الجمعة 3 آذار (مارس) 2017

العمل الفلسطيني والتوازن بين أشكال المقاومة

الجمعة 3 آذار (مارس) 2017 par علي بدوان

شكّل نهج المقاومة العنوان الأبرز في مسيرة الشعب العربي الفلسطيني، وحركة الوطنية التحررية، منذ ما قبل النكبة وحتى اللحظة الراهنة. وقد اتخذت تلك المقاومة أنماطها وأساليبها وأشكالها المُتعددة تبعًا للظروف والمعطيات القائمة في كل لحظة من لحظات الكفاح الوطني التحرري للشعب العربي الفلسطيني.
تعددت كل أشكال المقاومة، وفق المعطيات الزمانية والمكانية، ووفق المتاح، بالبندقية، والحجر، بالصوت والصورة، والملصق، والكلمة، والاعتصام، والإضراب العام …. وكل أشكال العمل الجماهيري السلمي، كما يجري الآن في أكثر من مكان في الضفة الغربية والقدس وعموم فلسطين من بحرها إلى نهرها، وعلى أرض الجولان العربي السوري المُحتل، مقاومة في الصمود والبقاء، وفي مواجهة عمليات تهويد الأرض وابتلاعها. إنها أساليب وأنماط الكفاح المُتعددة الأشكال، وبالوسائل والأدوات المُختلفة، وهي في جوهرها تأكيد على رفض الاحتلال والتمسك بالأرض والهوية، والانتماء…إنها تكتيكات كفاحية في خدمة الاستراتيجية الوطنية العامة…
في السرد التاريخي، وبشكلٍ مُختصر ومُكثّف، لجملة الوقائع التي رافقت الكفاح التحرري الفلسطيني، مُرفقة بالتحليل والتشريح، نجد أن الشعب العربي الفلسطيني، ورغم كِبَرِ حجم المؤامرة واللعبة الدولية التي مورست بحقه منذ تصريح بلفور عام 1917، فإن ناصيته بالعمل المقاوم لم تهدأ، بل شهدت تحولاتٍ مُتتالية، في ثورات كفاحية لم تتوقف على امتداد أرض فلسطين التاريخية، وقد توجت في محطات معينة بثورات نوعية، كان منها الثورة الأنصع والأوسع بقيادة الشهيد الشيخ عز الدين القسام، التي ترافقت مع فعلٍ جماهيري واسع على امتداد أرض فلسطين التاريخية.
كانت ثورة الشهيد الشيخ عز الدين القسام ما بين أواخر العام 1935 إلى العام 1939، وقد شملت جميع أنحاء فلسطين، الأطول عمرًا قياسًا بالثورات والانتفاضات التي سبقتها، حيث وقعت معارك ضارية وعنيفة بين مقاتلي الثورة والجيش البريطاني والعصابات الصهيونية. وقد مرت تلك الثورة بمراحل عدة، وترافق معها إعلان الإضراب العام الكبير، والذي استمر ستة أشهر، وهو العصيان المدني الذي كان في حينه أكبر ثورة مدنية شعبية تحصل في المستعمرات البريطانية وفي العالم بأسره، والذي طوقته وأوقفته في نهاية الأمر مناشدات الحكام والأمراء العرب، وضغوطها على القيادات الوطنية التقليدية في فلسطين، لوقفه والقبول بالوعود البريطانية بوقف الهجرة التوسعية اليهودية الكولونيالية الاستعمارية إلى فلسطين، وذلك بعد أن فشل البريطانيون بوقف الثورة والعصيان المدني الشامل.
سقطت فلسطين، واحتُلَّ الجزء الأكبر منها، في النكبة الكبرى منتصف العام 1948 بعد أن صمد شعبها في مواجهة أعتى الحروب الاستعمارية الكولونيالية الإجلائية في العصر الحديث، وفي مواجهة قوات عسكرية بلغت في حينها نحو تسعين ألف مقاتل من وحدات الهاجناه والبالماخ وغيرها، والمسنودة بالبنية التحتية العسكرية الكاملة التي تسلمتها من جيش الانتداب البريطاني على فلسطين مع خروج آخر جنوده صباح الخامس عشر من أيار/مايو 1948. وقد سقط من أبناء فلسطين أثناء حرب النكبة نحو (12) ألف شهيد، من شعب لم يكن تعداده ليبلغ أكثر من مليوني مواطن، ودمرت مؤسساته الوطنية، ومؤسساته الكيانية التي كانت قد قطعت شوطًا كبيرًا في وجودها وتطورها باتجاه استقلال الوطن الفلسطيني.
بُعيد النكبة، ووقوع حالة الشتات الفلسطيني، وتمزق الأرض الفلسطينية بين مناطق محتلة عام 1948، ومناطق تحت الإدارة المصرية، ومناطق تحت سلطة الضم والإلحاق الهاشمي، لم يَكُن من خيارات أمام الشعب العربي الفلسطيني، سوى الالتحام العضوي مع محيطه العربي في صراع البقاء من أجل مقاومة عملية التذويب والإنهاء والطمس القومي، وفي مواصلة النضال التحرري لاستعادة حقوقه الوطنية ووقف دولاب التوسع الصهيوني. فانتقل نضال الشعب الفلسطيني من الدور القومي العام إلى البحث عن الدور الخاص، وصولًا لإحلال منطق التوازن بين الوطني/القومي، وهو ما أشَرت إليه وأشارت إليه سلسلة عمليات النهوض وانطلاق العمل المباشر مع تفتح بذور المقاومة على شكل “فصائل، تنظيمات، أحزاب، كتائب، سرايا …. في السنوات التي تلت النكبة الكبرى …
