السبت 28 آب (أغسطس) 2010

انسحاب أمريكي زائف من العراق

السبت 28 آب (أغسطس) 2010

أعلن الرئيس الأمريكي باراك أوباما لشعبه ولمن يريد تصديقه في بقية العالم انتهاء «عملية حرية العراق» مع انسحاب القوات الأمريكية «المقاتلة» في هذا البلد بنهاية أغسطس (آب)، ولكن معظم الخبراء والمعلقين اعتبروا أن «نهاية» حرب العراق لا تزال سراباً، كما كانت يوم الأول من مايو (أيار) 2003 عندما أعلن الرئيس جورج بوش نهاية «العمليات القتالية الكبيرة» في خطاب ألقاه على حاملة طائرات وقد ظهرت خلفه لافتة ضخمة تقول «المهمة أنجزت».

تذكر الصحافي البريطاني المعروف روبرت فيسك في مقال نشر في صحيفة «إندبندنت» ونقله موقع «أنتي وور» لقاءه مع العريف ديفيد بريز الذي كان أول عسكري في أول وحدة من القوات الأمريكية الغازية تصل إلى ساحة الفردوس في وسط بغداد عام 2003.

ووصف فيسك فرحة العريف عندما أعطاه هاتفه المحمول لكي يتصل بعائلته في ولاية ميشيغان، ويقول لهم «تحياتي لكم، أنا في بغداد، وأنا بخير، الحرب ستنتهي في غضون أيام، وعندها سنلتقي».

لكن بعد سبع سنوات، لا يزال 50 ألف جندي أمريكي في العراق - أي ثلث مجمل قوة الاحتلال الأمريكية - وسوف يتعرضون لهجمات ويتعين عليهم أن يقاتلوا.

ويلاحظ فيسك أن الإعلان الرسمي الأمريكي يقول إن هؤلاء الجنود باقون في مهمة لتدريب الجيش العراقي الجديد، لكن قائد هذا الجيش يعتقد أن جيشه لن يكون قادراً على تولي الدفاع عن البلد بنفسه قبل العام 2020.

وهذه القوة الأمريكية ستبقى قوة احتلال، لأن إحدى «المصالح الأمريكية» التي ستتولى الدفاع عنها هي بالذات وجودها في العراق، إلى جانب آلاف من المرتزقة المسلحين وغير الانضباطيين، الآتين من الغرب والشرق، والمكلفين حماية الدبلوماسيين ورجال الأعمال الأجانب.

* * *

وعلى موقع «أنتي وور» كتبت الناشطة الأمريكية في حركة سلام معارضة للحرب ميديا بنجامين مقالاً بعنوان «تركة العراق»، قائلة :

«مع انسحاب القوات الأمريكية القتالية من العراق، تحاول الإدارة والجيش ووسائل الإعلام نسج صورة وردية لهذا الفصل القاتم من تاريخ الولايات المتحدة ولو كانت تضحيات هذه القوات قد تركت العراق مكاناً أفضل أو جعلت أمريكا أكثر أمناً، لكان ذلك سلوى للعائلات التي فجعت بمقتل أكثر من 4400 جندي في العراق. ولكن الحقيقة المرة هي أن التدخل الأمريكي كان كارثة تامة للعراق والولايات المتحدة».

وتدعو الكاتبة الأمريكيين إلى الاعتراف بأنه ما كان يجب مهاجمة العراق في المقام الأول، فالعراق لم تكن له أية صلة بمنفذي هجمات سبتمبر (أيلول) 2001، ولم يكن يملك أية أسلحة دمار شامل، ولم يكن يمثل أي تهديد للولايات المتحدة، بل إنه تم شن هذه الحرب على أساس أكاذيب.

وتضيف الكاتبة : «صحيح أن العراقيين عانوا قسوة نظام صدام حسين، لكن إسقاطه لم يأت بحياة أفضل للعراقيين».

