الجمعة 4 تشرين الثاني (نوفمبر) 2016

مناقشة حول اتفاقية أوسلو

قرار اليونيسكو والمسجد الأقصى
الجمعة 4 تشرين الثاني (نوفمبر) 2016 par منير شفيق

- مناقشة حول اتفاقية أوسلو

مقالة: “أوسلو أيديولوجيا وليست اتفاقية” بقلم مجد كيال في جريدة السفير اللبنانية، بتاريخ 22 أيلول/سبتمبر 2016، تستحق وقفة لمناقشتها.
فمنذ الوهلة الأولى، أو الصدمة الأولى، أي منذ العنوان: “أوسلو أيديولوجيا وليست اتفاقية”، يعطي الكاتب الأولوية للبُعد الأيديولوجي في اتفاقية أوسلو على البُعد السياسي. والأهم، على النتائج التي انتهت الاتفاقية إليها. الأمر الذي يعفي اتفاق أوسلو من مسؤولية التقويم المستند إلى النتائج ما دام أيديولوجية، وعالم الأيديولوجيا غير عالم السياسة وما يترتب من وقائع عملية. علماً أنه في نظر صانعيه والموقعين عليه أبعد ما يكون عن الأيديولوجيا فهو سياسة محكومة بالبراغماتية باعتباره أفضل السيئ. وهو عنوان للتخلي عن المبادئ والثوابت المرفوعة إلى مرتبة الأيديولوجيا. وإذا كان له من باقي أثر على من انخرطوا في سلطة أوسلو فقد انحصر في التمسّك بالراتب الشهري. وأصبح محمود عباس أسير تأمين الموازنة كل شهر من أجل الحفاظ على اتفاق أوسلو كما أعلن ويُعلن تسويغاً لتمسّكه بسلطة أوسلو أو نهج أوسلو وواقعه.
ومع ذلك أصرّت المقالة على الارتفاع باتفاقية أوسلو إلى مرتبة الأيديولوجيا، واعتبار فئة صغيرة (تظل صغيرة مهما ضخِّمت) بأنها “الفلسطينيين”. فمثلاً جاء في المقالة نص يقول فيه: “يستند هذا التقدير إلى التغيير الحاد والشامل الذي أحدثته هذه الاتفاقيّة في المعرفة السياسيّة الفلسطينيّة، إذ تشكّلت على أثر أوسلو بنية تحتيّة متماسكة، وعلى جميع الأصعدة، لصياغة نظامٍ مفاهيميّ جديد بالنسبة للقضيّة الفلسطينيّة”. ويقول أيضاً “تغيّرت بشكلٍ جذريّ مفاهيم معرفيّة أساسيّة بالنسبة لقضيّة فلسطين”. ويقول “فلسطينياً، وفي السياسة، تختلف اتفاقيّة أوسلو جذرياً عن غيرها من الأحداث، إذ أنها أخضعت الفلسطينيين لمجالٍ جديدٍ في المعرفة السياسيّة لم تكن عقلانيّتنا السياسيّة خاضعة له حتّى لحظة من قبل”.
لاحظ، بداية، تعميم أيديولوجيا أوسلو “على المعرفة السياسية الفلسطينية، هكذا بإطلاق. ولاحظ التعميم بأنها”أخضعت الفلسطينيين"، أيضاً بإطلاق على كل الفلسطينيين وعلى القضيّة. وليس على بعضهم المتضائل يوماً بعد يوم.
فبدلاً من أن يحصر تبني هذه الأيديولوجية بفئة محددة من الفلسطينيين راح يتحدث عنها بأنها التي سادت وشملت الجميع ولم يبق غيرها في الميدان. وعندما حاول الاستدراك قال: “صحيح أن المفاهيم القديمة لم تندثر من الوجود، وما زالت مستخدمة في البلاغة السياسيّة العربيّة، إلا أنها مفاهيم لم تعد واقعة في الحاضر ولا محركةً للمستقبل. بمعنى أنّها، وإن بقيت في ذاكرة الناس وعاطفتهم، فقدت وظيفتها السياسيّة العملانيّة”. أي لم يبق في الميدان غير أيدلوجيا أوسلو وما أحدثته من تغيير في مفاهيم الفلسطينيين.
ولكن كيف يمكن لأيديولوجية أوسلو أن تفعل كل هذا، والمقالة كُتِبَت في أيلول 2016 وقد فشل الاتفاق وسقط أرضاً ودخل بعض أصحابه في مأزق الندامة وعضّ الأصابع أو الاعتراف بأن الاتفاق فشل تماماً.
