السبت 28 آب (أغسطس) 2010

تحرير الإرادة شرط لتحرير الأوطان

السبت 28 آب (أغسطس) 2010 par نصر شمالي

الإنجازات الإيجابية التي تحقّقها حركة المقاومة والتحرير الوطني على طريق النصر والاستقلال تأتي دائماً في حجم ما أنجزته من تحرير لإرادتها. وإنّه لمن الممكن أن لا تحقق هذه الحركة أيّ إنجاز إيجابي ضدّ أعدائها إذا هي لم تمتلك من إرادتها الذاتية قدراً معادلاً للإنجاز المرجو، فيقتصر جهدها على إثبات وتأكيد وجودها ووجود شعبها لا أكثر. إنّ افتقاد حركة المقاومة لأيّ قدر من الإرادة الحرة يعني عجزها عن تحرير أيّ مساحة من الأراضي المحتلة، وعجزها عن استرداد أيّ قدر من الحقوق المغتصبة.

لقد أثبتت جميع التجارب الإنسانية أنّ اقتصار الكفاح لسنين طويلة على إثبات وتأكيد الوجود الأولي للشعب ومقاومته، وفي غياب قدر كاف من الإرادة المحرّرة، ينتهي دائماً بمأساة عامة مفجعة، حيث التضحيات العظيمة، التي كثيراً ما تبذل بلا حساب، تبدو كأنّما هي بلا طائل وبلا نهاية. كأنّما هي تضحيات مجانية تصبّ في وعاء مثقوب. الأمر الذي قد تترتّب عليه انتكاسة معنوية كبرى على مستوى الشعوب، وانكفاء سياسي خطير على مستوى قياداتها. إنّ الإحباط وفتور العزيمة الشعبية يدفعان بعض القيادات المنكفئة إلى الانخراط بسهولة في لعبة تنازلات تحقّق من النتائج ما هو أسوأ من استمرار الاحتلال!

ولكن ما هي هذه الإرادة التي نتحدّث عنها؟ الإرادة التي يمكن أن تكون مستلبة كلّياً أو محرّرة جزئياً، والتي يشترط تحرير الأوطان بالكامل تحرّرها بالكامل؟ إنّها الإرادة السياسية بالطبع. الإرادة المستندة بثبات إلى عقيدة سياسية يحترمها الشعب عموماً، والمستمدّة بثبات من استراتيجية كفاحية يثق بها الشعب عموماً، والمستقلّة تماماً عن إرادات الآخرين، بمن فيهم بعض الأصدقاء والأشقاء أحياناً!

إنّ إرادة المقاومة غير المحرّرة جزئياً أو كلياً هي الإرادة المخترقة جزئياً أو كلّياً، من قبل بعض الأشقاء والأصدقاء، ومن قبل الأعداء الأجانب أيضاً! إنّ بعض الأشقاء والأصدقاء لا يوافقون على العقيدة السياسية والإستراتيجية الكفاحية للمقاومة، ويدعمون قياداتها طالما هي تستجيب لسياساتهم المتفقة مع سياسات الأعداء على حساب العقيدة التحررية والإستراتيجية القتالية. ومثل هؤلاء الأشقاء والأصدقاء لا يتورّعون عن ممارسة لعبة الدعم والإغراء والإغواء والتحريض لهذا الجناح المقاوم ضدّ ذاك الجناح المقاوم. إنّهم يستغلّون احتياجات المقاومة الملحّة، ونقاط ضعفها الذاتية والموضوعية، ويوسّعون اختراقهم لها، فترى نفوذهم في بعض تشكيلات المقاومة متفوقاً على نفوذ بعض قياداتها! أمّا عن العدو الأجنبي فهو، إضافة إلى تسلّله الاستخـــباراتي التجسّسي، يحقّق اختراقه لإرادة المقاومة عبر اختراقها من قبـــل أشقائها وأصدقائها، أولـــــئك الذين تتفق سياساتهم مع سياساته أكثر من اتفاقها مع سياسات المقاومة!

