الجمعة 9 أيلول (سبتمبر) 2016

القواصم تأتينا من العواصم

الجمعة 9 أيلول (سبتمبر) 2016 par صالح عوض

وقف أبومازن ليقول قولته بوضوح لا تلعثم فيه محذرا من تدخلات “العواصم وأموال العواصم” في القرار الفلسطيني والشأن الفلسطيني الداخلي محذرا بأنه سيقطع كل الخيوط الممتدة مع العواصم ان لم يقطعها المتورطون..

لم يكن كلامه هذا هو الأول في تصريحاته فلقد سبق له قبل عامين ان خطب خطابا مطولا يشرح فيه تاريخ الثورة الفلسطينية وما تعرضت له من تدخلات وما دفعت من أثمان للحفاظ على استقلالية قرارها..ولكن في هذه المرة تأخذ نبرة الصوت ووضوح العبارة آفاقا أوسع إنها تعيد المسألة الفلسطينية إلى بداياتها حيث لحقت المأساة بالفلسطينيين جراء تدخل الدول العربية المشين في أيام النكبة الأولى عندما رفضوا الاعتراف بالهيئة العربية العليا ممثلا لفلسطين ورفضوا انضمامها لجامعة الدول العربية لتمارس فيما بعد حقوقها القانونية وتصرفوا كأن فلسطين بلا شعب ولا قيادة فكانت النكبة الأولى ..

أبومازن وهو من جيل الرواد للثورة الفلسطينية المعاصرة ورفيق ياسر عرفات وواحد من المؤثرين الأساسيين في مسيرة الثورة الفلسطينية ومنظمة التحرير ومنسق العلاقات الإستراتيجية مع السوفيت وصاحب القرارات التاريخية الحاسمة في استقلالية المنظمة وخياراتها.. أبومازن الذي كان صاحب راي عنيد اختلف معه الكثيرون ورفضوا نتائج جهوده في المفاوضات التي حولها العدو الى غطاء لعمليات الاستيطان الجنوني في الضفة.. أبومازن وما تخللته مرحلة قيادته للشعب والمنظمة من كوارث الانقسام والحروب غلى غزة وحصارها و الوصول الى باب موصود في العملية السياسية واستشراء فساد إداري ومالي وهنا لا يمكن القول بتحميله كل تلك الأوزار إنما المراد هنا الإشارة الى خطورة ما برز في مرحلة قيادته الأمر الذي وسع رقعة الانتقاد والتظلم لكنه جميعا في الإطار الوطني مهما بلغت درجة الاختلاف معه ومهما بلغت المظالم الداخلية فانه من غير المسموح ان تقدم هذه المبررات أسلحة بيد النظام العربي لتتحرك مافيا الأمن الإقليمي لتفرض أجندتها على الفلسطينيين بعد ان خربت ليبيا وتونس وسورية..

أجمعت الدول العربية الأربعة السعودية والإمارات والأردن ومصر على خارطة طريق ملزمة تفرض بموجبها الوصاية على الشعب الفلسطيني وتحدد مستقبله السياسي وما ينبغي على قواه السياسية فعله.. صحيح ان هذه ليست هي الخطوة الاولى التي يمارسها النظام العربي الا انه الأخطر لأنها تعلن مباشرة تشكيل محكمة عربية للفصائل الفلسطينية والقيادة الفلسطينية وان القاضي الحقيقي المتخفي والقابع في مكاتب المخابرات الأمريكية سيصدر حكمه على المسئول الفلسطيني ويقدم البديل الذي تم إعداده وشحنه بما عليه من مهمات.

عندما حلت نكبة فلسطين وأدركت القيادة الفلسطينية الزعيم الحاج أمين الحسيني ورفاقه انه لابد من تحرك سريع لتدارك الموقف كان النظام العربي بالمرصاد.. فبعد ان استطاع الفلسطينيون تشكيل مجلس تشريعي وانتخاب حكومة عموم فلسطين التي كانت تمثل الشعب كله تدخل النظام العربي فأسقطها وشرد أعضاءها وألزم الزعيم الفلسطيني بإقامة جبرية قبل ان يطردوه الى لبنان فلم يجد الا بيروت الشرقية يأوي إليها.

