الجمعة 16 أيلول (سبتمبر) 2016

عيد الأضحى.. عيد كل المؤمنيين بالله

الجمعة 16 أيلول (سبتمبر) 2016 par صبحي غندور

الحجّاج سيعودون إلى أوطان عربية وإسلامية لا تتوافق أوضاع الكثير منها مع حقيقة حِكَم الحج ومعانيه

يلتقي في الحج كل عام ملايين من البشر من بقاع الأرض المختلفة، ويتساوى على أرض مكّة وفي مناسك الحج: الغنيّ والفقير، الأبيض والأسود والأسمر، الرجال والنساء، والحاكم والمحكوم. وفي الحج أيضاً تظهر وحدة الإنسانية ووحدة العبادة فقط للخالق عزّ زجلّ، ولا تمييز في الحج ومناسكه بين عربيّ وأعجميّ، ولا بين مسلم من هذا المذهب أو ذاك.
كذلك يرتبط الحج بوحدة الرسالات السماوية وبتكريس الإيمان بالله تعالى وبكلّ رسله وكتبه، فالأضحية في الحج والمزار المقصود فيه وكثير من مناسكه تتّصل بالنبيّ إبراهيم جد الأنبياء بمن فيهم موسى وعيسى وخاتم الرسل محمّد، صلوات الله عليهم أجمعين.
هذه المعاني الكبيرة كلّها تتكرّر لأيام معدودة كلَّ عام على مدار أكثر من 14 قرناً، حيث يعود الحجّاج بعد أداء المناسك إلى أوطانهم وأقوامهم ليجدوها كما تركوها مليئة بنواقض ما عاشوه من نبل معانٍ وما أدركوه من دروسٍ عظيمة في الحج.
فالحجّاج يعودون الآن إلى أوطان عربية وإسلامية لا تتوافق أوضاع الكثير منها مع حقيقة حِكَم الحج ومعانيه، إذ يعيش بعض هذه البلدان انقسامات حادّة بين المواطنين وبين المسلمين أنفسهم، بينما جمعت مناسك الحج بين مسلمين من مختلف الفرَق والمذاهب والاجتهادات، وأحد أهمّ معاني الحج هو إظهار وحدة المسلمين في تجمّعهم السنوي الهائل. كذلك الأمر بالنسبة لأوطان تتعدّد فيها الأعراق والإثنيات والطوائف، وبعضها يعاني الآن من حالات انقسام وتمييز ضدّ من هم على دين رسولٍ آخر من أحفاد النبي إبراهيم عليه السلام ممّن وصفهم القرآن الكريم ب“أهل الكتاب”، وبما يتناقض تماماً مع ما نشهده في الحجّ من مظاهر الوحدة الإنسانية وغياب الفوارق بين الأجناس والأعراق.
يعود الحجّاج إلى أوطانهم ليجدوا في معظمها هذا الانقسام الاجتماعي الحادّ بين الغنيّ والفقير، وبين الحاكم والمواطن، وبين المحروم والمالك، بينما الدعاء في الحج: “له الملكُ وحدَه لا شريكَ له”!.
يعود الحجّاج إلى حياتهم العادية ليلمسوا فيها وفي مجتمعهم هذا التمايز الكبير بين الرجل والمرأة، ولمفاهيم وممارسات مناقضة لما عاشوه في الحجّ من مساواة بين الرجل والمرأة في كلّ المناسك، فالاختلاط بين الرجال والنساء حلال في الحجّ وحرام في غيره!

إنّ حال الأوطان العربية والإسلامية الآن ينطبق عليه وصف مرض “ازدواجية الشخصية”. ففي معظم هذه البلدان تزداد ظاهرة “التديّن” واهتمام الناس بالعبادات الدينية على المستوى الفردي، لكن مع ابتعاد كبير لهذه المجتمعات عن مبادئ الدين وقيَمه وفروضه الاجتماعية.

إنّ ما يحتاجه المسلمون عموماً، والعرب خصوصاً بحكم دور ثقافتهم ولغتهم واحتضان أرضهم للمقدّسات الدينية كلها، هو الأنتماء من جديد إلى “المدرسة الإبراهيمية” تيمناً بجد الأنبياء النبي إبراهيم الذي لم يكن من هذه الطائفة أو تلك، ولا من هذا المذهب أو ذاك. فالمسلم “الإبراهيمي” هو ما تحتاجه الآن مجتمعاتنا العربية التي تعاني من حدة الإنقسامات والصراعات.

فإلى كل المؤمنيين بالله مهما كانت طوائفهم ومذاهبهم: كل عام وأنتم وأوطاننا بألف خير!

- المراهنة الآن في سورية هي على التسوية فقط

هناك فعلاً صراع محاور إقليمية ودولية على سورية وفي المنطقة العربية، لكنْ للأسف، فإنّ الرافضين لهذا الصراع من السوريين والعرب لم ينجحوا في صنع البديل الوطني الصالح، والبديل العربي الأفضل، بل نجد هيمنةً أجنبية على تداعيات كلّ الحروب الدائرة في أكثر من بلد عربي، كما يستفيد المشروع الإسرائيلي من هذه الأزمات العربية ويعمل على تفتيت المنطقة إلى دويلاتٍ متصارعة.

