الجمعة 22 تموز (يوليو) 2016

المسألة الفلسطينية

الجمعة 22 تموز (يوليو) 2016 par أحمد الدبش

عثر علماء آثار في عسقلان جنوب فلسطين المحتلة على مقبرة عمرها 3000 عام تعود إلى الفلسطينين القدماء، وصفها الباحثون بأول اكتشاف لمقبرة فلستية [فلسطينية]، هي عبارة عن مقبرة احتوت على رفات نحو 150 شخصا في العديد من غرف الدفن التي ضمت بعضها مواد متطورة بشكل مذهل. ووجد فريق البحث الحمض النووي على أجزاء من هياكل عظمية ويأملون في أن تحدد الفحوصات أصول الشعب الفلستي [الفلسطيني].
وقال عالم الآثار لورانس ستاجر؛ الذي قاد بعثة ليون ليفي الاستكشافية في عسقلان منذ عام 1985، إن الأمر قد يتطلب إعادة تفكير في استخدام كلمة فلستي (فلسطيني)، كإشارة إلى شخص معاد للثقافة والفنون، وهذا يبدد الكثير من الخرافات المتعلقة بهذا الشعب.
وقال عالم الاثار دانيال ماستر، الباحث في جامعة هارفرد والمشارك في أعمال التنقيب: «بعد عقود من دراسة ما هو مذكور في الكتاب المقدس عن الفلستيين [الفلسطينيين]، ها نحن وجها لوجه معهم في النهاية»، وأضاف «مع هذا الاكتشاف نحن قريبون من كشف أسرار أصولهم».
تسود قناعة لدى علماء التوراة بشكل خاص، وبين العامة بشكل عام بأن اسم أرض فلسطين، يعود في أصوله لشعب أو لقبائل انتمت لما يعرف بـ «شعوب البحر». ويطلق الاسم الأخير في علم التاريخ القديم المتخصص بالمشرق العربي وفي علم التوراة أيضاً، على مجموعة من القبائل أو الشعوب التي يقال أنها غزت مصر في الألف الثانية قبل الميلاد. وهناك رأي بأن هذا التحرك القبلي الذي تم عبر إقليم البلقان وكذلك عن طريق البحر، لم يكن غزواً وإنما هجرات قبلية. وبغض النظر عن طبيعة هذا التحرك البشري.
تفيد الحوليات المصرية أن تلك الموجة البشرية هُزمت في عهد رمسيس الثالث (1193 ـ 1162 ق.م). الذي أوقف تقدمهم عند مصب نهر النيل. وفي النقوش العائدة لذلك الفرعون، ترد تفاصيل إلحاق هزيمة بأعدائه، ومنهم (دنونا) و(فولستا).
كما عُثر في مدينة هابو الواقعة قرب الأقصر بمصر العليا على نقوش أخرى تقول إن رمسيس الثاني (1290 ـ 1224 ق.م) هو الذي حقق ذلك النصر على ستة أقوام هي (فرست/ ف ـ رـ ست)، و(دانونا)، و(شكلش/ سكلس)، و(شردنو)، و(شش)، و(تجكر).
ويعتقد البعض، ومنهم العالم ألن جاردنر، بأنه قد وصلت إلى أيدي علماء الآثار معلومات وافية عن الفلسطينيين في الكتابات والنقوش التي سجلها رمسيس الثالث، على جدران معبد أمون في مدينة هابو غربي مدينة طيبة، وقد ملأت هذه الكتابات والنقوش آلافاً من الأقدام المربعة كلها منحوتة على الحجر، وقد احتوت على سجل كامل لحملات الفراعنة وحروبهم.
وقد وصفت هذه الشعوب المعادية لمصر وصفاً رائعاً في النقوش المصرية، ونخص بالذكر الصور التي سجلت المعركة البحرية الفريدة من نوعها. وقد امتزجت النصوص المكتوبة بحديث مليء بالزهو موجه من رمسيس الثالث إلى أبنائه ورجال بلاطه، والمقتطفات التالية حذفت منها جمل لا نستطيع أن نخلص منها بحقائق تاريخية: «قامت البلاد الأجنبية بمؤامرة في جزرهم، وقد زعزعت المعركة وبعثرت البلاد كلها في وقت واحد، ولم تكن هناك أرض تستطيع