الجمعة 13 أيار (مايو) 2016

قراءة نقدية لإعلان “الجبهة الشعبية العربية”

الجمعة 13 أيار (مايو) 2016 par د. فايز رشيد

خطوة إيجابية ومهمة, أن تتداعى الأحزاب اليسارية والقومية, والشخصيات التقدمية المستقلة العربية, لتشكيل الجبهة الشعبية التقدمية العربية, التي تكرر تجربة الجبهة العربية المساندة للثورة الفلسطينية بزعامة قامة وطنية كبيرة هي كمال جنبلاط. هذه الجبهة, التي لم يُقدّر لها الاستمرارية بكل أسف!. اليوم تتكرر التجربة, التي نتمنى لها النجاح بامتياز, في محاولة زحزحة التأييد والمساندة للقضية الفلسطينية أماما, وعموم القضايا الوطنية العربية, باتجاه المسار الوطني السليم والصحيح عموما, في مجابهة الأخطار المحدقة ليس بالقضية الفلسطينية فحسب, وقد أصبحت تحتل موقعا ثانويا في سُلّم أولويات, ليس معظم النظام الرسمي العربي فحسب, وإنما اهتمامات جزء كبير من الجماهير العربية المعذورة بالطبع, بسبب صراعاتها المذهبية, الطائفية والإثنية لصالح تنحي الصراع جانبا مع العدو الصهيوني. يكفي إيراد: أن استنتاجات مؤتمر الأمن القومي الإسرائيلي, الذي انعقد في الكيان منذ ما يزيد عن الشهرين, استبعد أي خطر فلسطيني أو عربي على مستقبل الكيان(على الأقل في توقعات أخطار العام 2016), كما وصل الأمر إلى الحد, الذي دعا فيه المؤتمر إلى قيام تحالف استراتيجي إسرائيلي – بعض عربي لمواجهة التحديات في المنطقة.
إنها لوحة سريالية عربية, لو قصد بيكاسو رسمها, تصويرا للحالة العربية الأسوأ, لما قاربت سوء الوضع العربي الحالي. النقطة الأخرى: أن من الوهم الاعتقاد بأن الخطر الصهيوني مقتصر على الفلسطينيين فحسب! إنه الخطر الذي يستهدف الأمة العربية بأكملها لتفريقها وتفتيتها, استجابة لمؤامرة امتدت منذ أواخر القرن التاسع عشر, مرورا بمؤتمر كامبل – بنرمان منذ عامي 1905 – 1907 ومؤتمر سايكس بيكو ووعد بلفور, وصولا إلى مخطط برنارد لويس لتفتيت الدولة العربية الواحدة. لذا فالعربي عندما يناضل من أجل فلسطين, هو في ذات الوقت يدافع عن بلده, بعد أن وصل الشطط للأسف عربيا إلى شيطنة الفلسطيني!. القضية الثالثة تتلخص في أن وجود الكيان في المنطقة, وتحالفه الاستراتيحي مع أسياده هو سبب البلاء الرئيس في المنطقة العربية, مع العلم أن باقي الإشكاليات الأخرى,هي تعبير مساعد ودائم لهذا الوجود.
مهمة بهذا الحجم! تقتضي جهود كل الوطنيين العرب بأحزابهم وقواهم الديموقراطية, شريطة الاتفاق على القاسم المشترك العام لتشخيص الوضع العربي, ووضع الأسس الكفيلة بتجاوزه التدريجي في خطة عملية قابلة للتنفيذ واقعا على الأرض! بعيدا عن الشعاراتية الكبيرة ,التي تحتاج إلى عقود بل قرون لتحقيقها استراتيجيا, بعيدة عن الاكتفاء فقط بتكرار بيانات الشجب والاستنكار والإدانات فقط للعدو, التي ملّها المواطن العربي من المحيط إلى الخليج. ولان مهمة الكاتب في الأساس هي: النقد الهادف إلى ما هو أفضل… وليس كيل المديح لما هو قائم, فإن النضال ضد الكيان وأعوانه في المنطقة, هو واجب على كل عربي بمن فيهم الفلسطيني, وليس منّة! لأن الدفاع عن فلسطين , هو دفاع أيضا عن الذات العربية! ولان العدوان الصهيوني سيطال كل الأقطار العربية, إن لم يتم حصره على طريق اجتثاثه النهائي من الأرض العربية, كما يجري اجتثاث ورم سرطاني خبيث من الجسم الإنساني لإبرائه! تراني أنشّد إلى إبداء بعض الملاحظات على هذا المؤتمر:
اولا, نرجو أن يكون مؤتمر بيروت في 13 -14 مايو الحالي, قد غادر آليات وأساليب العمل التقليدية الرتيبة, التي تنتهي بانتهاء أعمال المؤتمر: بيانات دعم للشعب الفلسطيني, يقابلها إدانات للكيان الصهيوني.هذه التي لو جمعناها كصفوف متراصّة عرضا وطولا ,لما وسعتها كل خزائن العالم! لقد أدانت الأمم المتحدة مئات المرات الكيان الصهيوني! ماذا كانت النتيجة؟ أنتم تعرفون الجواب!.
ثانيا, تقول الفلسفة جملة في غاية الدقة والتعبير:” إن خطوة عملية واحدة… تبقى أهم من دستة نظريات”!. كنا نتمنى لو أن الجبهة الشعبية العربية قد رسمت في اجتماعها التونسي السابق, خطة عمل في ذكرى إنشاء الكيان الصهيوني الـ 68 ! نشاطات تأتي في نطاق القدرة التنفيذية حاليا: محاضرات تثقيفية عن العدو الصهيوني, لقاءات أحزاب ومنظمات وتجمعات من أجل فلسطين ومساندة انتفاضتها, وقفات تضامنية مع الحقوق الفلسطينية وفلسطين والقضايا الوطنية العربية, االقيام بشروح مبسطة لطلبة المدارس ( ولو خارج إطار الدوام)عن القضية الفلسطينية. كنا نتمنى لو جرى تحديد هذه النشاطات قبل شهر من الذكرى ,لا أن تترك القضية لما بعد المؤتمر العتيد في بيروت, فالوقت كالسيف إن لم تقطعه, يقطع صاحبه. مهمات سهلة بسيطة وجماهيرية لا نخبوية !.
ثالثا, نقترح: تخصيص يوم للانتفاضة والقضايا الوطنية العربية في كل شهر, لدعمها بكل الوسائل… ندوات في المدن العربية وفي القرى أيضا, لتعريف الجماهير البسيطة العادية بقضيتين:عدالة القضية الفلسطينية, وخطر المشروع الصهيوني على الأمة العربية. القيام بنشاطات تضامنية, مسيرات سلمية,مهرجانات , ندوات استراتيجية ,مقالات في الصحف .. وغيرها من تلك التي, تحددها قوى الجبهة الشعبية العربية … يقابلها وقفات سلمية احتجاجية, حيث تتواجد ممثليات صهيونية, إضافة إلى المطالبة الدائمة للحكومات العربية المعنية, بإغلاق السفارات والممثليات التجارية/السياسية الصهيونية ( التي هي اوكار للتآمر والتجسس على البلد العربي المعني) في العواصم العربية ذات العلاقة. بدء حملة في كل بلد عربي لجمع مليون توقيع إدانة للكيان الصهيوني, ومن ثم جمعها من الاقطار العربية, ليتم تسليمها إلى السكرتير العام للأمم المتحدة. رفع قضايا على الكيان من الحقوقيين العرب في المحاكم الدولية والدولية.. يكفي أن نقول على هذا الصعيد:إصدار القضاء الجنوب أفريقي والإسباني مذكرات اعتقال بحق عدد من القادة العسكريين الصهيونيين, إذا ما دخلوا هذين البلدين. وكذلك تعزيز حملات مقاطعة الكيان من خلال برنامج متحرك يرسم بدقة, وتشرف عليه لجنة متخصصة بالمقاطعة,إضافة إلى تشكيل لجان: تثقيفية,إعلامية, مالية, دراسات استراتيجية. ثم الوقفة في بداية كل مؤتمر دوري للجبهة العتيدة أمام ثغراتها في الفترة ما قبل المؤتمر, على قاعدة ما جرى التقصير في إنجازه للفترة المحددة. عدم اقتصار الحضور على النخب السياسية فقط ( والتي تعتبر صنوا للمعرفة وتشكل آباء لها!) بل هناك نخب وطنية استراتيجية عربية يجري الاستنارة في آرائها في محافل كثيرة بما فيها دولية.