إنّه لأمر بديهي أنّ عدم امتلاك حركة المقاومة لعقيدة سياسية واضحة ومفهومة، وعدم امتلاكها لاستراتيجية كفاحية عملية وثابتة، يعرّض تنظيماتها وصفوفها لتأثيرات القوى الأخرى من خارجها، وأنّ هذا الافتقار للعقيدة والإستراتيجية يسهّل عمليات اختراقها واختراق إرادتها. أي الاستيلاء جزئياً أو كلّياً على قرارها السياسي والقتالي. ففي حالة كهذه يكون ولاء عناصرها مشتّتاً بينها وبين الغير، تتجاذبه مختلف التيارات من خارجها. ويحدث غالباً أنّ ولاء البعض للغير، داخل صفوف المقاومة، يكون أقوى من ولائه لقيادة المقاومة. أمّا الأخطر فهو أنّ مثل هذا الوضع الفضفاض يسهّل على ضعاف النفوس التعامل مع العدو الأجنبي في لحظات تأزّم أوضاع المقاومة. إنّهم يفعلون ذلك تحت هذه الذريعة أو تلك (كالعقلانية، والواقعية، وحقن الدماء المهدورة، وتوفير الطاقات المبدّدة..الخ!) بل هم يفعلونه حتى من دون ذريعة!

ومن جهة أخرى يحدث أنّ حركة من حركات المقاومة تمتلك العقيدة السياسية والإستراتيجية الكفاحية، والإرادة، مضافا إليها الكفاءة الميدانية العالية التي تمكّنها من مواجهة العدو بجدارة، ومن تحقيق إنجازات مهمة على طريق النصر والتحرير، ناهيكم عن الصدق والإخلاص والتفاني، لكنّها رغم ذلك كلّه تبدو محكومة بسقف لا تستطيع تجاوزه، لماذا؟ لأنّها تفتقد في تشكيلاتها المناضلة المقاتلة وجود من يمثّلون جميع مكوّنات المجتمع، أو الشعب، أو الأمة (أقول تفتقد ولا أقول تستبعد أو تقصي). وإنّ مثل هذا الإشكال (الموضوعي؟) الذي يفترض أنّه لن يدوم، يبرز اليوم واضحاً في فلسطين وفي العراق وفي لبنان.

وهكذا نلاحظ المفارقة المدهشة، المحزنة، وهي أنّه عندما توفّر بالأمس لحركة المقاومة العربية عنصر تمثيل جميع مكوّنات المجتمع، أو الشعب، أو الأمّة (توفّر لحركة «فتح» خصوصاً) كان الافتقار للعقيدة الواضحة والإستراتيجية الثابتة والإرادة المستقلّة! وعندما توفّر اليوم لحركة المقاومة العربية عنصر العقيدة والإستراتيجية والإرادة (خاصة في جنوب لبنان وقطاع غزّة) ظهر الافتقار لتمثيل جميع مكوّنات المجتمع، أو الشعب، أو الأمة! وبالطبع لا يسعنا إلاّ أن نأمل ونعمل على تلافي نقص التمثيل الميداني والسياسي هذا، فبتلافيه وتجاوزه تخطو الأمة خطوة كبيرة إلى الأمام، وتستطيع أن تتطلّع بثقة إلى يوم النصر الكبير.

أمّا عن الذين يستعدّون اليوم للمفاوضات المباشرة مع العدو الصهيوني، وهو ما دفعنا إلى قول ما قلناه، فمن الواضح أننا تناولناهم في حديثنا هذا بما يكفي. وإنّه لمن الواضح أيضاً أنّ ما يفعلونه سوف يتوقّف وينتهي بعد أن تستكمل المقاومة عناصر قوتها وثباتها وتقدّمها بعنصر التمثيل الشامل، الذي هو من أهمّ خصائص حركات التحرّر الناجحة.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 26 / 2181884

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع في هذا العدد  متابعة نشاط الموقع وجهات العدد   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

24 من الزوار الآن

2181884 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 19


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40