الجمعة 6 أيار (مايو) 2016

الجولان السوري المحتل والأطماع “الإسرائيلية”

الجمعة 6 أيار (مايو) 2016 par علي بدوان

التصعيد “الإسرائيلي” الأخير بعقد جلسة مجلس الوزراء “الإسرائيلي” في الجولان السوري المحتل، ولأول مرة منذ احتلاله، استغلال “إسرائيلي” صهيوني فظ ووقح للأزمة الداخلية السورية، ولدماء السوريين وآلامهم، ومعاناتهم، ومحنتهم الراهنة، ومحاولة لركوب موجة الأصوات الداعية لتقسيم سوريا، واقتسامها، وتفتيتها، من قبل بعض الأطراف الإقليمية والدولية، وكأن الشعب السوري بات يتيمًا، وقاصرًا، بلا قرار ولا قاع، والأرض السورية مُستباحة بلا أصحاب وبلا هوية.
السلوك “الإسرائيلي” الأخير بعقد جلسة مجلس الوزراء فوق أرض الجولان السوري المحتل، خطوة خطيرة تحمل في فحواها عدة مؤشراتٍ قاطعة بشأن الموقف “الإسرائيلي” من مصير الجولان المحتل ورفض إعادتها لسوريا الأم في أي عملية سياسية تفاوضية مهما كان الثمن، في ظل الموقف المُعلن منذ العام 1981 عندما أصدرت حكومة مناحيم بيجن في حينها قرارًا بضم الهضبة السورية، وقد أدان ورفض مجلس الأمن الدولي تلك الخطوة في حينها وأعاد التأكيد على رفضه لها أكثر من مرة.
وجاءت تصريحات نتنياهو بعد الاجتماع المُعلن لمجلس الوزراء في الجولان، لتزيد من وقاحة وفجاجة الموقف “الإسرائيلي”. فنتنياهو أعلن بأنه “اختار أن يُقيم الجلسة بمناسبة عام على تشكيل الحكومة في الجولان لتأكيد أن إسرائيل لن تنسحب منه إلى الأبد، وأن هضبة الجولان ستبقى تحت السيادة الإسرائيلية”. مضيفًا “أن الوقت قد حان لأن يعرف المجتمع الدولي أنه بغض النظر عن ما يحدث في سوريا، ستبقى الحدود على ما هي، وأنه بعد خمسين سنة يجب أن يقبل المجتمع الدولي أن تبقى إسرائيل صاحبة السيادة على هضبة الجولان”.
إن الرؤية الاستراتيجية “الإسرائيلية” تنطلق في تقدير أهمية الجولان السوري المحتل من عدة منطلقات، تدفع نحو السعي المحموم للاحتفاظ بأجزاء منه في سياق أي عملية سياسية تفاوضية، تطبيقًا للفلسفة الصهيونية القائمة على التوسع في الأرض العربية، والاحتفاظ بأجزاء منها، وكونها منطقة مشبعة بالمياه وكافية للتوسع الاقتصادي، وشمولها جميع المناطق التي قد تشكل مصدر متاعب في المستقبل.
فالجولان بالعرف السياسي والاستراتيجي والاقتصادي “الإسرائيلي” يختلف في أهميته عن صحراء سيناء المصرية. والأهمية الاستراتيجية للجولان يُعَبّر عنها “إسرائيليًّا” من خلال ثلاثة مجالات أساسية:
أولًا في المجال الدفاعي: حيث تُمثّل الجولان بموقعها الجغرافي مجالا دفاعيا، وجدارا استناديا، عن غور الأردن، والجليل الشرقي وإصبع الجليل، وجميع أنحاء المناطق الشمالية لفلسطين المحتلة عام 1948. فضلًا عن إشرافها على سهل الحولة الذي يُعتبر سلة الغذاء. وإطلال الجولان على بحيرة طبريا عند أقدامها الغربية والجنوبية بحافات قاسية شديدة الانحدار ترتفع بين 250 – 500 متر. وبالتالي فإن المعالم الحيوية الطبوغرافية للجولان جعلت منه حصنًا عسكريًّا ومفتاحًا للسيطرة على شمال فلسطين، فضلًا عن أن التواجد العسكري “الإسرائيلي” في الجولان يُهدد من الوجهة “الإسرائيلية” المرافق الحيوية السورية، ويؤمّن دفاعات “إسرائيلية” مستقرة ومرنة أمام أي احتمال لاندفاعات عسكرية سورية نحو شمال فلسطين.
إضافة عن كون الهضبة مزرعة اقتصادية واسعة المساحة نسبيًّا، وخزانًا وافرًا للمياه وعقدة مواصلات تتحكم بمنافذ المنطقة التي تتاخمها منذ أقدم العصور الغابرة حتى الوقت الراهن لذلك مثلت هذه المنطقة إغراء شديدًا للغزاة وشدت أنظارهم إليها.
ثانيًا في مجال الردع: حيث يُشكّل تواجد “الجيش الإسرائيلي” فوق أراضي الجولان، وبفعل ميزاتها الطبوغرافية ووجود التلال والمرتفعات المتناثرة على امتداد خارطة الجولان أهمية ردع كبيرة ضد أي تحرك سوري عسكري، ومنطقة رصد على امتداد الأفق لمساحات جغرافية واسعة تتعدى جنوب شرق سوريا، وتشكيل تهديد للعاصمة السورية التي لا تبعد أكثر من 60 كيلومترًا عن حدود الجولان. ومن “الوجهة الإسرائيلية” فإن سيطرة “الجيش الإسرائيلي” على الجولان تجعله في توازن قوى تكتيكي واستراتيجي مع الجيش العربي السوري. وفي الجانب التكتيكي فإن الموضوع يعود إلى التركيبة الطبوغرافية للهضبة مما يجعلها “حدودا آمنة”، ففي الجنوب من الهضبة يعتبر نهر اليرموك عقبة طبيعية يصعب على المدرعات والدبابات اجتيازها، ولا حتى قوات المشاة، وفي الشمال والشرق هناك سلسلة من المرتفعات تمتد من تل الساقي في الجنوب الشرقي حتى جبل الشيخ في الشمال، وكلها موانع طبيعية تلعب دور جدران استنادية ودشم طبيعية من “الوجهة الإسرائيلية”.
