الجمعة 16 أيلول (سبتمبر) 2016

في قطاع جبل الشيخ

الجمعة 16 أيلول (سبتمبر) 2016 par علي بدوان

موقع عين البرج على سفوح جبل الشيخ، الذي تعرض أمس لقصف من نيران العدو “الإسرائيلي”، أعرفه ويعرفه كل الشباب الفلسطيني الذي أدّوا خدمته العسكرية في صفوف جيش التحرير الفلسطيني. من بيت جن ودربل ومغر المير وتل الشحم الى عرنه وريما وبقعسم وقلعة جندل وعيسم وعين البرج ...
فيما يلي أعيد نشر مادة كتبتها منذ سنوات ونشرتها عدة صحف عربية تحت عنوان (في قطاع جبل الشيخ).
“ثلوج جبل الشيخ أَحَنُّ علينا من النظام الرسمي العربي” جملة قالها الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات بعد الخروج الفلسطيني المسلح من الأردن أواخر العام1971 بعد معارك أحراش جرش وعجلون.
الكلمة إياها أطلقها الرئيس عرفات مع قيام القوات الفدائية العسكرية الفلسطينية بإعادة تجميع نفسها بعد خروجها من الساحة الأردنية نحو سوريا، وإعادة ترتيب انتشارها من جديد ما بين جبهة الجولان السورية، وجبهة جنوب لبنان.
القوات الفلسطينية التي ذهبت إلى لبنان سلكت طريقًا متعرجًا ازدلفته من الأراضي السورية من تلال ومرتفعات جبل الشيخ والمناطق المحيطة بها عند مثلث الحدود السورية اللبنانية من بلدات (قلعة جندل، رخلة، دير العشاير، كفر قوق ..). ومن غرب جنوب غرب منطقة الزبداني لتَعبُرَ نحو بلدات (راشيا الوادي، عيتا الفخار، كفر شوبا، الهبارية، خربة روحا، حلوة، إم دوخة...) في لبنان، ومن ثم لتتوزع على كافة مناطق وقطاعات الجنوب اللبناني.
جبل الشيخ أو جبل حرمون، الجبل المُكلل بالثلوج طوال عدة أشهر في العام الواحد، كان لي شرف قيادة سرية (مشاة/قوات خاصة) فوق مرتفعاته الممتدة ما بين الأراضي السورية واللبنانية قبل سنين طويلة، إبان خدمتي العسكرية في صفوف قوات أجنادين التابعة لجيش التحرير الفلسطيني في سوريا في كتيبة الصاعقة (980/مشاة) بقيادة العقيد صلاح أبو زرد وقائد القوات العميد الركن علي قاسم أسعد.
في مواقع جبل الشيخ، بدأت خدمتي الميدانية في موقع القمة أي المرتفع 2814 مترا، كقائد لسرية (مشاة/صاعقة) مع الطواقم الملحقة بها. ومن داخل الدشم والتحصينات العسكرية في الموقع إياه بدأت رحلتي السعيدة بطابعها الوطني والكفاحي مع مواقع الانتشار العسكرية على خط الجبهة في هضبة الجولان وفي قطاع جبل الشيخ على وجه التحديد، استنشق مع هوائه وترابه عبير ورائحة هواء وتراب فلسطيني، وطني ووطن أجدادي.
قيادتي لسرية (مشاة/قوات خاصة) بدأت من قمة جبل الشيخ، التي شهدت معارك طاحنة عام 1973 وفي حرب الاستنزاف عام 1974، حيث (مغارة الدم) وهي واحدة من الدشم العسكرية التي وقعت داخلها اشتباكات عنيفة بالسلاح الأبيض بين القوات الخاصة الفلسطينية والسورية من جهة ووحدات جيش العدو “الإسرائيلي” في الجهة المقابلة أثناء حرب الاستنزاف عام 1974 وقد بقيت الدماء تلطخ جدرانها إلى عقدين من الزمن مع التحاقي بالخدمة العسكرية.