ثمّ هل يمكن تجاهل حقيقة أنّ درجة العنف في الأوضاع السورية هي انعكاسٌ لحدّة أزمات أخرى، مترابطة كلّها بعناصرها وبنتائجها وبالقوى الفاعلة فيها؟! وهل يمكن فصل الأزمة السورية عمّا حدث في العقد الماضي من أوّل احتلال أميركي لبلد عربي العراق ، حيث كانت سورية معنيّة بأشكال مختلفة بتداعيات هذا الاحتلال ثمّ بدعم مواجهته؟ وهل يمكن نسيان أنّ «القاعدة»، وهي الأم التي وُلدت من رحمها «داعش» و«النصرة»، قد ظهرت في العراق ثمّ في سورية كمحصّلة لنتائج الإحتلال الأميركي لبغداد؟ وهل يمكن فصل الأزمة السورية الحالية عن حرب عام 2006 في لبنان وعن الصراع العربي/ الإسرائيلي وعن مأزق التسوية على المسار الفلسطيني، وهل يمكن نسيان أنّ مئات الألوف من اللاجئين الفلسطينيين يقيمون في لبنان وسورية والعراق، وبأنّ ما حدث، وما يحدث في هذه البلدان سيؤثّر كثيراً على مصير ملفّ اللاجئين الفلسطينيين؟! ثمّ هل من الممكن أن تغفر «إسرائيل» لمن اضّطرها للانسحاب العسكري المذلّ عام 2000 من لبنان، ولمن أفشل مغامرتها العسكرية وحربها المدمّرة عام 2006؟! أليس حتمياً حدوث انعكاساتٍ خطيرة على كلّ المقاومين للإحتلال الإسرائيلي من جرّاء تداعيات الأزمة السورية ونتائجها السياسية والأمنية؟! ثمّ هل حقّاً أنّ التغيير المنشود في سورية هو في نظامها السياسي الداخلي فقط، أم كان الهدف الكبير الهامّ هو فصم العلاقة بين سورية وإيران من جهة، وبين دمشق وموسكو من جهةٍ أخرى؟!

واشنطن استفادت كثيراً من تداعيات الأزمة السورية، في بداية سنواتها الأولى، لجهة إضعاف دولةٍ كانت ولا تزال – تُشكّل ثقلاً مهمّاً لروسيا وإيران في المشرق العربي والبحر المتوسط، وتدعم قوًى لبنانية وفلسطينية قاومت الإحتلال الإسرائيلي في حروب مختلفة على جبهتيْ لبنان وغزّة.

واشنطن لم تكن في السابق مستعجلةً جداً على فرض تسوية سياسية للأحداث الدامية في سورية، لكنّها حرصت على ضبط الصراع وعلى عدم انتشاره إقليمياً أو دولياً، فكانت الإدارة الأميركية تُشجّع الآخرين على تسليح بعض قوى المعارضة، دون تورّط عسكريّ أميركيّ مباشر على الأرض، ولا تُشجّع في الوقت ذاته على حلول سياسية وأمنية لم يحن أوانها بعدُ أميركياً، كالذي حصل مع المبادرة العربية في خريف العام 2011، حينما دعت علناً وزيرة الخارجية الأميركية السابقة هيلاري كلينتون أطراف المعارضة السورية المسلّحة إلى عدم ترك السلاح أو تسليمه، كما تضمّنت المبادرة العربية.

الآن تغيّرت الظروف، كذلك هو واقع القوى العسكرية على الأرض ومواقف الحلفاء الإقليميين، لذلك، فإنّ معالجة الأزمة السورية أصبحت أولويّةً لدى إدارة أوباما، خاصّةً بعد ظهور «داعش» وسيطرتها على مساحات واسعة من سورية والعراق وصولاً إلى ليبيا وأفريقيا، وبعد حدوث الاتفاق الدولي مع إيران، التي هي أيضاً دولة معنيّة بما تخطّط له واشنطن لمستقبل أفغانستان والعراق وسورية ولبنان واليمن وملفّ فلسطين والصراع العربي/ الإسرائيلي. لذلك نجد الآن هذا التفاهم والتوافق الروسي/ الأميركي على ضرورة تحقيق تسوية سياسية للأزمة السورية خلال وقتٍ قريب، رغم استمرار الاختلاف بين القطبين الدوليين حول تفاصيل التسوية المرتقبة. فأميركا تحتاج إلى دعم موسكو في الملف السوري كما احتاجته في الملفّ النووي الإيراني، رغم الخلاف الكبير بين الغرب وروسيا حول المسألة الأوكرانية.