حكاية النظام العربي مع القضية الفلسطينية طويلة دامية.. و لم يتخل النظام العربي عن مهنة التدخل وكانت الأجهزة الأمنية العربية جميعها فيها أقسام خاصة تتابع من خلالها نشاط الفلسطينيين وتنظيماتهم وتطورات الأوضاع السياسية فيهم وتفتح أقسام في السجون خاصة بقسم فلسطين ويصبح كل فلسطيني يمر من عواصم العرب تلاحقه توصيفات معينة وهو في دائرة الخطر الأمني دوما.. وفي هذا شهد أبومازن المحنة الفلسطينية كلها وكان مع أخوانه الأوائل ابو يوسف النجار وصلاح خلف وابو عمار ورغم كل ما يمكن قوله في الاتفاق معه والمخالفة إلا انه يمكن الجزم انه آخر الرجال الذين يحملون هم المشروع الوطني في السلطة الفلسطينية وهو لهذا السبب يتقدم من حين لآخر مستخدما مبضعه ليقطع الزوائد التي تمد جذورها للاستسقاء من العواصم.

لقد كانت العواصم هي قواصم القضية الفلسطينية وإذا استثنيا القليل القليل منها يمكن الجزم ان القضية الفلسطينية كانت دوما بالنسبة لها مجالا للاستثمار السياسي لتحقيق أكثر شروط التأهيل من قبل الغربيين لذا كان سوطها قاسيا على منظمة التحرير والثورة الفلسطينية حتى تم إخراج الفلسطينيين من كل حدود فلسطين وتشتيتها على عواصم بعيدة ليسهل تركيعها وجلبها فيما بعد الى بيت الطاعة الغربي.

الان وبعد ان تعفنت المبادرة العربية للسلام والتي كان ثمنها قتل ياسر عرفات والتي كانت تمهيدا لغزو أمريكا للعراق.. الان وبعد ان تم تدمير ليبيا والهاء تونس و إشعال اليمن وتخريب سورية الآن يتم التقدم من قبل الفريق نفسه للعبث في الداخل الفلسطيني بكيفية لا تنتهي الا إلى تشتيت أوسع وإنهاك أعظم.

الآن يتم طرح أسماء وبدائل علنا وبلا أدنى حد من الحياء والدبلوماسية وان هناك إجراءات سيتم اتخاذها ضد من يرفض القرارات العربية وهنا لابد من الإسراع الى القول على محورين الأول: ان الضمير الوطني والوعي الوطني يقفان حائلا دون ان تمر هذه المؤامرة التي ستجد شعبا مثقفا واعيا متعلما مناضلا يقف كالسد أمام مثل هذه المؤامرات التي تستهدف استقلاله وسيادته..والمحور الثاني: ان لا اعتراض من حيث المبدأ على أي من الأسماء المطروحة كبديل ولكن على ان تاتي من بوابة الشعب الفلسطيني وان لا ترشحها اية عاصمة.

لقد عبث الحكام العرب بكثير من القيادات والفعاليات الفلسطينية التي خضعت لشروط المكان والحاجة وضرورات التحرك ومع الزمن أصبحت هناك طبقات سياسية فلسطينية مرتبطة بمهمات غير وطنية في مرحلة ينبغي ان لا يعدد الفلسطينيون مهماتهم فهي فقط نحو فلسطين ومن اجل فلسطين.. وان ما يتم الان التحدث عنه إنما هو كارثة لا تقف فقط عند حدود المس بالسيادة إنما تتعداها الى التخطيط لتدمير ماتبقى من غزة وهذا ما استند اليه نص مبادرة الرباعية العربية وإدخال الفلسطينيين في التيه والضياع.

أبومازن عندما يعلن ان القواصم تأتينا من العواصم ولا حاجة لنا بتدخل العواصم وأموالها إنما يعبر بوضوح وجلاء عن الموقف الفلسطيني محل الإجماع الوطني وان كان هذا الموقف سيكلفه الكثير الا انه كما صرح مؤخرا لن يكون خائنا ولن يقبل بخيانة فلسطين .. فهل يكون أبومازن قد اختار نهاية كتلك التي اختارها رفيقه ابوعمار؟

انها موجة عالية من التحدي ويبدو ان الرجل وحيد معه ضمير شعبه المظلوم والمقهور فيما تتملص قيادات سياسية وموظفون كبار من مسئوليات الوقوف النظيف ضد المؤامرة .. لكنها المعركة ورجالها فهل ينتهي فصل القرار الوطني المستقل لندخل مرحلة الوصاية الأمنية السعودية الإماراتية على الشعب الفلسطيني؟ من ينقذ الموقف الفلسطيني ؟ انه الشعب الفلسطيني وليس سواه فهل يتقدم أبومازن لاستدعاء الشعب الى الميادين والشوارع ليعلن وقفة واحدة لإسقاط المؤامرة..؟ خاتمة الكلام المتعب هذا ان نقول: تولانا الله برحمته.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 68 / 2165248

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع صالح عوض   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

13 من الزوار الآن

2165248 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 16


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010