كما أن قمم ومرتفعات الجولان توفر مساحة رؤية نحو بادية الشام وجبل العرب وسهول حوران واللجاه وغوطة دمشق، كما نحو فلسطين وشرق الأردن وحتى جبال عجلون، وبحيرة طبريا والحولة وجبال الجليل والكرمل، ويرى من قمة جبل حرمون/المرتفع 2814/البحر الأبيض المتوسط من رأس الكرمل حتى مدينة صور، كما جبل الجرمق في الجليل في فلسطين والباروك في لبنان.
ثالثًا تعتبر الهضبة من الوجهة الإسرائيلية ثروة زراعية، سياحية فارغة السكان تقريبًا بعد عملية الترحيل العرقي الصهيوني لسكانها عام 1967 وتمتلك أراضي زراعية خصبة، وتضم في ثناياها السطحية مساحة 280 كيلومترا مربعا من الغابات الطبيعية بتربتها الكستناوية الحمراء الغامقة الغنية بأكاسيد الحديد. وعليه ومن الوجهة الصهيونية يمكن استيطانها بأكثر من نصف مليون مستعمر يهودي وزيادة هذا العدد مع مرور الوقت مع استمرار تدفق اليهود القادمين بغرض الاستيطان الاستعماري إلى فلسطين المحتلة.
وتضم أراضي الجولان العديد من المواقع السياحية والأثرية التاريخية التي تعود إلى العصور المختلفة في بلدة الحمة ومنخفض البطيحة، وفي مناطق مختلفة منها، مثل قلعة النمرود (قلعة الصبيبة) المقامة على صهوة جبل دان/ من تلال جبل الشيخ، شرق بأناس والمطلة على مناطق الجليل الفلسطيني، مع وجود واجهات أثرية تعود للعهد الروماني في المنطقة ذاتها، وكنيسة دير بانياس، والتمثال البرونزي لأميرة الجولان من العهد الميلادي الأول، وكنز بانياس الذهبي الذي يعود إلى العهد الروماني والموجود في المتحف الوطني بدمشق، وحمامات أثرية في خربة نعران تعود للعهد البيزنطي، إضافة إلى كونها ثروة سياسية للمفاوضات مع سوريا، وابتزاز لدمشق من أجل فرض الحلول عليها من “الوجهة الإسرائيلية”. فضلًا عن تواتر الحديث عن اكتشاف النفط على أرض الهضبة في موقع “زفيتان”.
رابعًا يُعتبر الجولان من الوجهة “الإسرائيلية” ثروة مائية، حيث يتميز بخصائص مناخية تشبه المناطق الساحلية من حيث المنسوب السنوي لمياه الأمطار، التي تبلغ معدل 800 ملم على المتوسط في العام الواحد. وتنبع منه أنهار الدان والحاصباني والوزاني واليرموك…
ينتسب الجولان، وهضبة جبل العرب وهضبة حوران إلى حوض هيدرولوجي واحد. وتعتبر أمطار الجولان غزيرة وتزيد عن 800 مم في السنة، وعدد الأيام الممطرة 68 يومًا على المتوسط في العام الواحد، وتتمتع الهضبة بهطولات مطرية تقدر 1,2 مليار متر مكعب سنويًّا، عدا ما يسقط منها على جبل الشيخ (لاحظ للمقارنة: تتمتع فلسطين الكاملة بهطولات مطرية سنوية لا تتجاوز 6 مليارات متر مكعب سنويًّا)، والهضبة تعادل مساحتها 1% من مساحة سوريا الإجمالية، وتتمتع بمردود مائي يعادل 3% من المياه التي تسقط فوق سوريا، و14% من المخزون المائي السوري. ومع ذلك لا يعثر فوق الهضبة على أنهار دائمة، وذلك بسبب شدة الانحدار العام للهضبة نحو الغرب الأمر الذي يؤدي إلى صرف مياه الأمطار والسيول بسرعة نحو انهدام نهر الأردن الذي يلعب دور مصرف لمياه الجولان السطحية والجوفية. ويعتبر الجولان من المناطق الغنية بالمياه الجوفية، إذ تحتوي المنطقة على احتياطي كبير، فتكثر الينابيع الدائمة وتكثر الوديان التي تمتاز بشدة انحدارها نحو نهر الأردن.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 23 / 2165410

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع علي بدوان   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

13 من الزوار الآن

2165410 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 13


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010