السبت 30 نيسان (أبريل) 2016

عمال فلسطين

السبت 30 نيسان (أبريل) 2016 par برهوم جرايسي

الظروف العُمّالية والاقتصادية الاجتماعية التي يعيشها العُمّال الفلسطينيون في وطنهم، هي استثنائية. لأنه يضاف لأسبابها التي تجدها في كافة أنحاء العالم، سبب أساسي: الفكر الصهيوني العنصري، الذي يسعى لإبقاء شعب بأكمله ضعيفا اقتصاديا واجتماعيا يلهث وراء قوت يومه. فالاستعمار الصهيوني أيضا هو استعمار اقتصادي بالأساس، يتغطى بديباجات “قومية” ودينية مزعومة. وسلاح القوة الاقتصادية الذي يستخدمه، هو السلاح الأخطر، يضرب به كل مقومات الحياة الطبيعية المستقلة لشعب بأكمله، وهذه حقائق تدعمها الأرقام.
فمنذ بدايات الزحف الصهيوني إلى فلسطين في منتصف القرن التاسع عشر، كانت واضحة معالم الاستعمار الاقتصادي، بدءا من الاستيلاء على الأرض، وإنشاء مؤسسات اقتصادية، منذ الفترة العثمانية في فلسطين. وهذا تعزز إبان “الانتداب البريطاني”، وصولا إلى النكبة، التي خلالها وبعدها تغيرت كل أساليب الاستعمار في الاستيلاء على مُقدّرات الشعب، وأولها الأرض؛ لتفقد الغالبية الساحقة جدا من المزارعين أصحاب الأراضي مصدر رزقها، أو تقليصه إلى درجة لا تسمح بإعالة العائل؛ فتحول هؤلاء المزارعون إلى عمال لدى المستوطنين، والاقتصاد الإسرائيلي العام، بأجور بخسة، بينما الغالبية الساحقة من النساء، اللواتي كنّ عاملات أساسيات في اقتصاد العائلة (الزراعة) تحوّلن قسرا إلى محرومات من العمل، وبقين ربات بيوت، ما ضرب أكثر مداخيل العائلة، ليصبح شعب بأسره يعيش في فقر مدقع.
والاستراتيجية الصهيونية لإفقار الشعب الفلسطيني وضرب بنيته الاجتماعية، تكشفت أكثر من خلال السياسات المنتهجة على مدى سبعة عقود، ومن نتائجها في الوقت الراهن، أن نسبة البطالة بين فلسطينيي 48، تتراوح ما بين 5 إلى 6 أضعاف البطالة بين اليهود. فنسبة البطالة بين اليهود لا تتعدى 3.8 %، بينما لدى فلسطينيي 48 تتراوح ما بين 20 % و23 %، ويبقى هذا أفضل من حال الضفة والقطاع، فهناك أشكال الحصار الاقتصادي تختلف، والبؤس أشد قسوة.
كذلك فإن فلسطينيات 48 محرومات من فرص العمل، فنسبة مشاركتهن في سوق العمل تصل إلى 33 %، رغم أن الفلسطينيات يُشكلن أكثر من 50 % من إجمالي الطلبة العرب في معاهد الدراسات العليا في الداخل والخارج معا. وفي حين تزعم المؤسسة الاسرائيلية الحاكمة أن التقاليد العربية تمنع مشاركة النساء في العمل، وهي فرية عنصرية صهيونية استعلائية لتبرير الجريمة، فإن نحو 30 % من النساء العربيات الحاصلات على شهادات دراسات عليا وشهادات مهنية محرومات من العمل. كما أن 50 % من العاملات الحاصلات على الشهادات العليا يعملن في وظائف أقل من مستوى تحصيلهن.
والعامل والموظف الفلسطينيان هما آخر من يدخل إلى مكان العمل، وأول من يتم فصله. ووفق الإحصاءات الإسرائيلية الرسمية، فإن معدل أجور العرب يساوي 67 % من معدل الأجور العام، بينما معدل أجور اليهود يصل إلى 124 % من معدل الأجور العام. ونسبة عالية جدا من العمال العرب يعملون من دون ضمانات اجتماعية، تضمن لهم راتبا تقاعديا ملائما في مرحلة الشيخوخة.
والوضع أشد بؤسا في الضفة وقطاع غزة المحتلين، فنسب البطالة الفعلية من أعلى النسب العالمية. فبعد ضم العاملين في أماكن عمل عابرة وغير ثابتة، أو أولئك الذين يعملون بأجور متدنية (رواتب جوع)، إن كان في القطاع الخاص أو في مؤسسات السلطة الفلسطينية التي تسعى إلى استيعاب أعداد أكبر من أجل ضمان حد أدنى من المداخيل للعائلة، فبالإمكان القول، إن الغالبية الساحقة من العاملين في المناطق المحتلة منذ العام 1967، هم في عداد العاطلين عن العمل، أو عاملين جزئيا.
هذا كله نابع بالأساس من الاحتلال والفكر الصهيوني العنصري، الذي بعد فشله في اقتلاع كامل الشعب من وطنه، سعى إلى جعله شعبا ضعيفا يلهث وراء قوت يومه، بوهم شل حركته من أن يقاوم ويقتلع الاحتلال في ذات يوم قريب. فالاحتلال الصهيوني لا يمكن أن يكون استثنائيا في التاريخ، الذي أكد على مر العصور أن كل احتلال زائل. ورغم سوداوية المرحلة، فإن قادة الاحتلال يعرفون حقيقة مصيرهم؛ وتطرفهم المتصاعد ما هو إلا محاولة لدحر مصير الاحتلال الحتمي، وهذا أيضا لن يجدي.
اليوم وغدا نحتفي في فلسطين بالأول من أيار، يوم العمال العالمي، والشعارات السياسية الوطنية تكون في المقدمة، لأن الاحتلال وعنصريته هما أساس البؤس في وطننا



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 33 / 2165599

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع برهوم جرايسي   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

16 من الزوار الآن

2165599 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 16


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010