فليس أمام واشنطن الآن بدائل مفيدة للمصالح الأميركية في حال فشل مشروع التسوية السياسية للأزمة السورية. أيّ هل سيكون الخيار البديل هو مزيدٌ من التصعيد العسكري في سورية، تحصد نتائجه روسيا أو قوى التطرّف الأكثر فعالية وسط المعارضة السورية، والتي تسعى للتمدّد إلى دولٍ أخرى كلبنان والأردن وباقي دول المنطقة؟ وهل لواشنطن وموسكو والقوى الإقليمية الكبرى مصلحة في تعاظم خطر الإرهاب «الداعشي» على العالم كلّه؟ أم سيكون الاحتمال، في حال الفشل بتحقيق تسوية سياسية للأزمة السورية، هو استمرارها وأزمات المنطقة على ما هي عليه؟ لكن من يقدر الآن على ضبط إيقاعاتها المحلية ومنع توسيع رقعتها الجغرافية؟ وهل هناك إمكانية لفعل ذلك؟! لا أعتقد أنّ هذا ممكناً، ولا أرى أنّ هناك مصلحة أميركية وروسية وإيرانية وتركية وعربية في استمرار التأزّم الأمني والسياسي الحاصل. «إسرائيل» وحدها مستفيدة الآن من الحروب الداخلية العربية، ومن التجاهل الدولي والعربي الجاري الآن للقضية الفلسطينية. و«إسرائيل» فقط، ومن معها في الأوساط السياسية الأميركية، هي التي ترغب بتغيير خرائط المنطقة وتفتيت كياناتها الراهنة.

لذلك كلّه، تتأكّد الحاجة الآن لتسوية سياسية للحرب الدموية في سورية رغم تباين مصالح الأطراف الإقليمية والدولية المتورّطة فيها، وهو ما جعل موسكو وواشنطن تتحدّثان معاً عن ضرورة التوصّل إلى حلّ سياسي للأزمة السورية، وعن سعيهما معاً إلى إقامة تفاهم دولي/ إيراني/ تركي/ عربي حول أسس هذا الحلّ السياسي، وإلى ضرورة وضع المواجهة مع «داعش» و«النصرة» والإرهاب في مقدّمة الأهداف خلال هذه المرحلة.

فبعد أكثر من خمسة أعوام على المراهنات العسكرية في الأزمة السورية، وصلت هذه المراهنات إلى طريقٍ مسدود، إذ لم تنجح الحكومة السورية في إنهاء الأزمة من خلال حلّها الأمني، كما لم تنجح بعض قوى المعارضة التي اختارت العسكرة بتشجيع خارجي من إسقاط النظام، بل إنّ خيارها هذا أدّى إلى تصعيد العنف والدمار من كلّ الأطراف، وإلى فتح أبواب سورية أمام قوى إرهابية مسلّحة متطرّفة أعلنت جهاراً ارتباطها بجماعات «القاعدة» و«داعش».

لقد أصبح مزيج الأمر الواقع على أرض سورية هو صراعات محلية وإقليمية ودولية، وحالات من الحرب الأهلية والعنف السياسي والطائفي والإثني، إضافةً إلى وجود قوى تُمارس الإرهاب الدموي وتهدّد وحدة الشعب السوري، وأصبحت كلّ سورية معرّضة للتشقّق وتفكيك الكيان والدولة والمجتمع. ولعلّ هذا المزيج السيّئ من واقع الصراعات واحتمالات نتائجها هو ما جعل نيران الحرب السورية مصدر خطرٍ كبيرٍ أيضاً على الدول العربية المجاورة لسورية، بل على كلّ دول المنطقة والعالم.

إنّ الأزمة السورية هي قضيّةٌ حاضرةٌ الآن في كلّ المحافل الدولية، وسيكون مصير الحرب المشتعلة فيها، أو التسوية المنشودة لها، هو الذي سيحدّد مصير الأزمات الأخرى. كذلك، فإنّ استمرار الحرب يعني استمرار التأزّم الأميركي والغربي مع إيران وموسكو، ويعني مخاطر حرب إقليمية، إضافة إلى محاذير التورّط التركي الكبير الحاصل الآن في الأزمة السورية، وانعكاسه على «الناتو»، وعلى العلاقة الخاصة بين واشنطن والجماعات الكردية المقاتلة في شمال سورية، وهو أمر لا ترغب واشنطن أن تجد نفسها مخيّرةً فيه بين حليفٍ تركي قديم وحليفٍ كردي جديد!

المراهنات على الحلول العسكرية في سورية، عند كلّ طرف، وصلت الآن إلى طريقٍ مسدود. وستكون العقبة الكبرى أمام أيّ صيغة تسوية سياسية جادّة للأزمة السورية هي في جماعات التطرّف المسلّحة على المستوى الداخلي، وبـ»إسرائيل» ومن لديها من عملاء أو حلفاء على المستويين الإقليمي والدولي. فلا مصلحة لهذين الطرفين في إنهاء الصراع الدموي في سورية أو في التفاهمات الدولية وما قد تفرزه من نتائج سلبية على كلّ منهما.

مدير مركز الحوار العربي



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 68 / 2176583

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع صبحي غندور   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

4 من الزوار الآن

2176583 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 4


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40