من جبل الشيخ، كانت النافذة الثالثة التي أطل وأرى منها أفق وطني فلسطين. فالنافذة الأولى كانت من جبهة جنوب لبنان ومن مواقع مختلفة منها. والنافذة الثانية كانت من منطقة (وادي الرقاد) الواقعة في أقصى جنوب جبهة الجولان عند مثلث الحدود الأردنية السورية الفلسطينية, حيث تستريح هناك مواقع جنوب الهضبة السورية في منطقة فيق والعال وخسفين والجوخدار والبطيحة والحمة وبحيرة طبريا وسمخ وبيسان. رائحة هواء وتراب جبل الشيخ ومياهه العذبة، وأعشابه البرية ونباتاته المشابهة لأعشاب ونباتات جبال الجليل في شمال فلسطين المحتلة عام 1948 ما زالت آثارها تفوح عند كل لحظة تستحضرها حاسة الشم عندي (كنبات العكوب البري والخبيزة والميرمية والعلت، وملفوف اللسينة، وزهر الحنّون أو البرقوق الذي يخرج من الأرض مع ذوبان الثلوج ...).
جبل الشيخ ومواقعه وتلاله الرئيسية شواهد راسخة ومحفورة في ذاكرتي الحية، من المرتفع الأعلى البالغ 2814 مترا المسمى بقمة الجبل أو المرصد أو قمة قصر الأمير العربي (شبيب التبعي)، إلى مرتفع (العقبات) إلى مرتفعات شرق ووسط حرمون ومرتفع قمة النسر ومابينهما، خصوصًا ذاك الموقع المسمى بـ (المهبط)، والذي جرت على أرضه وعلى جنباته معارك طاحنة وإنزالات جوية متبادلة اثناء حرب الاستنزاف على الجبهة السورية مع العدو “الإسرائيلي” عام 1974.
ففي تلك المواقع والوهاد والمرتفعات، التي قَطعتها أثناء خدمتي العسكرية طولاً وعرضًا، هبوطًا وارتفاعًا، كان لنا كفلسطينيين وسوريين ألف حكاية وحكاية، هي حكاية الكفاح الوطني الفلسطيني والعربي في مواجهة العدو “الإسرائيلي”، كما هي حكاية معارك جبل الشيخ أثناء حرب أكتوبر 1973 وحرب الاستنزاف عام 1974 التي شارك بها من سبقني لخدمة العسكرية من أبناء وطني من فلسطينيي سوريا، حين كانت قوات جيش التحرير الفلسطيني وما زالت هناك في إطار القوات العاملة في قطاع جبل الشيخ إلى جانب القوات العربية السورية.
لكن أكبر تلك الحكايات في معارك جبل الشيخ كانت قبل حرب أكتوبر 1973، عندما كانت وحدات الإغارة الفلسطينية من قوات حطين التابعة لجيش التحرير الفلسطيني تواصل عملياتها اليومية عند تخوم وأطراف الجبل، وصولاً إلى منطقة المهبط على المرتفع 2400 متر، والتي وصلتها أقدام المقاتلين، واستطاعت أن تحدد إحداثيات المجموعات “الإسرائيلية” وأن تُبيدها، وهي تلك المجموعات التي كانت تقصف بالهاونات بعض المواقع السورية في منطقة قطنا انطلاقًا من مهبط جبل الشيخ.
جبل الشيخ، أو جبل حرمون، منطقة استراتيجية من بلاد الشام، يَستطيع المُرء أن يرى من قمته وحتى من مرتفعاته الأدنى من القمة مناطق واسعة من فلسطين ولبنان وسوريا في آن واحد.
فمن المرتفع 2814 مترا فوق سطح البحر، تُشَاهد أضواء مدينة صفد الواقعة في جبال ومرتفعات الجليل الفلسطيني وعلى قمة جبل الجرمق، كما تُرى مدينة طبريا وبحيرتها وهي في قعر الغور الفلسطيني، تحيط بها الأراضي الزراعية الخصبة الممتدة على حدود (سايكس/بيكو) المشؤومة والمصطنعة ما بين فلسطين وسوريا.
ومن ذاك المرتفع العالي في قمة جبل الشيخ ذاته وعند تغيير مجال الرؤية تُرى وتُشاهد مناطق دمشق وريفها ومرتفعات الزبداني، فضلاً عن رؤية البقاع اللبناني وبحيرة القرعون إضافة لمرتفعات الباروك.
إن جبل الشيخ ينفصل عن بقية السلسلة الجبلية الشرقية للبنان بواسطة ممرات جبلية طبيعية عريضة، ساعدت الانكسارات وعوامل التعرية الطبيعية على تكوينها. حيث تتألف المرتفعات الشرقية للبنان وجبل حرمون من صخور جيرية دولوميتية جوراسية تظهر في القسم الجنوبي وخصوصا في جبل حرمون.
