الجمعة 9 كانون الأول (ديسمبر) 2016

“فتح” البدايات…و”فتح” الأوسلوية ومؤتمرها

الجمعة 9 كانون الأول (ديسمبر) 2016 par عبداللطيف مهنا

سواء عن بعد أو عن مقربة، وبغض النظر عن الموقع والخلفيات، يستحيل لمتابع لوقائع انعقاد المؤتمر السابع لحركة “فتح ـ السلطة” في رام الله المحتلة أن يغفل فلا يستحضر حقيقة فتحاوية تاريخية عرفتها المسيرة النضالية الفلسطينية منذ انطلاقة الثورة الفلسطينية المعاصرة، وعاشت الساحة الوطنية الفلسطينية ولا تزال ما واجهته وتواجهه وستواجهه من تداعياتها وما ترتب ويترتب عليها…حقيقة تقول: إنما نحن هنا إزاء فتحين لا فتح واحدة، هما مختلفتان، بل وبات بينهما طلاق بائن منذ أمد ليس بالقريب. الأولى، فتح البدايات، أو المبادئ والمنطلقات، المفجِّرة للثورة في غرة العام 1965 من القرن الماضي. والثانية، “فتح الأوسلوية”، التي تعقد هذه الأيام مؤتمرها العام السابع ويجمع المجمعون على أن مقدماته، التي تجلت في تحضيراته، قد أسفرت سلفًا عن نتائجه قبل بدايته قاطعةً الطريق على من رام تكهُّنًا أو جَهد في توقُّع.
الأولى، “فتح” التاريخية، أو حركة التحرير الوطني الفلسطيني، مطلقة الرصاصة الأولى، ورافعة شعار التحرير والثورة حتى النصر، تحرير فلسطين، كل فلسطين، من نهرها إلى بحرها، وانتهاج الكفاح المسلح سبيلًا لذلك، ويشهد لها الجميع بأنها في حينه وعلى خطة وفي دربه لكم قدمت قوافل من الشهداء، فدائيين ومناضلين وقادة… والأهم، أنها فتح التي لم تطرح أيديولوجيا، بل رفعت بندقيتها وانطلقت، فالتقى في ظلها حينها كافة تلاوين ومشارب المناضلين الفلسطينيين من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين، كانت جبهة شعبية بحق، وحركة شعب بأسره لا ريب، إذ كنت تجد في كنفها في ذلك الوقت من هم على يسار أنور خوجا والدراويش الذين قد تراودهم فكرة كتابة الحجب للمجموعات الفدائية المغيرة حتى لا تقع في كمائن العدو…
لذلك ما إن جنحت قيادتها تسوويًّا، ووضعت بندقيتها جانبًا، وبدأت تغريبتها التي جرتها لاحقًا إلى هاوية أوسلو البلا قاع، حتى غدت تلكم الـ”فتح” فتوحًا وفتحيات، وكل ما كان لاحقًا مما لا علاقة له بكلمتها الأولى، والذي من شأنه أن يأخذنا للحديث إلى ما نحن بصدده، وهو المؤتمر العام المنعقد راهنًا لفتح الثانية، فتح الأوسلوية.
تغريبة “فتح” الثانية، ومن سحبت معها من الفصائل، قادت الساحة الوطنية إلى نكبة أوسلو، وبعد مرور ما يقترب من ربع قرن على أوسلويتها، التي حوَّلتها من حركة تحرر إلى حزب سلطة بلا سلطة وفي ظل احتلال، يأتي مؤتمرها السابع، الذي بسبب من خلافاتها الداخلية قد تأخر انعقاده لسنتين، ليحوِّلها من حزب السلطة إلى حزب رئيسها الذي لا شريك، ويعقد وعلى جدوله تتربع الخلافات الداخلية بين عشائره الأوسلوية المتنافسة لا غير. وعليه، كان بائنًا للجميع أنه إنما مؤتمر انتخابي أولًا وأخيرًا وهدفه الرئيس التخلص من خصوم صاحب السلطة وحزبها وتعزيز سلطته في اللاسلطة في ظل الاحتلال ويديمها إلى أن يلقى بارئه وترتيب من سيخلفه بعد أن يلتقيه.
