الجمعة 27 كانون الثاني (يناير) 2017

إسرائيل” والاستعداد للحرب الإلكترونية

الجمعة 27 كانون الثاني (يناير) 2017 par علي بدوان

من المعروف أن الأذرع القتالية “الإسرائيلية” تتحدد في عدة مجالات، أولها الذراع البرية، وهو ذراع مُتعددة الأسلحة، يضم الأسلحة البرية القتالية داخل الجيش “الإسرائيلي”، وهو المسئول عن بناء تلك القوات البرية، وقائد الذراع هو ضابط برتبة لواء. وثانيها الذراع الجوية (سلاح الجو)، ويعرف الذراع رسميًّا باسم ذراع الجو والفضاء، وقائد الذراع ضابط برتبة لواء. وثالثها الذراع البحرية، وهو الاسم الرسمي لسلاح البحرية، قائد الذراع ضابط برتبة لواء. وبات الآن رابعها وهو ذراع (السايبر)، وهو ذراع حديث الإنشاء، حيث صدر قرار تأسيسه عام (2015) من رئيس الأركان الحالي الجنرال غادي ايزنكوت، ويختص بالحرب الإلكترونية الحديثة. وإن كان قد تم البدء بإنشائه عام 2011.
إن ما دفع جيش الاحتلال لإنشاء الذراع الرابعة، أن بوادر الحرب الإلكترونية بدأت تنطلق في المنطقة، وتباشيرها بدت صارخة وجلية في إقدام الدولة الصهيونية على الاستعداد لها في مرحلة صعبة من تاريخها منذ قيامها على أنقاض الكيان الوطني والقومي للشعب العربي الفلسطيني عام 1948، وذلك بالرغم من اختلال ميزان القوي العسكري لصالحها. فـ”إسرائيل” التي تعيش قوة سطوتها العسكرية تعيش في الوقت نفسه قمة القلق والخوف من المراحل التالية في الصراع مع شعوب المنطقة. فالحرب الإلكترونية قادمة لا محالة، وهي حرب العقول للعقول، حيث الاستعداد “الإسرائيلي” للمرحلة التالية من هذه الحرب.
أجهزة المخابرات “الإسرائيلية” بمختلف أقسامها، تعمل جاهدة على تطوير قدرات مُتقدمة جدًا في مجالات العمل المختلفة، إلا أنها تقف عاجزة أمام وضع خططٍ دفاعية وحمائية ضد الهجمات الإلكترونية المحوسبة التي تأتيها من الخارج، وخير دليل على ذلك أن هناك هجمات كبيرة تعرضت لها أنظمة الحوسبة لعدد من المرافق الحيوية في “إسرائيل”، من قبل هواة من الشباب العرب ممن يمتلكون “حذقًا” كبيرا في مجال المعلوماتية وبرامجها. فالحرب الإلكترونية وحروب المعلوماتية تُقلق صناع القرار في “إسرائيل”، فهي حربٍ من نوعٍ جديد، وبأسلحة جديدة غير تقليدية لكنها فتاكة في نتائجها العامة، يقودها فرق من القراصنة أو ما يطلق عليهم بـ(الهاكرز). فماذا فعلت الدولة العبرية الصهيونية في هذا المضمار استعدادًا لحرب إلكترونية مقدرًا لها أن تستطير ولو بعد حين في عموم المنطقة وحتى العالم في زمن العولمة والكوكبة، ليس بين الدول فقط بل بين كبرى الشركات في العالم أيضًا وتحديدًا الشركات (فوق القومية) العابرة للبلدان والمحيطات.
وعليه، وسعيًا وراء الاستعداد لحرب إلكترونية مفترضة ومتوقعة، تم في “إسرائيل” تشكيل ما يسمى بهيئة الأركان الوطنية لمجال (السايبر) عام 2011، وتم تخصيص موازنة ضخمة لها في سياق السعي لإقامة نظم دفاعية للجبهة الداخلية أمام موجات الحرب الإلكترونية التي تخشاها الآن “إسرائيل”. فهذه الحرب هي المجال القتالي الوحيد الذي لا تؤثر فيه العمليات الهجومية على الخصم، خاصة وأن الميزة الأبرز توجد دائمًا لدى الطرف المُهاجم، وهو ما لا يُمثل بُشرى سعيدة لـ “إسرائيل” التي ستتعرض في السنوات القادمة كما تتوقع المصادر الأمنية “الإسرائيلية” لهجمات بلا توقف من هذا القبيل ومن قبل جيوش من الشباب العربي المُنتشر في كل مكان على أرض المعمورة وفي مختلف أصقاعها، خصوصًا وأن امتلاك علوم المعلوماتية بات أمرًا متوافرًا تقريبًا أمام قطاعات الشباب وبتكلفة ليست باهظة كتعلم علوم الطب والهندسة وغيرها.
إن استشراف المستقبل والرؤية بعيدة المدى، دفع بقادة القرار في “إسرائيل” للدخول في سباق المواجهة أمام تهديدات الفضاء الإلكتروني، وفي الوقت نفسه في اقتناص الفرص الاقتصادية للاستثمار في هذا الميدان. وقد تمكنت “إسرائيل” خلال السنوات الأخيرة من تثبيت مكانتها بصفة إحدى الدول الرائدة عالميًّا في مجال الفضاء الإلكتروني (السايبر).
