الجمعة 20 كانون الثاني (يناير) 2017

إدارة دونالد ترامب والصين … والتسخين التالي

الجمعة 20 كانون الثاني (يناير) 2017 par علي بدوان

يتوقع أن تَرِث الإدارة الأميركية الجديدة ملفاتٍ عدة، باتت على درجة من التعقيد والملحاحية والأهمية، يَقَع على رأسها ملف العلاقات بين واشنطن وبكين، ومُستقبل تلك العلاقات، حيث يُرَجّح المُتابعين أن يقوم الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب بتعيين صديقه القديم حاكم ولاية (أيوا) المُحافظ (تيري برانستاد) سفيرًا لدى الصين. كما ينوي الرئيس دونالد ترامب ــ وفق العديد من المصادر ـــ تعيين (جون بولتون) المعروف بموقفه المُتشدد من الصين، نائبًا أول لوزير الخارجية، ليكون مُشرفًا على العلاقات مع بكين.
الملف المتعلق بالقضايا المشتركة بين بكين وواشنطن، ملف استثنائي، مُتشعب الجوانب ومُتعدد العناوين، بدءًا من العنوان الاقتصادي، والتجاري، والأمن الصناعي، وبراءات الاختراع، وتجارة العملة، والمخزون الورقي الصيني من العملات الصعبة، وصولًا للملف العسكري، وقضايا بحر الصين الجنوبي، وصولًا للموضوع المُتعلق بالترسانة النووية الكورية الشمالية التي يجري الحديث بشأنها الآن في المجتمع الدولي.
في هذا المسار، وقبل فترة قصيرة، وقَعَ حَادث مُحدّد، يُلخِصُ في فحواه الكثير مما ذهبنا إليه، حيث رَصَدَت سفينة تابعة للبحرية الصينية قطعة بحرية “مجهولة” في بحر الصين الجنوبي، فقامت بمحاصرتها، وفحصها للحيلولة دون وقوع أي أمرٍ يتعلق بالسلامة البحرية، ومن ثم اكتشفت أنها غواصة أميركية، دون طاقم، ومتخصصة في علوم المحيطات، فقررت الصين الشعبية وعلى أعلى مستوياتها، تسليمها إلى الجانب الأميركي بطريقة سليمة، وأبلغت واشنطن في الوقت نفسه بضرورة تجنب تضخيم قضية الغواصة.
فالأمر تم بهدوءٍ شديد، وببرودة أعصاب من الجانب الصيني، أما الجانب الأميركي فقد تلقى تلك الصفعة بهدوء ودون ضجيجٍ أيضًا، واقتصر رد الفعل بالإقدام على تقديم احتجاجٍ رسمي، فيما أثارَ الموضوع الرئيس الأميركي المُنتخب دونالد ترامب، الذي كَتَبَ على حسابه في موقع التواصل الاجتماعي “تويتر” أن “الصين الشعبية تَسرِقُ غواصة أبحاث تابعة للبحرية الأميركية من داخل مياه دولية، انتشلتها من البحر وأخذتها إلى الصين في عمل لم يَسبق له مثيل” على حد تعبيره.
وبالترافق مع حَدَث الغواصة الأميركية، وفي السباق إياه، السباق القديم/الجديد الذي نعنيه، سباق السيطرة على بحر الصين الجنوبي، الذي تَعتَبِرَهُ الصين الشعبية جزءًا من أمنها القومي، ومن حقها، انطلقت أول حاملة طائرات صينية (لياوننغ) ضمن أسطول بحري صيني ويضم الأسطول الصيني إضافة حاملة الطائرات، وسبع سفن تضم ثلاث مدمرات مزودة بصواريخ، وثلاث فرقاطات، وسفينة تموين، باتجاه غرب المحيط الهادي، في إطار تدريبات عسكرية، في إطار تدريبات عسكرية روتينية سنوية في أعالي البحار، وسط توتر في العلاقات بين بكين وواشنطن بسبب تايوان، والدور الأميركي بمدها بالمزيد من العاتد والسلاح.
التصعيد المُتبادل تحت الطاولة، بين بكين وواشنطن، تزايد منسوبه بعد تصريحات الرئيس الأميركي الجديد، دونالد ترامب، حول إمكانية تخلي إدارته المقبلة عن الالتزام بسياسة “الصين الواحدة”، والمقصود بذلك العودة إلى العزف الأميركي على وتر مسألة الازدواجية في شرعية وجود الصين الشعبية، وإعادة النظر بالموقف من الصين الوطنية (تايوان) كما كان في السنوات التي تلت الحرب الكونية الثانية وحتى العام 1975، عندما جاءت زيارة الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون في حينها، وقد أسدلت تلك الزيارة، الستار على مسألة الاعتراف الأميركي بالصين الشعبية، وسحب الاعتراف بالصين الوطنية (تايوان)، ومنذ ذلك العام دخلت الصين الشعبية ميدان الأمم المتحدة والعضوية الدائمة في مجلس الأمن الدولي، مع امتلاكها حق النقض.
