الجمعة 8 تموز (يوليو) 2016

عيدٌ... لا يحمل أيّ معنى للتفاؤل

الجمعة 8 تموز (يوليو) 2016 par راسم عبيدات

في كلّ عيد نحاول أن نجد فرصة للأمل والتفاؤل على صعيد وضعنا الفلسطيني والعربي، ولكن تلك الفرص تبدو صعبة المنال والتحقيق، ففلسطينياً عدا قضية الانقسام المدمّر التي غدت أسطوانة مشروخة تجري محاولة لعلاجها بالشخوص والأدوات والأساليب نفسها التي شاخت جميعها، فلا هي مقنعة ولا هي قادرة على أن تكون القدوة والنموذج، ولا هي بالأسلوب الأنجح. فالجماهير تدرك جيداً أنّ مَن يقسّم لا يوحّد، ولا بدّ من معالجات جادّة وحقيقية تتجاوز القائم والمألوف، حتى لا يصبح الانقسام كما هو الفالج لا علاج ولا شفاء منه، حيث أنه بعد الاتفاق التركي – الإسرائيلي وصلة ذلك بالقطاع يؤشر على انّ الانقسام سيتعمّق ويتكرّس والسماح لتركيا بتحويل الأموال الى بنوك غزة بدون السلطة الفلسطينية، ليس له سوى معنى ضرب المشروع الوطني وتشريع الانقسام.

أما على صعيد الأمن والأمان والسلم الأهلي، فنحن نشهد حالة غير مسبوقة من الفلتان والتهديد الجدي والخطير للحمة والوحدة والبنية المجتمعية، حيث الجهوية والعشائرية والقبلية تتسيّد وتتقدّم على أيّ انتماء آخر، وعمليات القتل والتعدّي على الكرامات وحقوق الناس وممارسة الزعرنة والبلطجة وأخذ القانون باليد من قبل عصابات وميليشيات مسلحة الخ… كلّ ذلك يحدث وأجهزة السلطة الأمنية وشرطتها تقول إنه لا مؤشر على وجود فلتان أمني؟ وكأنها تعيش على كوكب آخر، وتصدر البيانات والتحذيرات والتهديد والوعيد، فيما المواطن يعتقد أنها تأتي فقط للاستهلاك والاجترار المتكرّر غير المدعوم بالفعل على أرض الواقع وللتأكيد على الوجود والحضور، الضرب بيد من حديد على يد العابثين والخارجين عن القانون، كردّ فعل سرعان ما يتلاشى، والضرب بيد من حديد بحاجة الى جهاز قضائي فاعل ونزيه، وبحاجة الى عدم التدخل في عمل القضاء وعدم معالجة القضايا والملفات، بما فيها الجرائم الخطيرة بلغة «الطبطبة» والمحسوبيات والرشى والجهوية والعشائرية والقبلية بدلاً من تطبيق القانون والمساءلة والمحاسبة الرادعة.

وفي ظلّ هذه الحالة الفلسطينية الداخلية المنقسمة سياسياً والآخذة في التشظي مجتمعياً، نجد أنّ الاحتلال يشنّ حرباً شاملة على الشعب الفلسطيني، حيث نشهد حالة من العمى السياسي غير المسبوق للقيادات الفلسطينية. فالرهان على المبادرات والمؤتمرات الدولية التي لم تنتج شيئاً مفيداً للقضية الفلسطينية سوى تقارير للرباعية الدولية يهندس مخارجها نتنياهو وكيري، لكي تساوي بين الضحية والجلاد وأبعد من ذلك تطلب من الضحية أن يدين نضاله وكفاحه من اجل الحرية والاستقلال وأن يقدم اعتذاره لجلاده؟ هذا الجلاد الذي يمارس كلّ أشكال القمع والتنكيل والعقوبات الجماعية بحق الشعب الفلسطيني، ويمارس أيضاً أكثر من ذلك سياسة تطهير عرقي وتدمير أيّ فرصة للسلام من خلال التهويد والاستيطان «المتغول» و«المتوحش»، حيث الرباعية الدولية بتقريرها الأخير وفّرت له الذريعة والشرعية للقضاء على أيّ أمل بحلّ الدولتين. فها هو يحاصر الخليل ويعزلها عن العالم بعقوبات جماعية غير مسبوقة. حصار، هدم منازل، اعتقالات، سحب تصاريح، منع من الخروج والتنقل، إغلاق طرق ومداخل بلدات بالكامل، وحتى وصل الأمر لتعطيل شبكة الانترنت عن الخليل. وما ينطبق على الخليل ينطبق على بقية الوطن المحتل، حيث الاستباحة الإسرائيلية الشاملة. فالأقصى يشهد تهديدات خطيرة بالمسّ به عبر الاقتحامات المتكرّرة والمتصاعدة من قبل الجماعات والجمعيات الحاخامية والتوراتية والاستيطانية بمباركة المستوى السياسي، وبيوت الشهداء تدمَّر في مخيم قلنديا والخليل، وجثامين البعض منهم، والذات من القدس طال انتظارها أكثر من ثمانية شهور مضت على احتجازها في ثلاجات الموت، والاحتلال يماطل ويرفض التسليم ويتحدّث عن مقابر أرقام لدفنها.