وكان التطور الفلسطيني بُعيد النكبة، بروزًا جديدًا للدور الذاتي الفلسطيني، تأتى عنه ولادة الكثير من القوى والفصائل والمجموعات الفدائية الفلسطينية من تلاوين فكرية متنوعة وطنية وقومية ويسارية وإسلامية… وصولًا نحو تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية في 28/5/1964، التي تكونت تاريخيًا من ائتلاف مُختلف فصائلها ذات التلاوين الفكرية والأيديولوجية المختلفة “القومية والديمقراطية اليسارية والوطنية” وتحديدًا منذ العام 1968 في الدورة الرابعة للمجلس الوطني الفلسطيني التي عُقدت في القاهرة، بعد استقالة المؤسس المرحوم أحمد الشقيري يوم 24/12/1967 وتعيين يحيى حموده خلفًا له لفترة مؤقته، إلى حين استقالته بالدورة الخامسة للمجلس الوطني الفلسطيني التي عقدت في شباط/فبراير1968، وجاء بعد ذلك الاعتراف العربي الكامل بالصفة التمثيلية والاعتبارية لمنظمة التحرير الفلسطينية في قمة الـــرباط عام 1974، وصولًا إلى الاعتراف الأممي بها وبمرجعيتها كممثل رسمي للشعب العربي الفلسطيني.
شكّل النهوض الفلسطيني المسلح، في ظل الثورة المعاصرة، ومع كل المثالب والمطبات التي اعترضت طريقه، أو الأخطاء والتكتيكات التي وقع بها، شكّل الرافعة التاريخية الكبرى التي انتقلت بالقضية الفلسطينية طورًا نوعيًا جديدًا، فاستعادت فلسطين وشعبها، حضورها على أجندة المجتمع الدولي، لتصبح قضية العالم الأولى في الميدان الدولي، وبؤرة الصراعات وأم القضايا.
وعلى هذا الأساس، واجهت الحركة الوطنية الفلسطينية المعاصرة حروبا ضروسا من أجل إبادتها وإنهائها، وصولًا لغزو العام 1982، حيث اعتقد الكثيرون بأن على الفلسطينيين أن يدفعوا أثمان ما بعد نتائج غزو عام 1982. وفي حينها مَرت الحالة الفلسطينية والكفاح الفلسطيني بظروفٍ صعبة، وسنوات عجاف إلى حين انطلاقة الانتفاضة الفلسطينية الكبرى نهاية العام 1987 فأعادت قلب كل المعطيات رأسًا على عقب، وبيّنت بما لا يدعو للشك بأن الشعب الفلسطيني لن يستكين تحت طبقات اليأس والإحباط، وبأنه ما زال قادرًا على الوقوف على قدميه، ومواجهة الاحتلال.
شهدت الانتفاضة الكبرى التي دقت أبواب العالم بأسره، توسيعًا لأنماط العمل ضد الاحتلال، وإبداعًا وتألقًا في تنويع كل أشكال المقاومة، فكانت الحجارة والعمل الجماهيري الواسع العنوان الأبرز في مواجهة الاحتلال، والعنوان الأنسب في اشتقاق الوسائل الممكنة في مواجهة العدو في ظل الانكسار المُفجع في ميزان القوى العسكري، وقد تجنبت الانتفاضة وقياداتها الميدانية واليومية مطب العسكرة، فركزت في نشاطاتها وفعالياتها على العمل الجماهيري الواسع بكل الوسائل والأساليب، بدلًا من التركيز على الأعمال الفردية لمجموعات فدائية دون غيرها، وفي هذا رؤية عميقة، تَدُلُ على خبرة مكتنزة.
ففي ظل انتفاضة الأقصى وفي المراحل التالية من عمر الكفاح الوطني التحرري للشعب الفلسطيني، ساير الكفاح الفلسطيني بالضرورة حركة الانتفاضة، مع الحفاظ على الطابع الجماهيري الواسع للعمل الوطني الفلسطيني، مع تجنب الوقوع في مطب العسكرة وحده في ظل المعادلات الراهنة مع انتفاء شروط النجاح لانكسار مفجع في التكافؤ وميزان القوى العسكري، وتجنبًا لكوارث إضافية… قد تضع الحالة الفلسطينية وجهًا لوجه أمام آلة كلية التدمير… مقابل شعب شبه أعزل.
كما انطلقت شرارات الانتفاضة الفلسطينية الكبرى الثانية، انتفاضة الأقصى والاستقلال فجر (28/9/2000) بعد فشل مفاوضات كامب ديفيد 2 على المسار الفلسطيني، وبعد أن غاصت عجلات قطار التسوية المتوقف على أرض المرتفعات السورية المحتلة في أوحال هضبة الجولان إثر وصول مفاوضات شبيردزتاون بين الطرفين السوري و”الإسرائيلي” إلى الجدار المسدود.
انطلقت شرارات الانتفاضة الفلسطينية الكبرى، لتكسر قواعد اللعبة التفاوضية التي أرادتها “إسرائيل” بإضعاف الأطراف العربية وباستفرادها وتفريد الحلول معها طرفًا إثر طرف، وفك ارتباط عملية التسوية بقرارات ومرجعية الشرعية الدولية في إطار الحل الشامل المتوازن القائم على أساس قرارات الشرعية الدولية قولًا وعملًا.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 24 / 2165385

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع علي بدوان   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

20 من الزوار الآن

2165385 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 15


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010