أن تقف أمام أسلحتهم، وقد ابتدوا بخاتى وقودى وقرقميش وأرزاروا وألاسيا .. أقيم معسكر في مكان في أمور وقضوا على شعبها وأرضها فأصبحوا كأن لم يكن لهم وجود من قبل .. ثم جاؤوا، واللهب معد أمامهم متقدمين نحو مصر وكان حلفهم مكوناً من بلست وزكار وشكلش ودانو ووشش متحدين جميعاً، ووضعوا أيديهم على البلاد جميعاً إلى محيط الأرض كلها وقلوبهم تردد في ثقة «لقد نفذنا خطتنا»! ولكن قلب هذا الإله، سيد الآلهة، كان مستعداً ومجهزاً لاقتناصهم كالطيور، لقد دعمت حدودي في زاهي وأعددت أمامهم الأمراء المحليين وقواد الحاميات والماريانو وأمرت بأن يجهز مصب النهر، كسور قوي بالسفن الحربية والغلايين والزوارق التي كانت معدة إعداداً تاماً من قبل ومن بعد بالشجعان من الرجال الذين يحملون أسلحتهم ومن المشاة من خيرة المصريين الذين كانوا كالأسود المزمجرة فوق الجبال، أما العربات فكان بها المحاربون الأكفاء وكل الضباط الممتازين ذوي الأيدي القادرة، وكانت خيولهم ترتعد كل مفاصلها مستعدة لسحق الجيوش الأجنبية تحت حوافرها.ويستطرد [رمسيس الثالث] قائلاً: أما عن أولئك الذين وصلوا إلى حدودي فليست فيهم بذرتهم .. قلوبهم وأرواحهم انتهت إلى الأبد .. أولئك الذين تقدموا من ناحية البحر ..كان اللهب الكامل أمامهم عند مصاب النهر وكان سياج من الحراب يحيط بهم على الشاطئ. أما عن تفصيلات الهزيمة البحرية فإن النتيجة هي: جهزت لهم شبكة لاقتناصهم، فكان من دخل منهم إلى مصاب النهر يحصر ويسقط في داخلها ثم يقيدون في أماكنهم ويذبحون ثم تقطع جثثهم».
ومن ناحية أخرى فقد عُثر على الاسم (فلست) في نصوص عائدة إلى ملك مصر رمسيس التاسع (1134 ـ 1117 ق.م) تشير إلى اثنين من أقوام البحر هم (شردانا)، و(تجكر)، وإلى ثلاث مدن (فلستية / فلسطية) هي عسقلان، وأشدود، وغزة.
والحقيقة أن المخلفات الحضارية الفلسطينية في نهاية الألف الثاني قبل الميلاد وبضمن ذلك الساحل الفلسطيني، تعتبر استمراراً لحضارة العصر البرونزي الأخير. ومن أهم المكتشفات التي تنسب عادة للفلسطينيين فخار ملون بأشكال هندسية وطيور، وتظهر أيضاً أشكال حلزونية ومجموعات من أنصاف دوائر متشابكة،أما أشكال الأواني نفسها فمشابهة للأواني التي عثر عليها في جزيرتي رودس وقبرص، ولكنها غير مطابقة لها،ومن الصعب اعتبارها مستوردة، بل على العكس فإن طينة الفخار محلية وصانعوها محليون أيضاً رغم تأثرهم بصناعة الفخار المعروفة في الجزر الإيجية.
أيضا فقد كانت أسماء آلهة الفلسطينيين أمثال داجون وعشتروت، اسماء كنعانية [فينيقية]، كما أن العمارة من مبان عامة ومنازل مستمدة من التقليد المعماري للعصرين البرونزيين الوسيط والأخير، والحياة الدينية عند سكان الساحل الفلسطيني كنعانية [فينيقية] الأصل، وكذلك المباني الدينية وأهمها: سلسة المعابد المتعاقبة في تل القصيلة التي أنشئت على غرار المعابد الكنعانية / الفينيقية مع ما يظهر عليها من تأثيرات مصرية وإيجية.
وبذلك يصعب على الباحث التفريق بين ما يمكن نسبته إلى المجموعات البشرية التي سكنت فلسطين في أواخر الألف الثاني قبل الميلاد، فوجود هذا الصنف من الفخار أو ذاك في منطقة معينة لا يدل بالضرورة على سكنى هذه المنطقة من مجموعة إثنية مختلفة، ولكنها غالباً ما تعني أن هذه المنطقة وقعت تحت تأثيرات خارجية.
