الجمعة 23 كانون الأول (ديسمبر) 2016

إدارة عبدالناصر للصراع العربي الصهيوني

الجمعة 23 كانون الأول (ديسمبر) 2016 par عوني فرسخ

نتيجة دراسته في كلية الأركان، وعمق تحليله معطيات الواقع أثناء مشاركته في حرب فلسطين سنة 1948، اتضح لعبد الناصر أن إقامة «إسرائيل» في أرض فلسطين وعلى تخوم مصر، شكلت تهديداً خطراً لأمن مصر الوطني، وتفاعلاتها التاريخية مع المشرق العربي، وأنها الأداة الاستعمارية الأكثر استعداداً وكفاءة لقهر إرادة الأمة العربية في الوحدة والتحرر والتقدم. وعليه قامت استراتيجية النظام المصري بقيادته تجاه الصراع العربي - الصهيوني ببعد دفاعي، وليس هجومياً، تجلى بداية بالعمل على تنسيق القدرات العربية، وصولاً لموقف دفاعي قومي، يكون أساساً لتسوية الصراع وفق قرارات الأمم المتحدة.
وعليه، لم يوصد الباب أمام مساعي التسوية التي باشرها وسطاء أمريكان وأوروبيون، أبرزهم ريتشارد كروسمان البريطاني، وروبرت أندرسون الأمريكي، وكانوا جميعهم من أصدقاء «إسرائيل»، فيما لم تكن هناك أي مبادرة مصرية لطلب الوساطة. كما لم يبد عبدالناصر استعداداً للاعتراف ب«إسرائيل» على أساس الأمر الواقع، وإنما بعد تنفيذها قراري الأمم المتحدة بانسحابها لحدود التقسيم، مع إعادة النقب للعرب وفق اقتراح الوسيط الدولي برنادوت، وإعادة اللاجئين لديارهم واستردادهم أملاكهم، وتعويضهم عملاً بالقرار 194. وكان يرى أنه كلما أعطي العدو تنازلات تضاعفت عدوانيته، وكلما قوبل بموقف صلب واستعداد للردع صار أقرب للتراجع. ولم يكن يرى أن حل الصراع يتطلب مفاوضات لأن الحل موجود في قرارات الأمم المتحدة.
ولدى استقبال عبدالناصر لوزير الخارجية الأمريكي دالاس في مايو 1953، الذي ركز على الخطر الشيوعي، وعلى ضرورة قيام حلف يقف في وجه الاتحاد السوفييتي، أوضح عبدالناصر أن همه الأكبر إنما هو وجود ثمانين ألف جندي بريطاني في منطقة القناة، وهو لا يستطيع محاربة الخطر البعيد وترك الخطر القائم على أرض مصر، ثم إنه كعسكري لا يرى احتمال نشوب حرب بين المعسكرين، والذي تواجهه البلاد العربية إنما هو الخطر «الإسرائيلي»، والتخلف والتبعية. وحين قال دالاس إن اليهود ساميون وأبناء عم لكم، ثم إنهم تعرضوا لويلات كثيرة أيام هتلر، رد عبدالناصر: «تلك كلها قضايا معقدة، ف»إسرائيل» الآن خليط من نحو تسعين جنسية، وأصولهم السامية موضوع شك كبير. وعلى فرض أنهم ساميون، فإنهم تصرفوا بمنطق الغزاة، وفرضوا على العرب الفلسطينيين أسوأ ما تعلموه من اضطهاد النازي».
وحين دُعي عبدالناصر للمشاركة في مؤتمر باندونغ، وعلم بأن «إسرائيل» مدعوة للمشاركة فيه، أبلغ أونو، رئيس وزراء بورما، الذي وجه له الدعوة، بأن الدول العربية ستقاطع المؤتمر إذا حضرته «إسرائيل». ورداً على تساؤل أونو عن الحل الذي يرتضيه العرب لتسوية الصراع معها، رد عليه موضحاً أن العرب مستعدون لقبول قرار التقسيم، وإذا ما قبلته «إسرائيل» فإن الطريق يصبح ممهداً. ويبدو أن أونو اتصل ب«إسرائيل» وعرف قرارها القاطع برفض القرار الدولي. فكتب لعبد الناصر يقول: «إنه تأكد الآن أن «إسرائيل» مصممة على العدوان، ولا تريد حلا معقولاً. ولهذا فإنه بالتشاور مع نهرو، ومع بقية مجموعة كولومبو، سحب الدعوة الموجهة لها للمشاركة في المؤتمر». وبهذا يكون عبدالناصر قد نجح في منع «إسرائيل» من المشاركة في مؤتمر عدم الانحياز وعزلها.

وعندما جوبهت مصر بالعدوان الثلاثي سنة 1956 اتخذ عبدالناصر قرار مواجهة العدوان، مستنهضاً إرادة الصمود والممانعة والمقاومة المتجذرة في الثقافة العربية، ما أفشل العدوان المدعوم حينها أمريكياً وأوروبياً، ودل على أن لدى شعوب الأمة العربية قدرات وإمكانات حين توفرت في الساحة القيادة التي استنهضت الفعالية الشعبية.. بل إن صمود مصر في مواجهة الغزاة اضطر الرئيس ايزنهاور للضغط على بن غوريون للانسحاب من سيناء وقطاع غزة إلى ما وراء خطوط الهدنة، عملاً بقرارات الأمم المتحدة.

وحين أعلن عبدالناصر قراره بالتنحي مساء 9 يونيو/‏حزيران 1967 لم يكن قد تبقى لمصر الجيش القادر على الدفاع عن أراضيها. ولا الغطاء الجوي الذي يحمي سماءها. غير أن هبة جماهيرها رافضة تنحيه ومصرة على مواصلة القتال بقيادته، مؤكدة بذلك أن مصر خسرت معركة، ولم تخسر الحرب، التي لما تزل مستمرة، وأن إرادة مصر عصية على الاستلاب. وعندها عاد عن تنحيه ليتحمل مسؤولية إزالة آثار العدوان.

ويقرر ماتي بليد، عضو هيئة الأركان «الإسرائيلية» في حرب 1967 فشل الجيش «الإسرائيلي» في حرب الاستنزاف، وأنها أول معركة يهزم فيها منذ إقامة الدولة، إذ إنها لم تستطع التسبب بانهيار الجيش المصري بواسطة القصف في الأعماق. فيما يقرر أمين هويدي أنه عندما التحق عبدالناصر بالرفيق الأعلى كان جيش مصر قد أعيد بناؤه، وكان خط الدفاع غرب القناة قد أصبح من الصعب اختراقه، وكان مسرح العمليات قد قطع شوطاً بعيداً في سبيل إعداده، وكان الأسطول المصري في قواعده على البحرين الابيض والأحمر، وكان سلاح الجو قد عزز بأحدث طائرات أمكن الحصول عليها، وكان عدد الطيارين قد تضاعف، وكانت مطارات مصر قد تكاثرت، وقد وضعت خطط عبور قناة السويس لتحرير سيناء.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 21 / 2165543

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع عوني فرسخ   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

13 من الزوار الآن

2165543 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 13


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010