التصعيد الأميركي الجديد، ومن قبل الإدارة الجديدة تحديدًا، في وجه الصين الشعبية، لم تَكُن لينقصه حَدَث الغواصة الأميركية، فقد أشار دونالد ترامب في تجمعٍ لأنصاره بولاية إنديانا قبيل الانتخابات الأميركية الأخيرة “أن الصين مسؤولة عن أكبر عملية سطو في التاريخ … ولا يمكننا الاستمرار في السماح للصين باغتصاب بلادنا، وهذا ما نقوم به الآن”.
كلام الرئيس ترامب أعلاه، يأتي في سياق توجيه الانتقادات لسياسة الصين التجارية والعسكرية، وفي إشارة واضحة إلى “أن الصين تتلاعب بعملتها لتجعل صادراتها أكثر قدرة على المنافسة عالميًّا، وهو ما يُلحق ضررًا كبيرًا بالشركات والموظفين في الولايات المتحدة” من الوجهة الأميركية.
وعليه، وانطلاقًا من الوارد أعلاه، وتلخيصًا له، إن مصدر القلق والتوتر في العلاقات الصينية الأميركية يعود لعدة مواضيع، أهمها: قضايا بحر الصين الجنوبي وتوسع النفوذ البحري الصيني، وتايوان، والمسائل الاقتصادية والتجارية، وفوق كل ذلك المسائل المُتعلقة بالأرصدة الصينية في البنوك الأميركية، والتي وصَلت في السنوات الأخيرة، إلى أرقامٍ فلكية، قدّرتها مصادر موثوقة مُختلفة بنحو (1,2 ترليون دولار)، أي (1200 مليار دولار) على النحو الذي جَعَلَ الصين صاحبة أكبر عالمي رصيد في البنوك الأميركية، وعلى النحو الذي أدى لانزعاجٍ وقلقٍ دائم في وزارة الخزانة الأميركية والبنك المركزي الأميركي وبنك الاحتياط الفيدرالي. حيث تُدرك مصادر القرار الاقتصادي المالي في واشنطن خطورة الرقم الفلكي للرصيد المالي الصيني انطلاقًا من جانبين: أولهما عائدات أسعار الفائدة التي يُمكن أن تَحصَل عليها الصين وأن تجنيها، جراء وجود ودائعها المالية في البنوك الأميركية. وثانيهما احتمال قيام الصين بسحب هذا المبلغ فجأة من البنوك الأميركية لسببٍ سياسي في ظل التحولات الدولية الجارية وبروز عوامل الاستقطاب الجديدة في الخريطة السياسية العالمية، وما قد يترتب عليه من صدمات مالية قاسية. في الوقت الذي سعى فيه الصينيون لتجنب مخاطر احتمال إعلان بعض البنوك الأميركية إفلاسها، حيث استطاع الصينيون التغلب على ذلك باللجوء لشركات التأمين وإعادة التأمين.
بناءً عليه، من المُتوقع أن تَشهَد المرحلة التالية أزمات سياسية بين بكين وواشنطن، فقد جاء ذكر الصين الشعبية في حملة ترامب الانتخابية في المرتبة الثانية بعد “داعش”. وعليه حدد الرئيس دونالد ترامب أربعة أهداف بشأن الصين الشعبية كما أشارت معظم مراكز البحث الأميركية، والأهداف هي: أولًا إعلان الصين الشعبية دولة “متلاعبة بالعملة”. وثانيًا وضع “نهاية لدعم صادرات الصين للولايات المتحدة ــ تُظهِر أحدث الأرقام الصادرة من الحكومة الأميركية أن عجز الميزان التجاري مع الصين بلغ مستوى غير مسبوق ليصل إلى 365.7 مليار دولار. وثالثًا التخفيف من وطأة المعايير البيئية والعمالية لصالح واشنطن، وتحميل الصين مسؤولية أكبر في ظاهرة التلوث واحترار الغلاف الجوي. ورابعًا إعادة الاعتبار لمفهوم “السلام عبر التفوق والقوة” بما يعني زيادة النفقات العسكرية وزيادة عدد السفن الحربية الأميركية في جنوب شرق آسيا، ودعوة حلفاء الولايات المتحدة، وفي مقدمتهم اليابان وكوريا الجنوبية، إلى زيادة مساهمتهما في إنشاء قوة أميركية ضاربة في المنطقة.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 64 / 2165962

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع علي بدوان   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

19 من الزوار الآن

2165962 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 19


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010