الجمعة 9 كانون الأول (ديسمبر) 2016

ليس في الأمر ما يدهش

الجمعة 9 كانون الأول (ديسمبر) 2016 par عوني صادق

ما كتب، ونشر، وقيل في وسائل الإعلام حول انعقاد «المؤتمر السابع لحركة فتح»، قبل انعقاده، جعل المتابع يعتقد أن الحزب الشيوعي السوفييتي أيام لينين هو الذي على وشك أن ينعقد. والحقيقة هي لولا أن الصحف والكتاب والمحللين والسياسيين لا بد أن «يشتغلوا»، لما كانت هناك حاجة لشيء من ذلك كله. والنتائج التي انتهى إليها المؤتمر، بقديمها وجديدها، جاءت كما يفترض أن تجيء، وكما يجب أن يكون منتظراً منها، خالية من أي عنصر من عناصر الدهشة، إذ لم يكن في الأمر ما يدهش.
حركة «فتح» في الأصل، مثل «منظمة التحرير الفلسطينية»، ومثل غيرها من المنظمات الفلسطينية التي سبقتها، والتي جاءت معها، والتي لحقت بها، هي كما يفترض حركة/ حركات «تحرر وطني»، أكدت على ذلك كل مواثيقها التأسيسية، ونظمها الداخلية، وبياناتها، وكل أدبياتها، على الأقل حتى خروج «منظمة التحرير» من بيروت بعد الاجتياح «الإسرائيلي» للعاصمة اللبنانية العام 1982، بالرغم من صدور ما دل على أن «تحولات» بدأت تصيب تلك المواثيق قبل، وبعد «حرب تشرين التحريكية» العام 1973، وأهمها «برنامج النقاط العشر»، والتسريبات حول اتصالات كانت تتم مع العدو الصهيوني.
بعد الخروج من بيروت، تبعثرت المنظمات في بقاع الأرض، من تونس إلى اليمن، وما بينهما. وبعد خمس سنوات من الضياع، اندلعت «الانتفاضة الأولى - انتفاضة الحجارة» التي كانت تجاوزاً لحالة الضياع، وتأكيداً على أن الشعب الفلسطيني لديه ما هو أفضل من تلك المنظمات، ومشاريعها، لكنها في الوقت نفسه أعطتها الفرصة لحضور «مؤتمر مدريد» لتعلن موتها الواقعي. وفي الجزائر عقد المجلس الوطني الذي أعلن في ختام أعماله «الاستقلال» على الورق، فكان ذلك تجاوزاً للانتفاضة، وليس لقاء معها، إذا أردنا الدقة، وقد كشف الإعلان عن «اتفاق أوسلو» في سبتمبر/أيلول 1993 هذه الحقيقة.
عشر سنوات مرت على إعلان «اتفاق أوسلو» ليعلن عن «موت المرحلة» باغتيال قائدها الرئيس الراحل ياسر عرفات، وكان يجب أن يفهم منه موت كل ما له علاقة بالمرحلة، وأولها موت المنظمات التي قادتها وشاركت فيها. لكن الذي حدث منذ 2004 وحتى اليوم كان عكس ذلك، ولإثبات أن الأموات يمكن أن يواصلوا الحياة بعد الموت، تحولت حركة (فتح) على وجه التحديد، إلى «سلطة وهمية» تمارس سلطاتها ووجودها كذراع أمنية لسلطات الاحتلال، وتتصارع مع حركة (حماس) تحديداً على المناصب والمكاسب، ثم أصبحت تتصارع مع نفسها، إلى جانب صراعها مع حركة (حماس). والمؤتمر السابع لم يكشف أي جديد على هذا الصعيد، بعد أن تم تحريف وتحوير «الثوابت الوطنية»، وظل المهزومون والمستسلمون، بدعم من «المعارضين»، قادة حركة لم يعد لها علاقة بالتحرر أو التحرير.
لكنه للحقيقة والإنصاف، لم تكن حركة «فتح» وحدها من يتحمل مسؤولية الغوص في المستنقع الآسن الراهن، بل يمكن القول بكل ثقة، إنه لم يكن في استطاعتها البقاء والاستمرار لو لم تكن المنظمات الأخرى «المعارضة» لها على قدرها من السوء، أو الضعف، ولا يهم هنا إن كانت النوايا حسنة أو سيئة، فالعبرة في النتيجة النهائية التي لم تكن أكثر من المعارضة اللفظية، ثم التعاون العملي لاقتسام «الغنائم الوهمية»، إذا تجاوزنا الخاصة منها. فالمراهنات على «أصدقاء» أعداء، أدى إلى انخراطها في «محاور» غير معنية حقيقة بمصالح الشعب الفلسطيني، أو قضيته، وهو ما أدى إلى «الانقسام الفلسطيني» الذي ضمن فشل أي جهد مخلص من أي طرف جاء، وكان أن أضاع دم القضية بين القبائل.
خلاصة القول، حركة (فتح) في المقام الأول، والمنظمات الأخرى في المقام الثاني، ماتت سريرياً بعد الخروج من بيروت، وماتت واقعياً مع إعلان «اتفاق أوسلو»، يصدق ذلك على من وقع الاتفاق، ومن سكت عنه، ومن عارضه وعجز عن إسقاطه، وعملياً كل هؤلاء لحقوا كهوامش على الاتفاق، إزاء ذلك، كان خيار الشعب الفلسطيني الوحيد هو أن يبدأ من جديد، فيشكل منظماته الجديدة من، وعلى أنقاض منظماته القديمة، وأن يفرز قياداته الجديدة متجاوزاً قياداته القديمة، لكن ذلك لم يحدث رغم حدوث الانتفاضة الثانية التي استمرت أربع سنوات، ورغم الهبة الحالية منذ أكثر من سنة، فكان طبيعياً أن يستمر القديم على قدمه، وأن يستمر الحال على ما هو عليه متقدماً نحو الأسوأ، وأن يأتي «مؤتمر فتح السابع» كما جاء، بلا جديد، ومن دون أن يكون في الأمر ما يدهش.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 9 / 2165475

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع وفاء الموقف  متابعة نشاط الموقع عوني صادق   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

12 من الزوار الآن

2165475 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 13


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010