الجمعة 13 كانون الثاني (يناير) 2017

لفُلْك الجزائري المشحون

بقلم:عبدالرزاق قسوم / الشروق الجزائرية
الجمعة 13 كانون الثاني (يناير) 2017

ظللنا، زمنا طويلا، نمنّي النفس – في الجزائر- بأنّ بلادنا، قد نجت، من الربيع العربي، الذي ظُلم في مبناه ومعناه، وحوّل نهره عن مجراه، هذا الربيع الذي صيّره، حِلف الناتو، بتخطيط من عرّاب ومهندس الإرهاب، برنار ليفي، حوّلوه إلى خريف مجدب، سقط فيه كل ورق وشجر، فأصبح عنوانا للشر، ثم إلى شتاء، قارس، كله صقيع، وبرد، وحرّ، وأخيراً، إلى صيف سموم، قاتل، من شدة الحر.
لقد لجأنا، للوقاية، من هذا الربيع المظلوم إلى فُلك نجاة، نقاوم به عباب أمواج البحر المتلاطمة من حولنا، بعد أن طرّزنا حواشيه بدماء شهدائنا، وحصّنّا جوانبه بمبادئ وثوابت علمائنا، غير أنّ قوى الشرّ من حولنا، أبت إلا أن تتسلل إلى قارب نجاتنا فتحدث فيه ثقبا، غريبة، نفذت من خلالها رياح مريبة؛ فكانت هذه الأزمات العصيبة.

تشابكت – إذن – عوامل، وأعراض التأزّم فهي تحاول تهديد سلامة قارب نجاتنا، بدسّ القنابل الموقوتة فيه، وزعزعة أمن وأمان، وإيمان راكبيه.

إنّ ما تشهده الجزائر، هذه الأيام، هو محاولة إتيان الأرض الجزائرية، وإنقاصها من أطرافها، ليتمّ تحقيق مخططات الحاقدين، والمغامرين من داخل الجزائر وخارجها.

فالذين، لهم ثأر مع الثورة الجزائرية، لم ييأسوا من الأخذ بهذا الثأر، مهما كلفهم ذلك من ثمن، ومهما تطلّب من وسائل؛ وتسبب من محن.

والمتواطئون مع أعداء الجزائر، من طلاب المناصب، والمكاسب، لن يتورّعوا، من أن يجعلوا من أنفسهم الذليلة، مطايا، لتحقيق مآرب الأعداء، مهما يكلفهم ذلك من عناء، ودماء، وبلاء.

وهناك الحاسدون، للجزائر، على ما أنعم الله تعالى عليها به من خير الأوطان، وفحولة الإنسان، وجمال الشطآن، وحلاوة الثمار من نخل ورمان.

غير أننا، وطّأنا بغباء لهؤلاء الأعداء، والمغامرين والحاسدين، أكناف البيت، ومكّناهم من الاستفادة، من الطاقة والزيت.

إنّ معظم أعراض تأزّمنا، كامنة فينا، وما لم نعمد إلى استئصالها، والقضاء على أسبابها، فإنها، ستظلّ الورم الذي، ينخر بواطن جسمنا، ومن كتم داءه قتله كما يقول مثلنا العربي، وهاهي رؤوسها تأبى إلا أن تُخرج أعناقها كرؤوس الشياطين.

أولى هذه الأعراض التأزّم السياسي الخافت الذي يستبدّ بواقعنا، فهذه الفجوة العميقة، بين ما يعرف بأحزاب الموالاة، وما يوصف بأحزاب المعارضة، إنّ هذه الفجوة قد انعكست سلباً، على سلوك المواطنين، وذهنية الغوغائيين وأخشى ما نخشاه، أن يمتد هذا التأزّم، ويتشكل في نوع من أزمة الثقة، التي قد تترجم في مظهر المقاطعة، شبه الجماعية، للاستحقاقات الانتخابية.

