الأربعاء 25 آب (أغسطس) 2010

دعوة لتوريط مبارك

الأربعاء 25 آب (أغسطس) 2010 par فهمي هويدي

أفهم أن يوجه أوباما الدعوة إلى مبارك للمشاركة في إطلاق المفاوضات المباشرة في واشنطن بين «الإسرائيليين» و«الفلسطينيين». لكنني لم أفهم لماذا يستجيب الرئيس المصري لندائه، واستغرب جداً حفاوة الإعلام الرسمي في مصر بتلك الدعوة المريبة، فالرئيس الأمريكي هو الذي قرر عقد الاجتماع وإجراء المفاوضات المباشرة، استجابة لطلب نتنياهو. وهو يريد أن يحقق إنجازاً يعزز به موقفه في انتخابات التجديد النصفي للكونجرس في أوائل نوفمبر المقبل. ويريد في الوقت ذاته أن يكسب إلى صفه اللوبي الصهيوني في بلاده، ويريد أن يهدئ الموقف على الجبهة الفلسطينية بأي وسيلة، لينصرف إلى التعامل مع إيران. وإلى جانب هذا كله وذاك فهو يريد من الرئيس المصري ومعه العاهل الأردني أن يستخدما ثقلهما في الضغط على الفلسطينيين، خصوصاً أنهما لعبا دورهما في ترتيب المفاوضات المباشرة.

الخلاصة أن الرئيس الأمريكي له حساباته التي تصب كلها في مصلحة «إسرائيل». وكما أن واشنطن كان لها دورها من خلال أصدقائها «المعتدلين» في توفير الغطاء العربي للتراجعات الفلسطينية المختلفة في الآونة الأخيرة، فإنها حرصت على أن يتوفر ذات الغطاء للمفاوضات المباشرة.

لأن الأمر كذلك فأزعم أن ذهاب الرئيس مبارك إلى واشنطن للاشتراك في إطلاق المفاوضات يمثل مغامرة كبرى. فالشكوك في جدواها أكيدة. وثمة إجماع على ذلك بين أغلب المعلقين والمحللين. وقد عبر عن ذلك السيد عمرو موسى الأمين العام للجامعة العربية، الذي قال في تصريح لـ «الأهرام» نشر في 23/8 إن نتنياهو وضع أمام المفاوضات شروطاً مستحيلة. وهو الذي طالب الفلسطينيين بعدم الحديث عن أي مطالبات، حتى إذا كانت تمثل استحقاقات تم الاتفاق عليها في مرات سابقة (خريطة الطريق مثلاً). وهو ما إن اطمأن إلى رضوخ العرب والفلسطينيين ومشاركتهم في المفاوضات حتى تحدث عن ضرورة الاعتراف بيهودية الدولة وعن دولة فلسطينية مجردة من السلاح. وعن متطلبات ما سماه أمن «إسرائيل». وتمسكت مصادره باستئناف المشروعات الاستيطانية علناً بعد 26 سبتمبر المقبل.

إن مختلف الدلائل تشير إلى أن نتنياهو سيذهب إلى واشنطن لكي يفرض شروطه، بعدما استطاع أن يملي على الجميع ما يريد. وهو مطمئن إلى مساندة الرئيس أوباما والكونجرس الأمريكى له. وهو مدرك أيضاً أن أوباما ليس على استعداد لإغضاب «إسرائيل» حتى لا يعود عليه ذلك بالخسارة في الداخل.

الملاحظة الجديرة بالاهتمام في هذا الصدد أن الضغوط الأمريكية و«الإسرائيلية» نجحت في تعديل موقف الرباعية الدولية، ورجوعها عن بيان سابق تحدثت فيه عن وقف الاستيطان والعودة إلى ما قبل حدود عام 1967. وهو البيان الذي رفضته «إسرائيل» بشدة. مما دفع الرباعية إلى إصدار بيان جديد في 20/8 خلا من الإشارة إلى وقف الاستيطان. ودعا بالمقابل إلى الامتناع عن أي «أعمال استفزازية» من «الطرفين»، (تلاعبوا بالكلمات وضحكوا علينا) وكانت تلك إشارة خضراء لاستئناف المشروعات الاستيطانية دون اعتبار للتهديدات الفلسطينية بالانسحاب من المفاوضات إذا تم ذلك. كذلك خلا البيان أيضاً من الإشارة إلى مطالبة انسحاب «إسرائيل» وراء حدود عام 1967، باختصار فإن بيان الرباعية أعيدت صياغته في نيويورك لكى يستجيب للمطالب «الإسرائيلية»، وهو ما يشي بما يمكن أن تمضي فيه المفاوضات المباشرة، التي تعد «إسرائيل» الطرف الأقوى فيها بامتياز.

المدهش أن جريدة «الأهرام» التي رحبت بالدعوة المريبة نشرت يوم الأحد الماضي 22/8 أن الشكوك تخيم على قدرة واشنطن على حل القضية، كما أن إجماعاً بين المتابعين على أن الفشل الذي منيت به جهود المبعوث الأمريكي جورج ميتشيل في مسعاه لتقريب وجهات النظر في المفاوضات غير المباشرة، سيظل مخيماً على جلسات الحوار في المفاوضات المباشرة.

إذا كان التشاؤم ظاهراً إلى ذلك الحد، فلماذا يغامر الرئيس مبارك بحضور إطلاق مفاوضات للنجاح فيها معنى واحد في نظر الإدارة الأمريكية هو تغليب وجهة النظر «الإسرائيلية» وانتزاع أكبر قدر من التنازلات من الفلسطينيين. أفهم أن يذهب الرئيس إلى واشنطن في ختام المحادثات، وليس في بدايتها، إذا ما بدا أنها حققت أي نجاح يستجيب للمطالب الفلسطينية، أما أن يدعى لشهود إطلاق المفاوضات فذلك توريط له. وأكرر أنه لا تفسير لذلك سوى أنه يراد للرئيس المصري أن يكون عنصر ضغط على الفلسطينيين ولكي يحقق «الإسرائيليون» والأمريكيون المكاسب التي
توخوها.

فلماذا يضع الرئيس نفسه في هذا الموقف؟ هل يمكن أن نقول لا لواشنطن؟ وهل نستطيع؟.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 12 / 2166097

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

15 من الزوار الآن

2166097 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 15


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010