واستشهدت الكاتبة بالصيدلانية العراقية الدكتورة انتصار العرابي التي قالت لها «أنا لا أهتم بالسياسة، لكنني أعرف أنه في أيام صدام حسين، كانت تتوافر لنا الكهرباء، ومياه شرب نظيفة، ونظام رعاية صحية كان مثار حسد العالم العربي، وتعليم مجاني حتى الجامعة، وأنا لدي خمسة أبناء، وكلما كنت أنجب طفلاً كنت أحصل على إجازة أمومة مدفوعة الراتب لمدة سنة، وكنت أملك صيدلية وكنت أستطيع إغلاقها في وقت متأخر في المساء، لأن الشوارع كانت آمنة. أما اليوم فلا أمن، والعراقيون يعانون نقصاً رهيباً في كل شيء، الكهرباء والغذاء والمياه والأدوية وحتى الوقود، ومعظم الناس المتعلمين هربوا من البلاد، والذين بقوا يحنون إلى أيام صدام حسين».

والدكتورة العرابي انضمت إلى صفوف نحو أربعة ملايين لاجئ عراقي يعيشون الآن في ظروف بائسة في سوريا والأردن ولبنان وأنحاء كثيرة في العالم.

وعلى الجانب الأمريكي، منيت القوات العسكرية بخسائر رهيبة، حيث قتل أكثر من 4400 جندي، فيما أصيب عشرات آلاف الجنود وأكثر من ربع الجنود الأمريكيين الذين خدموا في العراق عادوا إلى الوطن، وهم يعانون مشكلات صحية تتطلب علاجات طبية ونفسية وعقلية، إضافة إلى ذلك، انتحر منهم 245 جندياً، فيما غرق كثيرون آخرون في إدمان المخدرات والكحول والعنف الأسري.

وأشارت الكاتبة أيضاً إلى أن الحرب استنفدت الخزينة الأمريكية وأسهمت في الأزمة المالية الحالية، حتى إنها شوهت سمعة الولايات المتحدة عبر العالم.

وتابعت الكاتبة، إن وجود القوات الأمريكية في العراق لا يزال بعيداً جداً عن نهايته، إذ إن 50 ألف جندي سيبقون في العراق، ومعهم نحو 75 ألفاً من المتعاقدين الخاصين، كما ستكون هناك خمس «قواعد دائمة» وسفارة بحجم مدينة الفاتيكان، وقد عبر الجنرال ستيفن لانزا، المتحدث العسكري الأمريكي في العراق، عن حقيقة الوضع بقوله لصحيفة «نيويورك تايمز» «عملياً، لن يتغير شيء».

واختتمت الكاتبة مقالها بالقول : «إذن، دعونا نحيي هذه اللحظة (لحظة انسحاب القوات القتالية) بشعور عميق من العار، بسبب الآلام التي تسببنا بها للعراقيين ولعلائلات العسكريين الأمريكيين، وباحساس عميق بالعار، لأن ديمقراطيتنا عجزت عن محاسبة أولئك المسؤولين عن هذه الكارثة».

* * *

إن انسحاب القوات الأمريكية «القتالية» لا يعني إطلاقاً نهاية الحرب في العراق.

هذا هو رأي الناشط السياسي والاجتماعي الأمريكي توم هايدن الذي كتب مقالاً في موقع «زي نت» قال فيه :

«بينما كانت إدارة أوباما تصارع للوفاء بتعهدها بإنهاء حرب العراق، كانت هناك خطة تتبلور من خلف الستار وتقضي بأن «يدعو» نظام بغداد الجيش الأمريكي إلى البقاء (بعد موعد الانسحاب الكامل في 2011)».

وتحقيق انسحاب القوات القتالية كان إنجازاً مهماً لأوباما، لكن بينما كان اهتمام وسائل الإعلام يتركز على خروج آخر فوج قتالي أمريكي من العراق، كان الدبلوماسي الأمريكي ريان كروكر يتوقع أنه «إذا جاءنا العراقيون في وقت لاحق من هذا العام ليطلبوا منا أن نقوم وإياهم بمراجعة مشتركة لمرحلة ما بعد 2011، فسوف يكون من مصلحتنا الاستراتيجية أن نستجيب لهم».