لقد صادق مجلس الوزراء “الإسرائيلي” على استحداث “سلطة وطنية” لحماية الفضاء الإلكتروني. وسيجري إنشاء السلطة تدريجيًّا على مدى ثلاث سنواتٍ. وستتولى السلطة المسؤولية عن مجمل إجراءات الحماية المطلوبة لتقديم الحلول الشاملة للهجمات الجارية عبر الفضاء الإلكتروني بما في ذلك التعامل مع التهديدات والأحداث الآنية. وستشغّل السلطة الجديدة مركزًا يختص بتقديم المساعدات لمواجهة التهديدات عبر الفضاء الإلكتروني، وتعزيز قدرات جميع الهيئات والقطاعات المعنية في الاقتصاد “الإسرائيلي”. وجاء قرار استحداث السلطة الوطنية للفضاء الإلكتروني محصلة لدراسة شاملة لأبعاد القضية أظهرت ضرورة وجود هيئة عملياتية متخصصة تقود المعاملات الجارية لحماية الفضاء الإلكتروني في “إسرائيل” على أساس نظرة بعيدة المدى تأخذ التهديدات المتزايدة والمتنامية بعين الاعتبار. وستعمل السلطة الجديدة إلى جانب “الهيئة الوطنية” للفضاء الإلكتروني التي ستواصل بدورها قيادة السياسة الوطنية وبناء القدرات التقنية الرامية إلى جعل “إسرائيل” تحتل موقعًا عالميًّا رائدًا في مجال الفضاء الإلكتروني.
وتُشكّل السلطة الجديدة والهيئة الحالية، جهازًا موحّدًا يتبع ديوان رئاسة الوزراء. كما صادق مجلس الوزراء على مشروع قرار خاص بضبط وتنظيم سوق خدمات حماية الفضاء الإلكتروني فيما يتعلق بأصحاب الاختصاص والمنتجات ذات الصلة على أن تقوم بهذا الدور وحدة متخصصة تتبع سلطة الفضاء الإلكتروني الجديدة. كما تقرر اعتماد إجراءات مُحكمة لضبط ومراقبة استعدادات الهيئات والمنظمات الاقتصادية الهامة في مجال حماية الفضاء الإلكتروني وتقديم الحوافز لها لرفع جاهزيتها.
أما الدوائر الحكومية نفسها فتقرر اعتماد إجراءات تُلزمها بتطبيق معايير عالية لحماية الفضاء الإلكتروني، سواء لغرض تحسين إجراءات حماية المواد والمعلومات الرقمية التابعة للدولة أو لجعل الدوائر الحكومية قدوة يقتدي بها عموم الناس والقطاع الخاص. وسيتم في هذا الإطار تشكيل وحدة حكومية لحماية الفضاء الإلكتروني تتبع دائرة المعلوماتية التابعة لديوان رئاسة الوزراء وتشكل هيئة توجيهية تصدر التعليمات لجميع الدوائر الحكومية، مركز عمليات أمنية يختص بمواجهة تهديدات الفضاء الإلكتروني.
في هذا السياق، إن الحكومة “الإسرائيلية” الحالية بقيادة بنيامين نتنياهو بادرت قبل مدة على توسيع الإطار نفسه المعني بالحرب الإلكترونية (حرب السايبر) في عملية تكاملية بين الجيش ومؤسسات الدولة المعنية، فأنشأت، وحدة خاصة مسؤولة عن تحسين الدفاعات الإلكترونية “الإسرائيلية” وتنسيق وتطوير البرمجيات، وتعزيز العلاقات بين الدفاعات المجالية في الجيش، والشركات التكنولوجية والمؤسسات المعنية. وتعزيز قدراتها الدفاعية والهجومية في مجال الحرب الإلكترونية.
فرئيس قيادة الحرب الإلكترونية في الكيان الصهيوني (إسحاق بن إسرائيل) قال “إن الوضع الذي يكون فيه بوسع كل مجموعة قراصنة التسلل إلى مخزونات المعطيات لا يمكن أن يتوقف إلا إذا بُنيت منظومة دفاعية مناسبة، وهذا ما قررت حكومة إسرائيل فعله”. مُضيفًا القول “إن على الحكومة الإسرائيلية أيضًا أن تستوعب بأنه في عصر التكنولوجيا الذي تُشكّل فيه كل منظومة دفاعية إمكانية كامنة للتسلح، فإن المخزون البيومتري هو ثغرة كبيرة يمكن التسلل منها”.
وبالاستخلاصات الأخيرة، يمكن القول بأن دولة الاحتلال تواصل تطوير قدراتها، وتستعد لحربٍ إلكترونية متوقعة من وجهة نظر قادتها، وهو ما يجب أن يدفع العرب، والدول الإسلامية عمومًا، لأهمية السعي من أجل امتلاك تلك التقنية العلمية، والتفوق بها.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 35 / 2165621

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع علي بدوان   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

8 من الزوار الآن

2165621 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 9


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010