يشير العالم طومس طمسن، إلى أن كلمة فلسطين لا تستعمل لوصف مهاجرين من بحر ايجه وكليكا، كما أنها لا تستعمل لوصف العناصر المشاغبة في الإمبراطورية المصرية الأخيرة، فقد استعملت في وقت متأخر جداً اسماً لشعب السهل الساحلي الجنوبي ولجماعة تنتسب إلى سكان الدول المدينية في فلستيا. أما سكان السهول الساحلية الفلسطينية وكانوا من أصول مختلفة ومعظمها من الساميين الغربيين الأهليين في فلسطين، من حيث ثقافتهم المادية ولغتهم وديانتهم. وتعبير (فلسطين) يشير مبدئياً إلى حقيقة جغرافية، وفي القصص التوراتية يكتسب سمة إثنية محدودة خيالية، كمناهض رئيس لظهور شعب إسرائيل، كما في قصص القضاة وصموئيل (1- 2). الفلسطينيون لم يوجدوا بوصفهم شعباً إلا في المنظور العرقي التوراتي اللاحق، وإشارات النصوص الآشورية إلى (بي ـ ليس ـ تي) مثل الإشارات إلى ( آ ـ يو ـ دي) جغرافية تناقض الإشارات الإثنية. والكلام ما زال لنفس العالم: والقول بأن الفلسطينيين يمثلون شعباً غريباً متطفلاً على فلسطين، يجب إنكاره. التأثير الوارد من بحر إيجه جزئي، وعلى أساس البينات المعروفة كان هذا التأثير هامشياً وسطحياً في اللغة والديانة والأشياء المادية حتى في أقدم أشكال الفخار المدعوة فلسطينية. كانت ثقافة المنطقة الساحلية وطنية تماماً ويمكن القول بأنها متأثرة بحضارة بحر إيجه ولكنها سامية تماماً وذات طابع حضاري فلسطيني.
وبالإضافة لضعف أدلة علماء التوراة والآثار ومنطقهم، فإن النقطة الأساسية التي ترغمنا على إهمال الرأي بأن الفلسطينيين يمثلون شعباً غريباً، ما ذكره د. زياد منى، في تجاهل أهل الاختصاص لمسألة جوهرية تتعلق بتاريخ المنطقة، ألا وهي أن ما من شعب ينتمي لخارج بوتقة الإقليم الحضارية تمكن من فرض اسمه على منطقة أو إقليم. فالإغريق والرومان قاموا بتغيير أسماء بعض المدن والأقاليم في المشرق العربي، ومنها مدينة عمان التي أضحت فلادلفيا في عهد الرومان، لكن هذه المناطق سرعان ما استعادت أسماءها الأصلية بعد رحيل الغزاة. برأيي إن الحال نفسه ينطبق على فلسطين إذ أستبعد أن الاسم فلسطين يعود لشعب مجهول الهوية والأصول ، لم يترك لنا أي أثر عن نفسه أو ثقافته، حتى عبر طرف ثان.
ومن الجدير ذكره أيضاً أن الكثير من المدن قد استعمرت يوماً بواسطة الفينيقيين [كما أثبتنا في مؤلفاتنا: «موسي وفرعون في جزيرة العرب»، و«كنعان وملوك بني إسرائيل في جزيرة العرب»، و«عورة نوح ولعنة كنعان وتلفيق الأصول»، و«سلسلة التاريخ اليمني المجهول، الجزء الأول، اليمن الحضارة والإنسان ..... بحثاً عن الجذور»]، ضمن «الهجرات العربية» القديمة فيما قبل التاريخ التي «امتدت على أفريقية الشمالية والبلقان وإيطالية وأسبانية، وعرفت بأسماء موجات أقوام البحر المتوسط»، كما صرحت به المراجع الأثرية الحديثة. ومن المحتمل جداً أن بعضهم [الفينيقيين] بعد أن اتصلوا طويلاً بالقبائل اليونانية رجعوا ثانية شرقاً إلى موطنهم الأصلي فلسطين، فبغض النظر عن أسماء بلدانهم، فإنا نرى عدداً من أسماء أشخاصهم سامية / جزرية، ومنهم أبيمالك، دليلة، عبيد أيدوم ـ وربما أيضاً أشبي، صاف، جوليات، رفح.