وكيف يمكنه أن يذهب إلى هذا التعميم وهذه الصورة للوضع الفلسطيني. وقد انطلقت انتفاضة شعبية بعد اتفاق أوسلو دامت خمس سنوات، وتخلّلها تصعيد كبير للعمل الفدائي وصل إلى تعميم العمليات الاستشهادية وفي مستوى لم يحدث من قبل. فأين الذي أحدثته أيديولوجية أوسلو من “تغيير جذري” في مفاهيم الفلسطينيين الذين استهدفتهم، في عقر دارها، في الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة. وكيف يفسّر انعطافة الزعيم ياسر عرفات ليدعم الانتفاضة والمقاومة. ثم تشكّل “كتائب شهداء الأقصى” من حركة فتح، إذا كانت أيديولوجية أوسلو بكل ذلك التأثير والرسوخ، وإذا كانت المفاهيم القديمة فقدت وظيفتها السياسية العملانية، واقتصرت على استخدامها في “البلاغة السياسية العربية”.
صحيح أن الانتفاضة الثانية والموّجهّة موضوعياً وذاتياً ضدّ ما أرساه أوسلو من مفاهيم أيديولوجية (تنبذ العنف مثلاً) واجهت “ردّة أوسلوية”، بصعود عرّاب أوسلو محمود عباس ليحلّ مكان ياسر عرفات بعد استشهاده (وإبعاده بالسم وليس بالأيديولوجيا)، وليمضي عباس، مرّة أخرى في الطريق الذي رسمه اتفاق أوسلو أو “أيديولوجيته”. ولكن صحب ذلك، وفي الآن نفسه، انتخابات تشريعية وجهّت صفعة شعبية قاسية إلى “فتح” بزعامة محمود عباس، وحازت “حماس” على أغلبية المقاعد من خلال صناديق الاقتراع. وقد ذهب جزء كبير منه ضدّ “أيديولوجية” أوسلو. ثم احتدّ الصراع بين “فلسطينيي أوسلو” بقيادة محمد دحلان وفلسطينيي المقاومة في قطاع غزة، بعد تحريره. وقد أسفر عن سيطرة الأخيرين على قطاع غزة. وكان القطاع قد تحرّر من الاحتلال ومستوطناته بفضل الانتفاضة الثانية وما أطلقت من مقاومة مسلحة. وقد حدث كل ذلك في ظل “هيمنة” مفاهيم أيديولوجية أوسلو.
وبهذا انسلخ قطاع غزة عن سلطة أوسلو في رام الله، وتحوّل إلى قاعدة مقاومة مسلحة جبّارة وصلت إلى مستوى مواجهة الجيش الصهيوني في ثلاث حروب كبرى انتصرت فيها، وما زالت برغم الحصار في حالة صمود وتعزيز مستمر لقدراتها العسكرية واستعصائها على أن يحتلها جيش العدو الصهيوني.
هذا الجانب في قطاع غزة ليس له مكان في الصورة التي قدّمتها المقالة المذكورة في حديثها عن أيديولوجية أوسلو وما ولّدته من سيطرة مفاهيمية قلبت “المفاهيم القديمة” حول القضيّة الفلسطينية رأساً على عقب كما ليس له مكان في الصورة التي أعطتها للمفاهيم القديمة التي “فقدت وظيفتها السياسية العملانية”!
أما من الجهة الأخرى فقد قدّم مجد كيال صورة خاطئة حتى حول القدس والضفة الغربية وتأثير أيديولوجية أوسلو عليهما. وقد صوّرها سارحة مارحة مسيطرة ثابتة الأركان. فهو لم يلحظ أن عرّاب اتفاق أوسلو وأيديولوجيته الرئيس محمود عباس واجه أيضاً فشلاً ذريعاً تاركاً اتفاق أوسلو يتمرّغ في وحل الفشل والانسداد من جهة وأصبح حاله في مأزق خانق وبالطبع كذلك حالة أيديولوجية أوسلو التي راحت تتآكل من قِبَل أشدّ من كانوا متحمسين لها لو جاز تسميتها بالأيديولوجيا.
ولم يلحظ مجد كيال ما يسود الوضع الآن في القدس والضفة الغربية من انتفاضة ضدّ الاحتلال والاستيطان اللذين كرستهما أيديولوجية أوسلو وممن؟ من الفتيان والفتيات، والشباب والشابات الذين ولدوا أو اشتدّ عودهم في ظل اتفاقية أوسلو.
على أن مجد كيال حاول، ولو بسرعة خاطفة، استدراك بعض ما أغفلته الصورة التي قدّمها على سيطرة أيديولوجية أوسلو، قائلاً:
“وقد خلق هذا، في ظل استمرار الجريمة الصهيونيّة يومياً، انشقاقاً عنيفاً داخل المجتمع الفلسطينيّ اتّخذ أشكالاً فصائليّة. فكان الانقسام الفلسطينيّ بين الضفة وغزة عبارة عن انفجارٍ شبه حتميّ للفجوة الهائلة في لحظة الانسداد التام لمجالات العنف الثوري، مع خمود الانتفاضة الثانية”.