ومن الأعراض العاكسة للتأزم السياسي، هذا الفساد الاقتصادي، المتجلي في السطو على المال العام، بالتبذير، وسوء التسيير، والذي لا يستثنى منه لا الصغير ولا الكبير.

على أنّ الوجه العميق، للتأزم السياسي والاقتصادي، إنما يكمن في التأزّم الثقافي وما ينجم عنه من تأزّم تربوي، واجتماعي وأخلاقي، فهذا الشلال من الغزو الثقافي والفكري، المستبد بألسنتنا، وعقولنا، وتصرفاتنا، إن هو إلا مؤشر خطير، على اغترابنا، عن ذاتنا الوطنية والحضارية، وهو ما يمثل الهشاشة التي أصابتنا في ذاتنا الفاعلة، فعطلت فيها ملكات الإبداع والاختراع، ونمّت فيها عوامل الصدام والصراع.

فهذا العنف الدموي الفردي، والقبلي والجهوي، المستفحل في بلدياتنا، وأسرنا، ومؤسساتنا، وفي ملاعبنا وبين أقاربنا، إن هو إلا نذير شؤم، يوشك أن يعمّ فيشمل المدينة والحي، فيهدد فُلكنا المشحون في بحر لجيّ.

فإذا أردنا، أن نقضي على“شوشرة المراهقين” كما وصف الأحداث بعضهم، علينا أن نبدأ بإعادة الجيل إلى ذاته وذلك بتوعيته بهويته وأصالته، وعقيدته، وعباداته. فطالما بقي الجيل الذي نحن مؤتمنون على رعايته وتربيته منبتّا، مذبذبا، منفيّاً عن ثقافته، يتجاذبه، الشطح والنطح والذبح، فلنَبْشر بخراب الأسرة والدشرة وغلاء اللحم، والفاكهة والكسرة، ويالها من حسرة وألف حسرة !

إنّ الصبح بادٍ لكل ذي عينين، وإنّ حقيقة التأزم الجزائري، قد وعاها الفلاح في حقله، والعامل على بساطة عقله، والجامعي في محراب مخبره وفكره، ولكن جهلها المسيّر على جلالة قدره، والحاكم، على فخامة دوره وأمره.

ورب ضارة نافعة، ولعل أحداث بجاية والبويرة وباش جراح، وباب الواد، وغيرها من المناطق التي عرفت توترا، إنما جاءت لتدق ناقوس الخطر أمام أعيننا وعقولنا، فإن لم نستخلص منها المعاني والعبر، وإن لم نستجل منها صدق المبتدأ والخبر، فإننا إذن لخاسرون، وذلك هو الخطر.

فيا بني جلدتي! إنّ الفُلك الجزائري المشحون، مسكون بكلّ المفاجآت، وحامل لكل الاحتمالات وإنها لذات أبعاد متنوعة، ومتعددة، إنه يبعث بصفارات إنذار، ويحذرنا من عواقب الدمار والأخطار.

فأعراض التأزم التي أشرنا إليها، قد أنزلت – بدل الغيث- مطرا، وساء مطر المنذرين، ليس العيب أن نصاب بالتوعك، ولكن العيب الأكبر، هو أن لا نعمد إلى تشخيص الداء، ونبحث عن الناجع من الدواء.

إنّ الجزائر، قطعة غالية، مسكنها في قلب كل جزائري حر، فلنبوئها سويداء القلب، ولنحرص على صيانة كل شبر فيها، كما نحرص على صيانة كل عرق من قلوبنا وكل جزء من أجسامنا، فإنه لا يمكن للجسم أن يكون صحيحاً، إذا كان القلب مريضاً.

إنّ الحقل والعقل، والجنان والشطآن، كلها، أجزاء غالية من الإنسان، ومن البلدان وإنها أمانة العلماء، والشهداء، والصلحاء، فلئن ضيّعناها، ونحن أمة، إنا إذن لخاسرون.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 22 / 2165956

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع وجهات العدد   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

16 من الزوار الآن

2165956 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 20


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010