وهذا يعني إبقاء قوات وقواعد، وقاعدة أمامية استراتيجية في «الشرق الأوسط»، وإلا - حسبما تقول بعض مصادر البنتاغون - فإن حرب العراق ستكون عبثاً.

وإذا راجعنا تاريخ المرحلة الماضية، نرى أنه في أواخر عام 2008، أسفرت مفاوضات سرية عما أسماه العراقيون «الاتفاقية الأمنية» وما أسماه الأمريكيون «اتفاق وضع القوات»، وهذا الاتفاق الثنائي لم يعرض أبداً على الكونغرس لمناقشته وإقراره، لكن هذا الاتفاق أتاح للعراقيين الادعاء بإعلان انتصارهم في مسألة استعادة السيادة، وللأمريكيين بنهاية دبلوماسية لحرب تواجه معارضة شعبية.

وفي الحقيقة، فإن حرب العراق لم تنته، إطلاقاً، والخسائر الأمريكية انخفضت بحدّة، لأنه لم يكن هناك سوى عراقيين قلائل راغبين في إطلاق النار على أمريكيين منسحبين. والخسائر العراقية انخفضت عن مستوى ذروتها خلال 2006 - 2007 ولكنها لاتزال تعد بالمئات شهرياً. وتنظيم القاعدة في بلاد الرافدين الذي لم يكن موجوداً عندما بدأت الحرب، نجا من الفناء، وقوات مقتدى الصدر الذي قاد انتفاضتين ضد الأمريكيين، هي الآن لاعب قوي في السياسات العراقية وعلى الأرض. والأزمة الكردية لم تحل، وعلى العموم، فإن إيران فازت استراتيجياً وسياسياً، أما نظام بغداد الذي أقامه الأمريكيون في الأصل فيبدو الآن في مأزق ميؤوس منه، وغير فعال، وعلى وشك أن ينفجر داخلياً، والفائزون الغربيون الوحيدون هم شركات البترول.

ووزارة الخارجية الأمريكية بصدد توسيع التدخل «المدني» المسلح من أجل ملء الفراغ الذي يخلفه رحيل قوات البنتاغون، وسوف يتولى آلاف من المتعاقدين العسكريين العاملين لدى شركات خاصة مهمات تدريب الشرطة العراقية وحماية المجال الجوي العراقي، ويمكن أيضاً أن يقوموا بعمليات متواصلة لمكافحة «الإرهاب». والعاملون لدى وزارة الخارجية الأمريكية سيحظون بالحماية من خلال استخدام عربات مدرعة تقاوم الألغام والكمائن، ومروحيات وطائرات خاصة بهم.

المستقبل المباشر غامض، فالجنود الأمريكيون الذين يرسلون الآن إلى العراق يقال لهم إن مهمتهم هي «إنهاء المهمة»، لكن حقيقة الأمر يخفيها إصرار إدارة أوباما على أنها وفت بوعدها إنهاء الحرب، وحسب تعبير صحيفة «نيويورك تايمز»، فإن فكرة وجود عسكري مستمر «محرمة تماماً في النقاش العام». وقال أحد المسؤولين للصحيفة إن «الإدارة لا تريد التطرق إلى هذه المسألة في هذا الوقت».

إن حرباً بدأت بأحلام إحلال الديمقراطية في «الشرق الأوسط»، تنتهي الآن بإبقاء خطط من أجل إرسال مزيد من الجنود من دون علم الناخبين الأمريكيين خلال عام انتخابي، فهل هذا أمر معهود؟

- **المصدر : صحيفة «الخليج» الاماراتية



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 12 / 2178237

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع المرصد  متابعة نشاط الموقع صحف وإعلام   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

16 من الزوار الآن

2178237 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 11


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40