لاحظ هذه العبارة التي ترى الانشقاق فصائلياً.. ولكن أين البعد السياسي و“الأيديولوجي” لهذا الانشقاق. وهل له علاقة باتفاق أوسلو وأيديولوجيا أوسلو، وهل له علاقة بالانتفاضة الثانية التي لم يرَ لها من إنجاز إلاّ أنها أُخمدت. أفلم تنتهي بانسحاب الاحتلال من قطاع غزة وتفكيك مستوطناته وبلا قيدٍ أو شرط؟ أفلا يعتبر ذلك ضربة ضدّ مشروع أوسلو وأيديولوجيته؟ ثم أين هذا الانسداد التام لمجالات العنف الثوري أمام العنف الذي عرفته الانتفاضة الثانية؟ وأين الانسداد التام حين يتحوّل قطاع غزة إلى شبكة من الأنفاق القتالية تحت الأرض، وإلى قاعدة عسكرية ارتفعت بالعنف الثوري إلى مستوى المواجهة المباشرة أي مرحلة أعلى من عنف “إضرب واهرب”.
لأن مجد كيال (الذي أشدّ على يده في مجالات أخرى) لا يرى ما حدث من تطوّر للمقاومة المسلحة في قطاع غزة، ولأنه لا يرى أيديولوجية أوسلو سقطت أرضاً مغشياً عليها ومتخبّطة بالفشل والفضيحة والكارثة، إن لم تكن في طريقها إلى سلة المهملات. ولأنه لا يرى ما تتمخض عنه الأوضاع في الضفة الغربية والقدس من ألوان انتفاض ومقاومة ومناهضة لسياسات أوسلو ونهجه، فهو يقدّم ما أسماه “أيديولوجية” ممرعة سائدة شكلت “عقلانية جديدة للفلسطينيين” أحدثت قطيعة مع ما قبلها. أما ما قبلها فيصفه كما مرّ إذ قال: “صحيح أن المفاهيم القديمة لم تندثر من الوجود، وما زالت مستخدمة في البلاغة السياسيّة العربيّة، إلا أنها مفاهيم لم تعد واقعة في الحاضر ولا محركةً للمستقبل. بمعنى أنّها، وإن بقيت في ذاكرة الناس وعاطفتهم، فقدت وظيفتها السياسيّة العملانيّة”.
يقصد هنا بالمفاهيم القديمة تلك المفاهيم التي نبعت من، أو صاغت، ثوابت القضيّة الفلسطينية واستراتيجية الكفاح المسلح الفلسطيني كما عبّر عنها الميثاق القومي لعام 1964 والميثاق الوطني الفلسطيني لعام 1968 وقامت عليها منطلقات فتح وكل الفصائل الفلسطينية. وهذا كله ليس مجرّد أيديولوجية تمحوه أيديولوجية أوسلو، وليس مجرّد وعي عابر وليد ظروف اقتصادية وسياسية طارئة، وإنما هو تعبير عن وجود شعب وأمّة وقضيّة وأرض لا يصبح قديماً، ولا تنتهي صلاحيته، أو وظيفته السياسية العملانية. وإذا اعترف مجد كيال بأن “القديم” باقٍ في “ذاكرة الناس وعاطفتهم” فهذا يعني في وعيهم وفي وجودهم، أو بسبب وجود من حلّوا مكانهم واستولوا على بيوتهم وأراضيهم وقراهم ومدنهم وممتلكاتهم العامة والخاصة. وسيان في ذلك حال من طردوا من فلسطين ومن بقوا فيها. فكيف لاتفاقية (أو أيديولوجية) فاشلة معادِية للشعب والقضيّة يحملها نفر فاشلون أو ساقطون يمكنها أن تحلّ مكان ثوابت قضيّة فلسطين. وهي قضيّة فلسطينية وعربية وإسلامية وعالمية، لا يمكن أن تنقلب رأساً على عقب من قِبَل اتفاق وُلِدَ مِسْخاً مُشوّهاً لا يريده حتى من وقعوا عليه. ولا يشكلون إلاّ فئة متآكلة من شعب أصيل مناضل.
باختصار، كان يمكن أن تُكتب هذه المقالة في خريف 1993 ليكون لها بعضٌ من تسويغ. وليس في خريف 2016 فيما محمود عباس يضرب أخماساً بأسداس من جهة، وليس، من جهة أخرى، في زمنِ الذين وُلِدوا بعد اتفاق أوسلو وحاولت مناهج السلطة تشريبهم “أيديولوجية أوسلو” وإذا بهم يُقاتِلون الاحتلال بالسكاكين وعيونهم على يافا وحيفا.