ويظهر أن ديانتهم تطبق الأساليب السامية نفسها في تقديس معبودين اثنين ذكر وأنثى، فلداجون آلهة من الأسماك بجانبيه، والأسماء داجون وبلعزبوب آلهة كنعانية [فينيقية] أصلاً، ولا ينفي هذا كون الفلسطينيين لا يمارسون عمليات الختان، فربما أبطلوا إجراءها عندما هاجروا إلى كريت.
ومن الأمور الواجب أخذها بعين الاعتبار في هذا المقام أن المؤرخ هيرودوتس (484 ـ 425 ق.م) سجل في مؤلفه «مكتبة التاريخ»، قوله: «والفينيقيون كانوا يسكنون سابقاً سواحل بحر إريتريا ( البحر الأحمر ) كما يقولون هم أنفسهم، إذ اجتازوا من هناك إلى سواحل سورية فقطنوها. والقسم من سورية مع كل البلاد التي تمتد إلى تخوم مصر يسمى فلسطين».
ونتساءل ههنا ما الذي يجبرنا على أن نجعل من الفلسطينيين شعوباً مختلفة من الوجهة القومية عن شعوب المنطقة؟ فهل هم حقاً غرباء إلى هذا الحد؟ وهل هناك فرق صوتي بين «فينيقيين» و«فلسطينيين»؟ ألسنا هنا، أيضاً، الضحايا الراضين بأفكارنا المسبقة التوراتية؟
ويؤكد البحاثة الأثري الفرنسي هيلير دو بارانتون (Hilaire de Baranton) في كتابه
« الايتروسكيون في غربنا وفي أصولنا الفرنسية» (Les Etrusques en Notre Occident et nos Origines Francaises ) ما انتهينا إليه، قائلاً: إنَّ «الإيتروسكيين» هم فرع من الفينيقيين السوريين، وإن «الفلسطينيين» هو أحد أسمائهم، وأن معنى «الإيتروسك» في اللغة المصرية القديمة هو «بحارة النيل»، وأن معنى «الفلسطينيين» هو الجنود المحاربون. وزاد الباحث على ذلك فقال عن هؤلاء الفينيقيين السوريين إنهم يحملون أسماء كثيرة مختلفة، وذلك تبعاً لمهنهم أو لعقائدهم، ثم أخذ يعدد هذه الأسماء ومنها «الفلسطينيون» عملاً بمهنتهم الحربية.
وفي عام 1980، كتب باحثً آخر هو، مايكل غرانت (M. Grant) ، كتاباً عن الإيتروسكيين وكانوا عنده، في خلاصة القول، ينحدرون من أصل كنعاني [فينيقي].
لذلك ولكل ما مر بنا، فإني مضطر للاستنتاج مع العالم طمسن، بان «الأصول الأجنبية لفلسطينيي الحقبة الآشورية وأصولهم المزعومة من (كفتور/ كريت) مجرد خيال خلقته الروايات التوراتية».
بهذا نكون قد بيّنا وهن الأدلة التي وظفها أهل الاختصاص لتثبيت آرائهم بأن الفلسطينيين أقوام طارئة على فلسطين ضاربة بجذورها في بحر إيجة، أو جزيرة كريت أو أي موطن أخر بعيداً عن المشرق العربي، اللهم إلا لغرض مشبوه هو استبعاد الفلسطينيين من العناصر القاطنة بالمشرق العربي، وحسبانهم غرباء على فلسطين، لتسويغ اعتبار فلسطين سامية من الفرع العبراني؟!



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 62 / 2165891

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع نوافذ  متابعة نشاط الموقع أحمد الدبش   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

18 من الزوار الآن

2165891 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 18


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010