الخميس 20 تشرين الأول (أكتوبر) 2016

لا تبتذلوا دماء الشهداء

الخميس 20 تشرين الأول (أكتوبر) 2016 par فهمي هويدي

لم يكن أسبوعا مبهجا ولا مطمئنا، إذ في بدايته هبت عاصفة حديث رجل التوك توك المسكونة بشحنة عالية من الغضب والغيرة إزاء ما انتهى إليه الحال في مصر، أتحدث عن حوار الدقائق الثلاث الذي ترددت أصداؤه بقوة وسرعة في الفضاء المصري، الأمر الذي أسفر عن إلغاء البرنامج الذي بث الفقرة، ووقف صاحبه الإعلامي عمرو الليثى، الذي قيل إنه أعطى إجازة مفتوحة. بعد ذلك شاهدنا فيديو انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي ظهرت فيه سيدة عبرت عن مشاعر الغضب والسخط ذاتها. ولم تمض أيام قليلة حتى أشعل أحد الأشخاص النار في جسده بالإسكندرية، وقيل في البداية إنه حاول الانتحار يأسا من قدرته على الاستمرار في الحياة بسبب الغلاء الفاحش، لكن الأجهزة الأمنية سارعت إلى نفى ذلك وأرجعت انتحاره إلى أسباب أخرى، وكان سكندري آخر قد سبقه إلى الجلوس شبه عارٍ في أحد شوارع قلب المدينة وهو يصيح معلنا أنه لم يعد قادرًا على تحصيل قوت يومه ومطالبا الحكومة بأن تحل مشكلته.

في الأسبوع ذاته انتقدت إحدى الإعلاميات وزيرة في الحكومة، ففسخت القناة التلفزيونية عقدها واختفت من على الشاشة. ومنعت جريدة الأهرام العامود اليومي للدكتور أسامة الغزالي حرب الذي انتقد فيه مشروع العاصمة الإدارية، فتوقف عن الكتابة وانتقل إلى جريدة أخرى خاصة. كما منعت نقابة الصحفيين ندوة صالون إحسان عبد القدوس، لأول مرة منذ عشرين عاما، لأنها كانت مخصصة لمناقشة سياسة الحكومة إزاء المشروعات الكبرى.

إلا أن ما صدمنا حقا وأشاع جوا من الحزن في بر مصر، كان ما جرى في سيناء حيث تم قتل ١٣ جنديا في هجوم شنته مجموعة مسلحة، وجرى صده مما أسفر عن مقتل ١٦ شخصا من المهاجمين. وهو الاشتباك الذي أعقبته حملة تطهير للبؤر الإرهابية شاركت فيها طائرات أباتشى وإف ١٦. وعد ذلك حلقة في الصراع المحير الدائر هناك منذ ثلاث سنوات، الذي أغرق سيناء في بحر من الدماء، في حين لم تعرف له نهاية.

هذه الأحداث المتلاحقة جاءت محملة بإشارات سلبية تشيع درجات متفاوتة من البلبلة والقنوط، وتضيف إلى فضائنا الرمادي سحابات كثيفة تشكل خصما على الحاضر وتحجب منافذ التفاؤل بالمستقبل. يضاعف من القلق أنه لا يتم التعامل مع تلك الأحداث بما تستحقه من جدية ومسؤولية. فبدلا من استلام الرسائل وتحليل مضمونها والتفكير في معالجة أسباب الغضب الذي تبثه، فإننا نشهد أصداء تعبر عنها وسائل الإعلام الأمني، تتراوح بين التجاهل والإنكار والتشويه. ذلك طبعا بخلاف إجراءات القمع والمصادرة، التي عبرت عن الإصرار على دفن الرءوس في الرمال، مع الاستمرار في معاقبة من يجرؤ على الكلام ويأخذ حريته في التعبير، وشمل الهجوم والتنديد وسائل التواصل الاجتماعي باعتبارها الفضاء الأوسع لتداول تعليقات الجمهور الذي جاء أغلبها مؤيدا ومتضامنا مع ما قيل عن أسباب الغضب ومسوغات خيبة الأمل.

استغربت مسارعة الأبواق الأمنية إلى الإعلان عن أن الرجل الذي حاول الانتحار في الإسكندرية «مسجل خطر»، بما يصرف الانتباه عن قضية الغلاء التي قصمت ظهور ملايين المصريين. لكن أغرب ما صدر ضمن تلك الأصداء كان مطالبة الغاضبين بالصمت احتراما لدماء الشهداء الذين سقطوا في سيناء. وهي رسالة أريد بها الإيهام بأن الشكوى من تدهور أحوال المعيشة ينتهك حرمة دماء الشهداء وينال من جلال اللحظة. وكأن السكوت وابتلاع الغضب واختزان الوجع، وحده الذي يعبر عن احترام تضحيات الجنود والضباط ويحفظ لدماء الشهداء حرمتها. في حين أن استخدام دماء الشهداء ذريعة لإسكات أصوات الغاضبين هو ما يبتذلها حقا وينتهك حرمتها، الأمر الذي يسوغ لي أن أدخله ضمن الإتجار غير المشروع بتلك الدماء الذي لا يجوز ولا يليق.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 30 / 2165263

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع ارشيف المؤلفين  متابعة نشاط الموقع فهمي هويدي   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

20 من الزوار الآن

2165263 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 9


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010