- قرار اليونيسكو والمسجد الأقصى

قررت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونيسكو) أن المسجد الأقصى إسلامي، كما قررت الحفاظ على التراث الثقافي العربي الفلسطيني لمدينة القدس. الأمر الذي ينفي أيّة علاقة لليهود بالمسجد الأقصى الذي يسمّونه “جبل الهيكل” أو بحائط البراق الذي يسمّونه “حائط المبكى”. وذلك باعتبارهما إسلاميين خالصين.

وقد طالب القرار إسرائيل بوقف انتهاكاتها للمسجد الأقصى كما حفرياتها تحته، معتبرا حي المغاربة وباب المغاربة جزءا من المسجد الأقصى. وذلك إلى جانب رفضها “إجراءات إسرائيلية” أحادية الجانب في القدس.

أثار القرار جنون نتانياهو وصولا إلى حزب العمل مرورا طبعا بالقيادات الصهيونية كافة. لأنه يسهم في هدم السردية الصهيونية حول ما يسمى زورا بجبل الهيكل وحائط المبكى. وقد وصلت أوهام نتنياهو وأكاذيب السردية الصهيونية إلى حد اعتبار “جبل الهيكل” و“حائط البراق” حقائق مسلما بها كما هو الحال بالنسبة إلى سور الصين أو أهرامات مصر. مما يعطي مثالا لكيفية تحوّل الأوهام إلى “حقائق”، أو الأيديولوجية الخرافية إلى “وقائع”، لا يمكن لعاقل إنكارها.

وفي المقابل قوبل القرار من الكثيرين، وبحق، بأنه مهم للغاية ويجب اعتباره نصرا فلسطينيا على الباطل الصهيوني. وقد وصل الأمر بالبعض إلى نظم قصائد مديح بالمجلس التنفيذي في منظمة الـ“يونيسكو”.

