الجمعة 26 شباط (فبراير) 2016

اجترار الكذب والعجز

الجمعة 26 شباط (فبراير) 2016 par عوني صادق

كان طبيعياً ألا ينتظر أحد ذلك اللقاء الذي تم بين الرئيس محمود عباس ووزير الخارجية الأمريكية جون كيري في عمان، الأحد الماضي، ومن انتظره كان يعرف أنه لن يكون أكثر من رفع العتب تجاه من وضع مصير شعبه وقضيته في السلة الأمريكية بشكل حصري.
بيانان يتيمان صدرا حول لقاء عباس كيري، الأول أدلى به الناطق باسم الرئاسة الفلسطينية، نبيل أبو ردينة، والثاني أدلى به الناطق باسم الخارجية الأمريكية، جون كيربي، وكلا البيانين كررا ما سبق الإعلان عنه مرات عديدة، دون أن يخفيا الكذب والتضليل اللذين مارستهما إدارة أوباما خلال السنوات السبع العجاف، أو العجز والاستسلام اللذين تمسكت بهما السلطة الفلسطينية! وإذا كان طبيعياً أن يكون البيانان على هذا القدر من الهزال، فإن اللافت أن لا يمل الطرفان من اجترار بضاعة فاسدة لم يعد لها مشترون!
في البيان الفلسطيني الذي أدلى به أبو ردينة، جاء قوله: «تم استعراض الأوضاع بشكل موسع ومفصل، وشدد الرئيس على أننا نقوم بجهود مع المجتمع الدولي لعقد المؤتمر الدولي للسلام، وإيجاد آلية على نمط (5+1) لإيجاد حلول فعالة للقضية الفلسطينية»! وأضاف أبو ردينة: «شدد الرئيس على أننا مستمرون في السعي للذهاب إلى مجلس الأمن من أجل إدانة الاستيطان والمطالبة بوقفه»! اللقاء كله غرضه «الاستعراض»، ولكن ما المقصود «بشكل موسع ومفصل»؟ هل نفهم من ذلك أن «الاستعراضات» السابقة كانت مضيقة ومختصرة؟ لقد تم اللقاء في عمان بينما كانت شوارع القدس ومدن فلسطينية أخرى تسبح في دماء الفتية الفلسطينيين، فإلى أين انتهى استعراض الأوضاع الموسع والمفصل؟ أبو ردينة قال: «الوزير كيري أكد أن الإدارة الأمريكية مستمرة في بذل كل الجهود المطلوبة حتى اللحظة الأخيرة من أجل بقاء حل الدولتين قائماً، من أجل الاستقرار والأمن في المنطقة والعالم»!!
يعني «تيتي تيتي مثل ما رحتي مثل ماجيتي»! السلطة الفلسطينية سعت بل ووصلت إلى مجلس الأمن وقدمت مشروعها من أجل عقد المؤتمر الدولي مرة قبل اليوم، وسعت مرة أخرى إلى الغرض نفسه، وماذا كانت النتيجة؟ في المرة الأولى سقط المشروع بفضل الموقف الأمريكي! وفي المرة الثانية تم سحب المشروع تحت ضغط وبطلب أمريكي!! فما هو الغرض من تأكيد الموقف إلى جانب الإيهام بأن السلطة الفلسطينية ليست «مكتوفة الأيدي» ولديها ما تفعله؟ هناك غرض آخر مطلوب أن نراه، وهو بما أن الموقف الأمريكي معروف وهو ضد ما يقول الرئيس الفلسطيني أنه يسعى إليه، فالمراد من التأكيد عليه إظهار السلطة الفلسطينية وكأنها على خلاف وتخوض معركة ضد الإدارة الأمريكية!! طبعاً لا أحد يصدق أو ينطلي عليه مثل هذا الادعاء.
ولكن، ماذا قال الوزير كيري للرئيس عباس؟ هذا ما كشف عنه بيان الناطق بلسان الخارجية الأمريكية كيربي، الذي قال: «خلال المحادثات، دعا الوزير كيري إلى التحلي بالهدوء فيما يتعلق بتصاعد التوتر في الضفة الغربية والقدس، والحد من العنف والتحريض»! كيري يدعو عباس إلى التحلي بالهدوء والحد من العنف والتحريض، في وقت كان فيه جنود الجيش «الإسرائيلي» يعدمون الفتى محمد أبو خلف بخمسين رصاصة بحجة محاولته القيام بعملية طعن!! كل ما يفعله المستوطنون، وما يفعله الجيش، وما تفعله حكومة نتنياهو بالفلسطينيين، والمطلوب «التحلي بالهدوء والحد من العنف والتحريض» ! كيري لا يخجل وهو يضع عنف طفل يحمل سكيناً من قهره على نفس مستوى إرهاب دولة هي الأقوى في المنطقة، ثم يتحدث عن «الاستقرار والأمن في المنطقة والعالم»!! حتى في لقائه الروتيني الفائض عن الحاجة، لا يتخلى كيري عن الدفاع عن حليف بلاده الصهيوني، والانحياز لسياساته الاحتلالية العنصرية والإجرامية.
المحير في الموضوع، وفي كل اللقاءات الأمريكية الفلسطينية الأخيرة، على الأقل، أن تتم والجميع يعرفون أنه بعد فشل آخر جولات المفاوضات التي ترأسها وقادها وزير الخارجية الأمريكية قبل أشهر، أن واشنطن كانت قد أعلنت أنها استنفدت كل جهودها من إنجاح المفاوضات التي رعتها منذ اثنين وعشرين سنة من أجل تطبيق «حل الدولتين»! فما هو مبرر أن تستمر هذه اللقاءات، وما مبرر أن يعيدوا على أسماعنا ما مللنا سماعه؟! المبرر واضح ومعروف وكان دائماً في الصورة وفي خلفية كل التحركات الأمريكية، ولا بأس من التذكير به لمن غاب عنه أو نسيه: كان ل«اتفاق أوسلو» بداية، ثم كان للمفاوضات، وكان لكذبة «حل الدولتين»، هدف واحد وحيد ظل ثابتاً لم يتغير في كل هذه السنوات هو: منح الحكومات «الإسرائيلية» المتعاقبة الوقت المطلوب لتنفيذ مخططها الاستيطاني التوسعي، وجر الفلسطينيين إلى الاستسلام الكامل ! لذلك ستظل إدارة أوباما ملتزمة بهذا الهدف «حتى اللحظة الأخيرة» من وجودها في السلطة، كما قال كيري تماما! أكثر من ذلك، أن الإدارة الأمريكية التي ستدخل البيت الأبيض بعد تسعة شهور من الآن، سواء أكانت جمهورية أم ديمقراطية، ستحمل الراية نفسها، وستسير في الطريق نفسه، حتى يتحقق الهدف الصهيوني، أو هذا ما ستأمله وستتمسك به!!
لكن أطفال وفتيان وفتيات فلسطين، ومهما تصور الصهاينة وأنصارهم أنهم أصبحوا قريبين من هدفهم، سيفشلون خططهم في نهاية النفق!



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 18 / 2165476

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع وفاء الموقف  متابعة نشاط الموقع عوني صادق   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

13 من الزوار الآن

2165476 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 13


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010