إنه جبل الشيخ الذي وصفه أحد عتاة ساسة الدولة الصهيونية ديفيد بن جوريون بـ (أبو المياه) والنافذة الاستراتيجية، طامحًا لاحتلاله بالكامل منذ قيام الكيان الصهيوني على أنقاض الكيان الوطني والقومي للشعب العربي الفلسطيني، باعتباره مصدرًا مهمًا وحيويًّا وخزانًا مائيًّا يغذي جوف منطقة الجولان وأجزاء من القطاع الشرقي لجنوب لبنان وسهل الحولة في فلسطين والتي تبلغ مساحتها 165 ألف دونم، فضلاً عن بحيرة طبريا (بحيرة الجليل).
فالأهمية الأولى لجبل حرمون تنبع من كونه المغذي الرئيسي للمياه في المنطقة الواقعة في حوضه في الجولان ومناطق القطاع الشرقي لجنوب لبنان إضافة إلى مناطق ريف دمشق في وادي الحرير ووادي العجم.
تبلغ مساحة المرتسم الأفقي لجبل الشيخ وعلى مستوى الأرض نحو (600) كيلو مترمربع، نصفها تقريبًا في الأراضي اللبنانية، ويطل على القطاع الشرقي/قطاع العرقوب، وتُشكل مساحته الواقعة في الأراضي السورية نحو (12%) من مساحة الجزء المحتل من هضبة الجولان.
جبل حرمون مجموعة من الارتفاعات المتتالية، بحيث يتشكل من عدد كبير من الذرى والشارات المتباينة الارتفاع عن بعضها البعض: قمة وسط حرمون 2296 مترا، مرتفع شرق حرمون 2154 مترا، مرتفع قمة النسر 1841 مترا، مرتفع قرنة السفحة 2682 مترا، مرتفع المهبط 2400 متر، مرتفع العقبات الأول 1896مترا، مرتفع العقبات الثاني، مرتفع قصر برقش، مرتفع جبل الروس ... والمرتفعات الواقعة في الجانب الآخر تحت الاحتلال إضافة إلى المرتفعات الواقعة في الشطر اللبناني من الجبل، ويرتفع في أعلى نقطة منه بمقدار 2814 مترًا عن سطح البحر.
يتمتع جبل حرمون بأهمية عسكرية تعود إلى ما يوفره من بعد إحداثي ديكارتي ثالثي/شاقولي، يسمح بمراقبة مواقع الطرف الآخر بصورة جيدة نسبيًّا. وفي الواقع فإن جبل الشيخ يطل على الاتجاهات العملياتية على الجبهة السورية - الفلسطينية بحيث يشرف موضعيًّا على الأراضي المحيطة به حتى الأفق. وضمن ذلك يمكن القيام بأعمال المراقبة بالنظر، بواسطة أجهزة المراقبة البصرية لمسافات طويلة، ورصد كامل لاتجاه العمليات في الجانبين، وتاليا يمكن متابعة كل التحركات العسكرية وتصحيح رمايات المدفعية وضربات الطيران، إضافة إلى أنه يمكن أن يشكل ستارًا وعامل إضفاء للحشودات العسكرية للطرف المُسيطر عليه، ويقدم شروطا ملائمة لحجب الرؤية الرادارية وحماية الطائرات ذات الطيران المنخفض من الاكتشاف بحيث تصل إلى أغراضها بصورة مفاجئة. فضلاً عن ذلك يصعب على نيران المدفعية أن تطول مرتفعاته بسبب طبيعة تضاريسه، فزيادة المدى الشاقولي للقصف المدفعي يكون دومًا على حساب النقصان في المدى الأفقي.
تلك حكايات سريعة عن منطقة حيوية، وذات بعد استراتيجي.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 140 / 2165626

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع علي بدوان   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

8 من الزوار الآن

2165626 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 5


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010