لا شك بأن القرار أحقّ حقا وأبطل باطلا، ولا شك في أنه جاء في توقيت شاعت فيه الأخبار غير السارة، أو المقلقة، أو المفزعة. الأمر الذي يفسّر جنون نتنياهو من جهة، ويفسّر، من جهة أخرى حماسة الذين صفقوا للقرار، وراحوا يبالغون بأهميته، ويعيدون الاعتبار (الذي تراجع كثيرا) بالنسبة إلى هيئة الأمم والمنظمات الدولية. وقد ذهب البعض إلى الحث على مواصلة الجهود الدولية لتحقيق “حلّ الدولتين” (التصفوي بامتياز).

لنتنياهو كل الحق في أن يجنّ جنونه بسبب هذا القرار الذي أسهمت في إصداره دول عربية تتهافت لتعزيز العلاقات بدولة الكيان الصهيوني ضاربة عرض الحائط بالقضية الفلسطينية وشعبها، ومفرّطة بالأمن القومي العربي وبالمصالح والثوابت العربية والإسلامية العليا. وهو أمر يحتاج إلى توضيح، خصوصا وأن تلك الدول لم تظهر أيّة بادرة بالتراجع عن التطبيع مع العدو الصهيوني أو التهافت على توثيق العلائق والاتصالات به.

الجواب ببساطة يرجع إلى حساسية المسجد الأقصى والقدس إذا ما أُثير موضوعهما، كما الحق الفلسطيني والعربي والإسلامي بهما، أو إذا أُثيرت الإجراءات التي تتخذها حكومة نتنياهو لتهويدهما. ومن ثم يجب ألاّ يُبْنى أيّ تفاؤل سياسي إزاء مواقف بعض الدول العربية المطبّعة وهي تصوّت إلى جانب قرار منظمة الـ“يونيسكو”.

ومع ذلك يجب ألاّ يُركن إلى مواقف الدول العربية التي ذهبت إلى تطبيع علاقاتها بالكيان الصهيوني وصولا إلى عدم اعتباره العدو رقم واحد للأمّة العربية والإسلامية وأحرار العالم. بل يجب ألاّ يُركن إلى استمرارية مواقف عدد من الدول التي صوّتت في مصلحة قرار الـ“يونيسكو” الخاص بالمسجد الأقصى وحائط البراق والقدس عموما. وذلك لسبب بسيط يرجع أولا لضعف مواقف الدول العربية المارة ذكرها، كما يرجع إلى الهزال العام الذي راح يضرب في الكثير من قيادات دول العالم الثالث، أو الدول الاشتراكية سابقا.

وهنا لا بدّ من لفت الانتباه إلى المتغيّرات السلبية التي نجمت على مستوى غالبية دول هيئة الأمم المتحدة إزاء القضية الفلسطينية والموقف من الكيان الصهيوني. فقد انتهت معادلة الستينيات والسبعينيات والثمانينيات التي سادت في الجمعية العامة في زمن حركة عدم الانحياز، وإلى حدّ أقل في زمن المعسكر الاشتراكي. وكان من ثمرة ذلك الزمن صدور قرار اعتبار الصهيونية عنصرية فضلا عن القرارات التي استخدمت فيها الولايات المتحدة سلاح الفيتو في مصلحة الكيان الصهيوني أمام إدانته في مناسبات عدّة.

والغريب أن أمريكا كانت في تلك المرحلة في عزّ قوّتها وهيمنتها. ولكن كانت ثمة قوّة لا يُستهان بها في الوقت نفسه من جانب دول حركة عدم الانحياز ومنظمة المؤتمر الإسلامي والجامعة العربية في مواجهة السياسات الصهيونية.

