الجمعة 27 آب (أغسطس) 2010

دولة فلسطين «القمعية»

الجمعة 27 آب (أغسطس) 2010

اقدام «قوات الامن الفلسطينية» على منع انعقاد ندوة ضد المفاوضات المباشرة، المزمع استئنافها في واشنطن منتصف الاسبوع المقبل، امر مؤسف بكل المقاييس، خاصة ان الطريقة التي تم من خلالها هذا المنع تؤكد ان «السلطة» تتحول بشكل متسارع الى نظام قمعي ديكتاتوري يشبه الانظمة العربية الاخرى، مع فارق بسيط واساسي ان الدولة الفلسطينية لم تقم بعد، وان هذه «السلطة» ما زالت تحت الاحتلال «الاسرائيلي»، وتأتمر بأوامره.

«قوات الامن الفلسطينية»، التي من المفترض ان تحافظ على الامن والنظام، تصرفت كمجموعة من البلطجية، عندما اقتحمت مقر الندوة في قاعة «البروتستانت»، باعداد كبيرة، واعتدت على المشاركين، ومزقت اللافتات التي علقوها وتحمل عنوان الندوة، وهتفت بشكل مستفز بشعارات تؤيد «الرئيس محمود عبّاس».

الجهات التي دعت الى عقد هذه الندوة، وهي الجبهتان الشعبية والديمقراطية لتحرير فلسطين، وحزب الشعب (الشيوعي سابقاً) تعتبر من أبرز الداعمين «للسلطة»، و«للرئيس عبّاس» نفسه، وتمسكت بعضويتها في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، وتحملت الكثير من الانتقادات بسبب مواقفها هذه، وليس من اللائق ان تكافأ على كل هذه المواقف الممتدة لأكثر من سبعة عشر عاماً، اي منذ توقيع «اتفاق اوسلو»، بمثل هذه البلطجة المهينة.

فاذا كان مؤيدو «السلطة»، والواقفون في معسكرها، والموفرون لها الغطاء السياسي يعاملون بمثل هذه المعاملة، ويتعرضون للضرب والاهانات، فكان الله في عون المعارضين، وخاصة من الفصائل الاخرى غير المنضوية تحت مظلة «السلطة»، ومنظمة التحرير مثل حركتي «حماس» و«الجهاد الاسلامي».

منظمو هذه الندوة، او الداعون لعقدها ارادوا التعبير عن حق مشروع في ابداء رأيهم في قرار اتخذته «السلطة» وقيادتها في الذهاب الى مفاوضات مباشرة، من المفترض ان تدور حول تسوية قضايا الحل النهائي وترسم حدود الدولة الفلسطينية المنتظرة، فهل الاعتداء على هؤلاء ومنعهم من التعبير عن موقفهم هو مقدمة لفرض مثل هذه التسوية في حال التوصل اليها بالحديد والنار، وبمباركة امريكا و«اسرائيل» والاتحاد الاوروبي، وهي أطراف تدعي الايمان بالديمقراطية والحريات المتفرعة عنها؟

لا نعرف كيف تقبل الولايات المتحدة زعيمة «العالم الحر» ان يمثل الشعب الفلسطيني في هذه المفاوضات رئيس لا يملك تفويضاً شرعياً من هذا الشعب للتحدث باسمه، ويرسل قوات أمنه لمنع ندوة ينظمها حلفاؤه للتعبير عن رأيهم في هذه الخطوة بطريقة حضارية وديمقراطية؟

«الرئيس عبّاس» قال انه سيفتح تحقيقاً في هذه المسألة، وكأنه يحاول تبرئة نفسه من هذا العمل القمعي المخجل. ان اجراء تحقيق خطوة مهمة، ولكن متى كانت تحقيقات «السلطة» تتمخض عن نتائج حقيقية، وحتى اذا توصلت الى مثل هذه النتائج، فمتى جرى تطبيق اي منها وتقديم المتهمين المدانين الى العدالة؟

«الرئيس عبّاس» يتحمل مسؤولية هذا التصرف الفاضح من قبل «زعران» اجهزته الامنية بالكامل، لأن هؤلاء كانوا يرفعون صوره ويهتفون باسمه، ويدينون بالولاء له و«لسلطته» والجنرالات الذين اصدر مراسيم تعيينهم في مواقعهم.

الشعب الفلسطيني الذي تباهى دائماً بديمقراطيته، ديمقراطية غابة البنادق، حسبما كان يردد الزعيم الراحل ياسر عرفات، لا يستحق هذه المعاملة، واذا كانت الدولة الفلسطينية التي تريد هذه «السلطة» الاتيان بها الى الشعب الفلسطيني من خلال المفاوضات الحالية هذا هو عنوانها، اي القمع وتكميم الافواه، ومصادرة الحريات، فان الشعب الفلسطيني، او غالبيته ربما يعيد النظر فيها كلياً. فأي دولة فلسطينية تنشأ يجب ان تكون ديمقراطية، دولة تحترم الحريات، وتطبق القانون، ولا نعتقد ان الحد الادنى من هذه المواصفات متوفر في «السلطة» التي تريد اقامتها، والمقدمات الخاطئة تؤدي دائماً الى نتائج كارثية.

- [**رأي صحيفة «القدس العربي» اللندنية.*]



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 12 / 2176686

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع المرصد  متابعة نشاط الموقع صحف وإعلام   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

5 من الزوار الآن

2176686 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 10


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40