المقاومة، المقاومة بكافة أشكالها الممكنة وعلى رأسها المسلَّحة، ورفد انتفاضة الفدائيين الراهنة بعصيان مدني شامل، والتوجه نحو التوافق على برنامج حد أدنى وطني يستند إلى هاتين الاثنتين ويُشتق منهما.
… إن هذا وحده كفيل بأن ينذر جبهة أعداء شعبنا وأمتنا بأن أي خطوة تصفوية جديدة من شأنها فحسب استنهاض مواجهتها وإعادة الصراع إلى مربعه الأول.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 64 / 2165832

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع عبداللطيف مهنا   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

24 من الزوار الآن

2165832 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 25


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010