الأحد 29 آب (أغسطس) 2010

ما الذي سنخسره إن فشلت المفاوضات المباشرة؟

الأحد 29 آب (أغسطس) 2010 par عريب الرنتاوي

إنها حقاً مثيرة للدهشة والاستغراب، تلك التصريحات التي أدلى بها «الرئيس الفلسطيني محمود عبّاس» قبل يومين من صنعاء، فهو من جهة لم يتردد في الحديث عن «احترام الرأي والرأي الآخر» رغم أن ساعات قليلة فقط هي كل ما يفصلنا عن «تظاهرة» قاعة البروتستانت في رام الله ضد مؤتمر القوى المناهضة للمفاوضات المباشرة، وهو من جهة ثانية يقول ومن دون تردد أيضاً، أن الفلسطينيين لن يخسروا شيئاً إن فشلت المفاوضات المباشرة وبلغت طريقاً مسدوداً.

لن نعلق على «ديمقراطية غابة المفاوضات وأدغالها ودهاليزها»، فتلكم مسألة فضحتها مجريات الوضع في الضفة حيث «النظام القمعي» الذي أُسس له بعد رحيل عرفات، لم يكد يفرغ من الهجوم الشامل على مواقع «حماس» وكوادرها، حتى استدار ليطال بقبضته الأمنية فصائل منظمة التحرير ذاتها، في انتكاسة نترك لحلفاء «الرئيس» وأصدقائه من فصائل وشخصيات وطنية أمر وصفها والتعبير عنها، وقد فعلوا ذلك بأبلغ مما فعلنا على أية حال خلال الأيام والساعات القليلة الفائتة.

وسنكتفي بالحديث عن «المفاوضات المباشرة في منظور الربح والخسارة»، فإن كنا سنربح حقوقنا إن نجحت المفاوضات، ولن نخسر شيئاً إن هي فشلت، فلماذا كل هذا الضجيج الذي أحدثه «الرئيس وطاقمه ومستشاروه» و«كتبته» و«مرسلوه» خلال الأسابيع والأشهر الفائتة، ضد «المفاوضات المباشرة» إن هي لم تلتئم على قاعدة وقف الاستيطان ومن النقطة التي انتهت إليها في السابق، وبموجب مرجعية قاطعة في وضوحها؟... لماذا كل هذه «المقاومة والتمنع» عن الالتحاق بموائدها وتفضيل محادثات التقريب غير المباشرة عليها؟.

لماذا إزعاج قادة عرب في جولات عبثية لا ندري ما المغزى منها وما الفائدة، طالما أننا لن نخسر شيئاً إن فشلت المفاوضات المباشرة؟... لماذا الاجتماعات الاستثنائية للوزراء العرب، تارة للتشاور وأخرى للحصول على المظلة والضوء الأخضر والمفتاح، طالما أن الأمر بهذه البساطة، نكسب إن نجحت المفاوضات ولا نخسر شيئاً إن فشلنا؟.

وما السبب وراء حملة الترويج الهائلة التي شنها «الرئيس وأركان السلطة» تحت عنوان «الضغوط غير المسبوقة» و«عرضنا الأمانة على الجبال..» إلى غير ما هنالك، طالما أننا لن نخسر شيئاً لو فشلت المفاوضات المباشرة؟، لماذا لم تفعلها يا «سيادة الرئيس» وتقبل بالمفاوضات المباشرة منذ البداية، وتريح نفسك وتريحنا وتريح القادة والوزراء العرب وتوفر على ميتشيل جولاته المكوكية ومعه عشرات الخبراء والمساعدات وأطقم الحماية، لماذا كل هذا الجهد الضائع؟.

لماذا يقف الشعب الفلسطيني، كل الشعب الفلسطيني، بكل فصائله بمن في ذلك غالبية أعضاء «مركزية فتح» ضد المفاوضات المباشرة إن كنا لن نخسر شيئاً إن هي فشلت؟.... لماذا يُمرر قرار القبول بها بصورة «بهلوانية»، في اجتماع للجنة التنفيذية بلا نصاب وقرار بلا تصويت، إن كنا لن نخسر شيئاً إن هي فشلت؟... لماذا تُخترق الشرعية ويُتجاوَز على القانون ونظام منظمة التحرير إن كان الأمر بهذه الخفة والبساطة؟.