رابعا, تحقيق الدعم المالي للانتفاضة والمحافظة على عروبة القدس.ولأذكر تجربة في طفولة جيلنا في أواسط الخميسنيات: استطاعت جبهة التحرير الوطني الجزائرية الوصول حتى إلى الضفة الغربية. وكانت قد رفعت شعارا” ادفع قرشا تقتل جنديا فرنسيا محتلا”. كنا كطلاب مدرسة ابتدائية في قلقيلية وغيرها .. ندفع المصروف اليومي.. كان قرشا واحدا لا غير, لنصرة الجزائر! كان نشيدنا الصباحي قبل الدخول إلى الصفوف: قسما بالنازلات الماحقات, والدماء الزاكيات الطاهرات… وعقدنا العزم ان تحيا الجزائر, فاشهدوا! ألا يمكن تنظيم حملات مشابهة لدعم القضية الفلسطينية؟ للعلم, لعبت هذه القضية دورا رئيسيا في تشكيل وعي جيل بأكمله على العداء للكيان الصهيوني من جهة, وتعميق الانتماء العروبي من جهة اخرى.
خامسا: نذكّر المشرفين على المؤتمر: بأهمية الديموقراطية, ومقولة فولتير “أدفع حياتي ثمنا لأجل أن تقول رأيك”.
لا ولن يوجد أحد/ ظاهرة فوق النقد! كل إنسان يعمل, يخطىء. من لا يخطئون هم من لا يعملون.
يبقى القول: أنه في الوقائع العظيمة ومثلما يقول سبينوزا, لا ينبغي للإنسان أن يضحك أو يبك, ولكن عليه أن يفكّر. وليس أدّل وأعظم من الوقائع التي تجري في فلسطين حاليا وفي أكثر من دولة عربية, والتي هي بمثابة مصائب, من حيث الخطر على البنية السياسية لهذه البلدان، والمترجمة في صراعات, والتي تحولت إلى اقتتال داخلي وصولاً إلى الحروب الأهلية داخل هذه الدولة أو تلك. ندرك تماما أن كل نقد يثير صخبا ويلاقي امتعاضا من المعنيين به, لكنه النقد الهادف, الذي هو بعيد عن نقد برنشتين الانتهازي للحركة الاشتراكية الديموقراطية الألمانية, وبعيدا عن نقد ميليران للتجربة الأخرى الفرنسية. إنه النقد الذي يخضع لفهم فلسفي عقلاني وفقا لسقراط وأرسطو وفيما بعد ديكارت وغيرهم. إنه نقد المعيار العقلي في الظواهر, المحتوي أيضا على ملامح اعتبارية للمذهب الكانطي المعتمد على قاعدة: أن بوسع النقدية أن تُفضي إلى معرفة الأشياء التي تتبدى لنا..فالظواهر تُعرف من تلك الأشياء لا من حقيقتها.. فهي مثالية, لكنها كامنة وليست متعالية, وهي تطورت معتمدة على نظرية نقد العقل العملي ونظرته للقانون الأخلاقي..وهذا النقد العقلي, لا يكون موضوعيا ما لم يكن حرا وصادرا عن إرادة مستقلة, وليس خاضعا لحسابات وعوامل خارجية.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 16 / 2165611

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع فايز رشيد   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

16 من الزوار الآن

2165611 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 15


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010