أولى الملاحظات هي أنه يعقد في وطن محتل، أي تحت عين وحراب المحتلين، وإن كل المشاركين والمدعوين، من خارج هذا الوطن أو من داخله، سيمرون عبر حواجزهم بعد تمحيص لأسمائهم والتأكد من انتفاء وجود ما يدعو المحتلين لعدم السماح بمرورهم. والثانية، إنه، وبدعوى التخلص مما يدعونهم بـ”المحتجين” بزعم دحلانيتهم، تم التخلُّص من المعارضين، إلى جانب تغييب قدامى الحركيين، وتهميش الشتات، الأمر الذي جعل هذا المؤتمر بامتياز مؤتمر السلطة والعاملين فيها والمنتفعين على قوائمها وفي هوامشها، بمعنى أنه قد تم انتقاء أعضائه على أسس تمثيلية ووظائفية وعبر المنخل الأمني ووفق معيارية الولاء لصاحب كل من السلطة وفتحها ومؤتمرها، أو الذي هو رئيس كل شيء سلطة وتنظيمًا ومنظمةً، وفوقه، وعلى غير عادة المؤتمرات، انتخب في بداية مؤتمره هذا لا في اختتامه قائدًا عامًّا لحركته…وعليه ما هو المنتظر من هكذا مؤتمر؟!
ليس هناك من داعٍ لانتظار نهاية هذا المؤتمر للإجابة على مثل هذا السؤال، إذ كنا قد قلنا إن المقدمات قد أسفرت سلفًا عن كنه النتائج، وهذه عمومًا لن تكون أكثر من إعادة إنتاج للنهج الأوسلوي المحتضر إياه، وفي نسخة سوف تكون الأبأس بكثير من سابقتها، وطبعًا في ظل ذات التهويشات وذات الشعارات الاستهلاكية الزائفة إياها، كالتلويح بنية ركوب مركب التدويل في ظل انعدام المركب والأشرعة لرسو موهوم في مرفأ فرية “حل الدولتين”، ولوك ذات الكلام عن المقاومة الشعبية الافتراضية، وإعادة تشغيل أسطوانة التكاذب المشروخة حول ضرورة المصالحة الوطنية ونوايا إنهاء الانقسام، وهكذا…أما جوهرًا، فليس ثمة ما هو لديهم غير تلمس سبل التهيئة لما هو المزيد من التكيُّف مع الاحتلال والاستجابة لإملاءاته لا مواجهته، أو بعض من تحوّل يتواءم معما تقتضيه منهم كيفية إدارة علاقتهم المستقبلية معه وفي كنفه، لا سيما في ظل ما لا ينفك يخلقه هذا الاحتلال من وقائع تهويدية مطردة جعلت من حكاية “حل الدولتين” المشار إليها مزحة باتت شيئًا من الماضي… الوقائع التهويدية التي لم تبقِ في الضفة إلا مزقا من معازل بشرية، أو معتقلات ذوات حكم ذاتي إداري محدود، تمامًا وفق ما طرحته وصفة أوسلو بدايةً ولكي يعتبرها الصهاينة من ثم نهايةً، أما هم فشهود زور عليهما والمُغطِّين لهما في الحالتين.
…وملاحظة أخيرة: بدورها لم تعدم الهمروجة الأوسلوية شهود زورها والمسهمين في تغطية إفكها…ومن هم سوى تلكم الفصائل التي لبت دعوة المشاركة في احتفاليتها وصفَّقت مع مصفقيها؟!



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 51 / 2165476

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع عبداللطيف مهنا   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

13 من الزوار الآن

2165476 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 13


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010