الجمعة 6 كانون الثاني (يناير) 2017

«الإمارة» بين المصالحة و«حل الدولتين»

الجمعة 6 كانون الثاني (يناير) 2017 par عوني صادق

عندما تمردت حركة (حماس) في غزة، وأقدمت على ما سمته حركة (فتح) «انقلاباً» في يوليو/تموز 2007، اعتبره كثير من الفلسطينيين غير المتحزبين مبرراً نتيجة للسياسات التي اتبعتها سلطة (فتح) عبر السلطة الفلسطينية بعد انكشاف أهداف (اتفاق أوسلو) وانقضاء الفترة التي حددها لإقامة «الدولة الفلسطينية المستقلة». وكان يمكن أن يقال إنه كان يجب أن يكون التمرد شاملاً في الضفة والقطاع لو كان التمرد جاء ضد ذلك الاتفاق ومخرجاته السياسية. لكنه أيضاً كان يمكن أن توضع أسباب عدة لتبرير عدم إمكانية كهذه، أولها وأهمها كون الضفة تحت سلطة الجيش «الإسرائيلي» المباشرة والاحتلال. مع ذلك، كان هناك من رأى في التمرد بداية صراع على السلطة بين الحركتين الرئيسيتين، خصوصاً بعد ما أظهرته الانتخابات التشريعية من فوز كبير لحركة (حماس)، ما جعلها ترى نفسها وريثاً للحركة الأكبر في الساحة.
وتصريحات موسى أبو مرزوق، نائب رئيس المكتب السياسي لحركة (حماس)، الأخيرة باقتراح «الفيدرالية» بين غزة و رام الله، تسجل ذروة في المسار الذي سارته الحركة منذ وقوع «الانقلاب» تظهر ما خفي من نواياه، وتؤكد أن الصراع لم يكن أكثر من صراع على السلطة، وأن الصراع مع الاحتلال «الإسرائيلي» لم يكن أكثر من خلفية له أو في أحسن الافتراضات صراع مؤجل! فهذه التصريحات التي تأتي في أعقاب حوالي عشر سنوات من محاولات «المصالحة» الفاشلة، تعلن بالخط العريض أن حركة (حماس) لا ترى أي فرصة لتحقيق المصالحة، وهي بذلك تجعل من الانقسام «حالة دائمة»، على أن يتمسك كل من «السلطتين» بما تحت يده! والمشكلة ألا ترى حركة (حماس) أنها بما تسعى إليه، تتساوق مع الأفكار والمشاريع التي تعد لها وتسعى إليها القيادات «الإسرائيلية»!
وليس اقتراح «الفيدرالية» هو أول الاقتراحات المثيرة للجدل التي صدرت عن حركة (حماس) وقادتها في السنوات العشر الأخيرة. فقد سبق للحركة أن أعربت عن استعدادها لقبول «هدنة طويلة الأمد» تصل إلى خمس عشرة سنة، مقابل ميناء ومطار وإعادة إعمار غزة. وكثيرون اعتبروا هذا الاقتراح نوعاً من التسليم بالكيان الصهيوني وتمهيداً لإعلان الإمارة في غزة، وإسقاطاً لمقولتي «المقاومة والتحرير»، بصرف النظر عن الشعارات التي تبقى للاستهلاك المحلي. وقد امتلأت وكالات الأنباء في فترة ليست بعيدة بالتقارير التي تحدثت عن «اتصالات ومفاوضات» بين حركة (حماس) وجهات أمنية وسياسية «إسرائيلية»، ظلت معلقة بين النفي والإثبات!
إن تمسك (فتح) بما يسمى «حل الدولتين» الذي رفضه نتنياهو منذ البداية، وفي ظل الرفض «الإسرائيلي» المستمر والدائم للدولة الفلسطينية، وتمسك (حماس) بسلطتها في غزة، وعرقلة ومنع المصالحة من قبل الجانبين، يجعل «الحكم الذاتي المحدود» هو الخيار المطروح «إسرائيلياً» أمام (فتح) في الضفة، ويجعل «الإمارة» هي المشروع المطروح «إسرائيلياً» لغزة! وهذا يعني ببساطة أن «وحدة الشعب الفلسطيني ووحدة الأرض الفلسطينية، وبالتالي وحدة النضال الفلسطيني» لم تعد ذات صلة بما يجري على الأرض ويتعلق بسياسات وممارسات الحركتين! ويظل الطريق الوطني لحل القضية الوطنية متمثلاً في إسقاط (أوسلو) وتحقيق الوحدة الوطنية ومواجهة المشاريع «الإسرائيلية» بالمقاومة بكل أشكالها.
إن الموقف الجديد الذي عبر عنه موسى أبو مرزوق، وكذلك موقف (حماس) من المصالحة، لا يجعلان حركة (فتح) وسلطتها الفلسطينية بريئة أو أقل مسؤولية فيما يجري، بل يجعل الحركتين سواء في المسؤولية عن ضياع الشعب والأرض والقضية الوطنية. وأن يحدث هذا في ظروف تبدو فيها دول وشعوب العالم أكثر تفهماً للقضية الفلسطينية، وتبدو فيها «إسرائيل» وسلطات احتلالها الاستيطاني مرفوضة ربما أكثر من أي وقت، استهتار فاضح أيضاً من جانب الحركتين بالشعب وبمصالحه الوطنية.
لقد أدى الصراع على السلطة الوهمية بين الحركتين، إلى سقوط الحركتين في مهاوي الاستسلام للمخططات والمشاريع الصهيونية، إن مباشرة أو غير مباشرة، وتحت شعارات زائفة وادعاءات كاذبة بالحفاظ على القضية والمصالح الوطنية. وكل «القوى الوطنية» الفلسطينية التي أعلنت رفضها لاقتراح أبو مرزوق، مطالبة اليوم بأن تعي أنها مسؤولة هي الأخرى عن الدرك الذي انحدرت إليه الحركتان، وأن مواقفها التي اتخذتها، والتي أرادت بها الحصول على فتات من الكعكة هي التي سمحت للحركتين بالاستفراد بمصير الشعب والقضية، وأوصلت الجميع إلى هذا المستوى من التهافت والانحدار، وأن قضايا التحرر، في النهاية، لا تحل بهذه الطرق المبتذلة!



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 30 / 2165440

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع وفاء الموقف  متابعة نشاط الموقع عوني صادق   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

11 من الزوار الآن

2165440 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 10


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010