الاثنين 15 آب (أغسطس) 2016

في ملعب أوسلو

الاثنين 15 آب (أغسطس) 2016 par عبداللطيف مهنا

سلطة الحكم الذاتي الإداري المحدود تحت الاحتلال في فلسطين المحتلة، ومعها كافة ضواحيها الأوسلوية من مريدين ومنتفعين ومناضلين سابقين متقاعدين، إلى جانب معارضاتها الفصائلية المستأنسة سلطويًّا، أو الديكورية، وأيضًا المشاكسة المعترضة لكنما العاجزة، جميعهم، أو أقله أغلبهم، مشغولون هذه الأيام بحكاية الانتخابات البلدية. باتت شغلهم الشاغل، أو هكذا يراد لها، حتى ليتبدى وكأنما القوم قد عثروا على ما يعوِّضون به بطالتهم النضالية الضاربة أطنابها، إما اختيارًا، وانتظارًا لعدالة شركة العلاقات العامة الأممية المتحدة لصاحبتها الولايات المتحدة وشركائها من مساهمي حق الفيتو كل على قدر ما يمتلكه من أسهم قوة يصرفها في مجلس إدارتها، أو عجزًا وقلة حيلة كفاحية.
هناك من أطنب في امتداح محاسن مثل هذه الخطوة الانتخابية وانعكاساتها على حياة الرازحين تحت الاحتلال وعدد ضروراتها، وتأسف على تأخرها وتمنى لو انتقلت عدواها المستحبة إلى تليد المستعصي تشريعيًّا ورئاسيًّا، معرجًا على “الانقسام”، آملًا أن تسهم، إن لم يك في إعادة اللحمة المتهتكة، فأقله تضييق الهوة بين شطريه بعد أن عَزَّ التجسير ما بين متباعديها.
وهناك من وضع ما تقدم خلفه وانشغل بشؤون الشفافية وشجون مواصفات من يجب أن تسفر صناديق الانتخابات المباركة عن وضعهم في سدة المسؤولية، ليدلف بالتالي إلى التحدُّث بطوباوية يحسد عليها عن الكفاءة والبعد عن الولاءات والانتماءات، ويتعداهما إلى وجوب أن تتوافر في فرسانها صفات الأيادي البيضاء والنزاهة تردفهما الخبرة والتجربة.
لعله كلام جميل، لو كنا إزاء الحديث عن أي انتخابات ومن أي نوع ومستوى كان قد تجري في اللوكسمبورج أو جزر القمر، لكنما نحن إزاء الحديث عن انتخابات محلية في معتقلات كبرى مقطَّعة الأوصال، تحاصرها الحواجز الاحتلالية، وتلتف من حول أعناقها غوائل التهويد ومخططات الترانسفير، ويتناهش أطرافها سرطان توسُّع المستعمرات، ويجول في أحشائها المستعربون، يرفدهم التعاون الأمني الأوسلوي “المقدَّس”، حيث لا ينفك رئيسها يؤكد صباح مساء فحوى ما كان قد أكده في لقاء له مع حزب “ميرتس” الصهيوني من أن “التنسيق الأمني بين إسرائيل والفلسطينيين مستمر منذ عشر سنوات لإحباط العمليات” الفدائية… ولتتأكدوا، “لا تسألوني، اسألوا أجهزة الأمن الإسرائيلية”!
بمعنى أنها انتخابات، وسواء كانت مجرَّد بلدية محلية، أو انتقلت عدواها المأمولة والمستعصية إلى التشريعية أو الرئاسية اللتين عفا عليهما الزمن، فهي تجري وتدار في الملعب الأوسلوي الكارثي ذاته، وتعقد تحت مظلته البائسة، ومحكومة بسقفه المنحدر، وتنسحب عليها تداعياته التنازلية المدمِّرة… وحيث يتدخَّل الاحتلال الغاشم في كل مسامات الحياة الفلسطينية ويقيس ليقرر حتى مدى التنفُّس المسموح به للصامدين فوق ترابهم المحتل. كما لا ننسى أن المسألة الانتخابية هنا محصورة بمستوى إدارة الخدمات وجمع النفايات، وحيث لا تصل المقترعين ومن سينتخبونهم نقطة ماء أو ساعة كهرباء لا يتحكم المحتلون بوصولها أو انقطاعها ومتى شاءوا.
لقد بات من المسلَّم به والذي لم يعد مدار جدل لا في الساحة الفلسطينية ولا خارجها، ولا ينكره الصهاينة ولا الأوسلويون، أن السلطة الأوسلوية موضوعيًّا قد غدت ذراعًا أمنيةً وإداريةً للعدو، الأمر الذي أشرنا إلى أنه حتى لا يضير رئيسها أن يؤكده، وهو إذ يسهم في حفظ أمن الاحتلال وينوب عنه في مطاردة المقاومين وفدائيي الانتفاضة، يوفر له احتلالًا مريحًا لم يحظ به غاز عبر التاريخ. وعليه، لا يمكن فصل هذه الانتخابات التي نحن بصددها عن كونها إفرازا أوسلويًّا، أي يأتي في سياق يرتضيه العدو ويواصل توظيفه. وكيف لا وهو لا يتناقض أو يزد فتيلًا عن تليد سياساته المزمنة، أو تلكم المعبَّر عنها بدايةً بروابط القرى، أي ترسيخ عملية تحويل كل الحالة الفلسطينية الكيانية نهائيًّا إلى مجرَّد مسخ إداري خدمي محدود الصلاحية تحت الاحتلال وفي خدمته، أو ما ينسجم تمامًا مع بائس تلك التسمية سيئة السمعة التي خلعتها اتفاقية أوسلو التنازلية الكارثية على سلطة “أوسلوستان” القائمة تحت الاحتلال، أي سلطة الحكم الذاتي الإداري الفلسطيني المحدود.
بقي أن نقول لأولئك المشفقين على مصير مثل هذه الانتخابات من غوائل ما يدعونه مستمر “حالة الانقسام، أو انعكاسات هذه الحالة لجهة إنجاز عقدها أو حصاد نتاجه، وكذا لمن ينظرون إليها كخطوة يرتجونها باتجاه “الوحدة الوطنية”، وهل من وحدة وطنية بدون برنامج إجماع حد أدنى وطني مقاوم لا مساوم؟!
وفي ظل هكذا نهج وهكذا ممارسة، ومع هكذا نخب أقل ما يقال فيها إنها منهزمة ومفرِّطة ومتعاونة مع محتليها، وذهبت بعيدًا في مسارها المدمِّر، بحيث لم يعد سهلًا عليها ولا في واردها العودة عنه، أو تلمس سبل المنجاة من هاويته، هل تكون الوحدة سوى الالتحاق ببرنامجها ومشاركتها السقوط في هاويته؟!
وإذ لا نعمم، ولا نساوي المقاوم بالمساوم، لا بد من القول للفصائل، التي تتدرج مواقفها ما بين المعارض المهادن بمعنى المتكيِّف المشارك والمعترض المشاكس لكنما العاجز: إنه لن تأتي هذه الانتخابات بما يخرج عن ما سبق وأن بيَّناه، أي أن تبقى الحال كما هي الحال، سلطة متهالكة تتعاون مع محتليها، وفصائل تعارضها لكن تنسِّق معها حفاظا على “الوحدة الوطنية”، التي هي موضوعيًّا لا تعني سوى المحافظة على هذه السلطة، الأمر الذي بدوره لا يعني سوى استمراريتها الوظيفية المرادة لها تصفويًّا.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 11 / 2165700

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع عبداللطيف مهنا   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

11 من الزوار الآن

2165700 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 5


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010