لقد نفدت الأعذار وجفت ينابيع الحجج والتبريرات، فلم يتبق في جعبة «السلطة» سوى هذا التفسير الساذج المُستخف بعقولنا لقرار الالتحاق الذليل بالمفاوضات المباشرة، لم يبق سوى القول إن ضيّعنا كل شيء فهل يضيرنا إن نحن ضيّعنا ما تبقى لنا من أوراق وحقوق وكرامة وماء وجه!!.

نحن لا نفهم تصريحات «الرئيس عبّاس» سوى في سياقها المأزوم، وبوصفها رجع صدى لأزمة الخيارات والبدائل التي وضعت القيادة الفلسطينية نفسها فيها، أزمة الغريق الذي لم يعد يخشى من البلل، نحن لا نفهما إلا بوصفها «زفرة» يأس وإحباط و«قلة حيلة» و«لحظة إفلاس».

سيخسر الشعب الفلسطيني في ختام عام المفاوضات المباشرة العبثية المقبل، سيخسر إن هي «نجحت»، فالنجاح هنا ليس له معنى خارج الشروط «الإسرائيلية» المسبقة، والتي أضيف إليها أمس فقط شرط جديد، يتلخص في وقف أي نشاط مناهض لـ «إسرائيل» على الساحة الدولية، بما في ذلك «جولدستون» و«الرصاص المصبوب» و«أسطول الحرية» و«التحقيق الدولي».... وسيخسر الشعب الفلسطيني إن انتهت هذه المفاوضات إلى الفشل، لا لأن المزيد من المستوطنات والمستوطنين سيزرعون على أرضه وفوق صدره في بيوته تحت غطاء المفاوضات وفي ظلالها، بل ولأنه سيثبت بالقطع والملموس والتجارب المتكررة، أن مأزق هذا الشعب في «قيادته»، أو بالأحرى في فراغ «قيادته»، الذي لم يملأ منذ رحيل ياسر عرفات... وسيخسر الشعب الفلسطيني ثالثاً، لأن «الناطقين باسمه» اعتادوا التخلي عن حقوقه قطعة قطعة، ستزداد مساحة الأراضي التي يمكن إخضاعها لمبدأ التبادل، سيقل عدد اللاجئين المشمولين بـ «لم الشمل»، ستزداد كلفة «نظرية الأمن «الإسرائيلية»» على الشعب الفلسطيني، وستزداد «سلطة» هذا الشعب قمعاً وتعسفاً بالتسويات المنقوصة أو الفشل الصريح للسياسات والاستراتيجيات إن جاز لنا أن نتحدث عن استراتيجية فلسطينية، يستتبع حكماً مزيداً من القمع والتسلط الأمني، وأول الغيث انهمر على نادي البروتستانت في رم الله، وليس من المستبعد أن ينهمر قبل نهاية عام المفاوضات المباشرة.

سيخسر الشعب الفلسطيني حتى إشعار آخر فرص استعادة المصالحة والوحدة، فنجاح المفاوضات أو فشلها، سيستدعي تعزيز التنسيق الأمني في مواجهة القوى الفلسطينية المقاومة، وسيزداد ارتهان «السلطة» لمصادر التمويل لا بهدف تسريع لحظة الحرية والاستقلال، بل لإدامة «السلطة» والحفاظ عليها، حتى وإن كانت مجرد «صندوق تقاعد» مدجج بالحراسات و«الأجهزة الأمنية».... ستخسر مقاومة الشعب الفلسطيني جزءاً من قواها المحركة التي تتحضر للانتقال إلى «الخندق الآخر»، مرة واحدة وإلى الأبد على ما يبدو.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 42 / 2165272

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

8 من الزوار الآن

2165272 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 2


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010