أما المتغيّر فقد بدأ مع المعاهدة المصرية – الصهيونية في 1979. ولكن بدايته كانت ضعيفة لتصبح أقوى في ما بعد، ولا سيما بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وكارثة اتفاق أوسلو التي أسهمت بخروج دولة الكيان الصهيوني من عزلتها الدولية. فما دامت منظمة التحرير الفلسطينية ذهبت إلى الاعتراف به والتفاوض معه مع التنازل عن 80% من فلسطين بإعطاء شرعية لإقامة دولة الكيان الصهيوني. فلماذا لا تعترف الدول التي كانت لا تعترف بشرعيته ولماذا لا تعيد الدول علاقاتها به، وقد قطعتها نصرة لفلسطين؟

هنا تقع الغرابة، وإن كانت قابلة للتفسير، إذ كيف يكون الكيان الصهيوني معزولا ومنبوذا عالميا عدا من الدول الغربية، وفي زمن سطوة أمريكا على ميزان القوى العالمي، ويصبح مُعتَرفا به ويخرج من عزلته في هذه المرحلة التي نعيشها الآن وقد تهاوت سطوة أمريكا وضعفت كثيرا؟

الجواب ببساطة يعود من جهة إلى سياسات الصين والهند وروسيا التي ذهبت بعيدا في تعزيز علاقاتها بالكيان الصهيوني، كما يعود من جهة أخرى إلى ظاهرة هزال قيادات العالم الثالث وتهافتها وغرقها بالفساد حيث ولّى زمان قادة كبار أمثال جمال عبد الناصر ونهرو وتيتو وماوتسي تونغ وهوتشي منه ونيكروما وسيكوتوري وألليندي.

ولهذا يحق أن يقابَل قرار الـ“يونيسكو” بالترحيب والفرح. ولكن مع عدم السماح بالانقياد وراء السياسات التي تريد الرهان على هيئة الأمم المتحدة وقرارات منظماتها الدولية. فاليونيسكو والمنظمات الدولية يجب ألاّ يُركن للمعادلات التي تسودها حتى لو أفلتت بعض القرارات. فهي تقف فوق رمال متحركة بسبب هزال القيادات التي تسود بلدان العالم الثالث وبسبب ضعف الوضع العربي العام. الأمر الذي يفرض أن تركز كل الجهود على الصراع في الميدان حيث القول الفصل في إنقاذ المسجد الأقصى والقدس ودحر الاحتلال وتفكيك المستوطنات من خلال الحفاظ على سلاح المقاومة في قطاع غزة كما من خلال دعم الانتفاضة في القدس والضفة والارتفاع بها إلى مستوى الانتفاضة الشعبية الشاملة والعصيان المدني طويلا الأمد حتى دحر الاحتلال وتفكيك المستوطنات وإطلاق الأسرى وفك الحصار عن قطاع غزة، وبلا قيد أو شرط.

ما تقدّم لا يعني عدم خوض المعارك السياسية والقانونية داخل هيئة الأمم والمنظمات الدولية. ولكن يجب ألاّ يُصار إلى الرهان عليها في إرساء حقنا الثابت في كل فلسطين وفي تقرير مصير الشعب الفلسطيني. فلا ينبغي لأحد أن ينسى قرار 181 لعام 1947 الذي شرعن، وبالباطل، لإعلان إقامة الكيان الصهيوني ضاربا عرض الحائط بالقانون الدولي وميثاق هيئة الأمم المتحدة. بل إن كل ما تلاه من قرارات انتزع، بهذا القدر أو ذاك، حقا فلسطينيا و“شرعن” لباطل صهيوني.

لهذا جاء الحديث عن الاعتراف بالقرارات الدولية أو القبول بما يُسمّى الشرعية الدولية في غير مصلحة الشعب الفلسطيني فيما القانون الدولي وحده ما يمكن الرجوع إليه لأنه يعتبر كل ما أحدثه الاستعمار البريطاني في فلسطين ابتداء من وعد بلفور ومرورا بفرض الهجرة اليهودية وصولا إلى إقامة الكيان الصهيوني باطلا في باطل، وغير شرعي، فيما يُبقي الحق في تقرير المصير حصريا للشعب الفلسطيني الذي كان يقيم في فلسطين يوم حدوث الاحتلال البريطاني الاستعماري في عام 1917. طبعا ولأبنائه وأحفاده مهما طال الزمن وكرسّت وقائع على الأرض.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 43 / 2176786

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع المراقب العام   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

14 من الزوار الآن

2176786 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 9


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40