أما على الصعيد العرب، فما زالت حروب التدمير الذاتي والحروب المذهبية والطائفية هي العنوان الأبرز، وكأن الدم العربي الذي يسفك في كلّ العواصم العربية، وما يجري من مشاريع تآمرية لتفكيك الجغرافيا العربية وإعادة تركيبها على تخوم الطائفية والمذهبية، وخلق كيانات اجتماعية هزيلة ودويلات فاشلة، غير مالكة إرادتها وقرارها السياسي، وغير مسيطرة على خيراتها وثرواتها، ليست كافية للبعض من العرب الذين وقفوا الى جانب تلك المشاريع والعصابات، حيث دعموا مالياً وعسكرياً وبشرياً وسياسياً وإعلامياً، ووفروا البيئة الحاضنة لتلك الجماعات الإرهابية من «القاعدة» ومتفرّعاتها من «داعش» و«النصرة» وغيرها من الألوية والتشكيلات الإرهابية، من أجل تنفيذ تلك المشاريع، حتى يعيدوا النظر في مواقفهم وسياساتهم المدمّرة، وهم يرون تلك الجماعات الإرهابية والتكفيرية التي احتضنوها ودافعوا عنها كجماعات مطالبة بـ «الحرية» و«الديمقراطية» و «الإصلاح» و «التغيير»، تمارس كلّ أشكال الإرهاب والقتل والتدمير والتهجير بطرق همجية ووحشية، دون أيّ اعتبار او قيمة للإنسان.

هذه العصابات والجماعات التي تمارس الإرهاب من قتل وتدمير ونهب وسرقات، يعلم التاريخ جيداً بأنها سرعان ما تخرج عن طوع مشغليها وترتدّ عليهم، على مَن احتضنوها ووفروا لها البيئة والدعم بكلّ أشكاله، وهم باتوا يشعرون بأنّ هذا خطر جديّ على عروشهم وبلدانهم، والبعض منهم كما هو الحال في تركيا بالتحديد بدأ في الاستدارة وتغيير الموقف، بعد أن ضرب الإرهاب ضربته الموجعة في مطار اسطنبول، واعتقد أنه بعد الضربات في المدينة المنورة، ربما يستفيق البعض هناك، لكي يراجع مواقفه وسياساته. يستفيق ويقتنع بما قاله السيد حسن نصرالله، بأنّ الأموال التي أنفقت على الحروب في سورية واليمن، لو أنفقت على فلسطين لتحرّرت عشر مرات، وأنا أقول لو أنها أنفقت على التنمية ومعالجة الفقر والبطالة والتخلف لأنتجت دولاً عربية في مصاف الدول الكبرى.

ما دامت التشظية والفرقة وتساوق البعض ومشاركته في تنفيذ المشاريع المعادية هي السائدة والعنوان، سنبقى نمارس القتل والتدمير بحق شعوبنا وأنفسنا، ونقدّم الخدمات المجانية لأميركا وقوى الاستعمار الغربي و«إسرائيل»، لكي تواصل احتلال بلداننا ونهب خيراتها وثرواتها واحتجاز تطورها لعشرات السنين المقبلة، والأخطر من ذلك تفكيك البنى المجتمعية عبر ثارات مستديمة بين مكوناتها ومركباتها الأثنية والمذهبية يصعب دملها ومعالجتها لعشرات السنين.

علينا كعرب وفلسطينيين أن نغادر لغة الندب والبكاء، والاستجداء و«التسوّل» على عتبات البيت الأبيض والمؤسسات الدولية، واستدخال ثقافة ونهج الهزيمة و«الاستنعاج»، وعلينا أن نكف عن «الارتعاش» السياسي المستديم في التعامل مع الغرب الاستعماري وأميركا، فلدينا من الإمكانيات والطاقات والقوة، إذا ما توحّدنا وامتلكنا إرادتنا وقرارنا السياسي، سنصبح جزءاً مهماً من المعادلات الإقليمية والدولية، وحينها سنكون قادرين على استعادة وتحرير اوطاننا وصنع غد مشرق لشعوبنا التي عانت طويلاً من ويلات الجوع والفقر والبطالة والتخلف واستلاب الحقوق والحريات.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 15 / 2166088

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقلام الموقف  متابعة نشاط الموقع راسم عبيدات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

16 من الزوار الآن

2166088 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 16


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010