الجمعة 26 شباط (فبراير) 2016

مُعلمٌ بلا كرامةٍ جيلٌ بلا انتماءْ

الجمعة 26 شباط (فبراير) 2016 par د. فايز أبو شمالة

- نصرٌ أو شهادةٌ، هذا هو محمد القيق

لا خيار أمام الصحفي المعتقل محمد القيق؛ فإما النصر وإما الشهادة، ولاسيما أن الرجل قد ارتقى مقعد مجد، وصعد إلى الدرجات العليا من العطاء، وإحدث بصموده التأثير الإيجابي في روح شباب الانتفاضة، ولم يبق أمامه إلا طريق الانتصار أو الارتقاء بالشهادة، وكلتاهما غاية المقاوم، وكلتاهما طعنة نجلاء في صدر العدو الذي ويخشى من عواقب الشهادة أكثر من خشيته من عواقب النصر، لذلك سيحرص العدو الإسرائيلي على عدم إثارة الرأي العام العالمي ضد جرائمه، بمقدار حرصه على عدم تفجر الساحات والميادين في الضفة الغربية غضباً وانتقاماً، ومن هنا تأتي مساعي الإسرائيليين في البحث عن حل يحفظ لهم ماء الوجه، وفي والوقت نفسه يفك عن عنقهم قيود المعتقل الصحفي محمد القيق.
كان يعرف المعتقل محمد القيق من اللحظة الأولى التي أعلن فيها الإضراب المفتوح عن الطعام، وبعد أربعة أيام من اعتقاله، كان يعرف أنه يخوض معركة حياة أو موت، وأنه أمام خيارين لا ثالث لهما، وكان يعرف أن الإضراب عن الطعام عذاب للجسد يفوق المرض، وكان يعرف أنه سيعيش أياماً حالكة المعاناة، لن يقوى فيها على الحركة، وستتكالب على الجسد المنهك كل الأمراض، وكان يعرف وأنه سيفقد السيطرة على حواسه بالتدريج، حتى الغيبوبة، وفقدان الوعي، ولكن الرجل يعرف ايضاً أنه يمثل قضية شعب، وقضية أمة تقف أمام خيار المقاومة أو الهزيمة، وقد اختار المعتقل الصحفي المقاومة بكل تبعياتها، ونتائجها.
إن تراجع الصحفي محمد القيق عن خطوته في الدقائق الخمس الأخيرة يعني هلاك الفكرة، وانحطاط القدرة التي تنتظر الاسناد والتعاضد، ولا تنتظر المثبطات، لذلك فإن الخوف على خطوة الرجل البطولية لا تأتي من عنجهية العدو؛ الذي يناور ويراوغ حتى اللحظات الأخيرة، ولكن الخطر يأتي من خذلان الصديق الذي يتباطأ في الإسناد، فعندما أعلن محمد القيق إضرابه عن الطعام ما كان يعتمد على قدرته هو فقط، وإنما كان يثق بأنه يتقدم شعب تعود على المواجهة، ولن يخذله، شعب يقدر البطولة ويحترم الأبطال، شعب لا يستكين لظالم، ولم تهن عزيمته، وينتظر القائد الذي يخوض بحر المواجهة أمامه كي يلحق بركابه فرحاً مهللاً، شعب لا ينام الليل دون أن يشعل الأرض ثورة وغضباً وحضوراً مزعجاً ومرهقاً لأعدائه.
وعلى طول التجربة الفلسطينية في الإضراب خلف الأسوار، مثل الإسناد الجماهيري للمضربين عن الطعام الغذاء والدواء والشفاء من وجع القيد ووجع الإضراب، وهذا ما تحقق في السنوات الأخيرة مع إضراب المعتقل خضر عدنان، ومحمد علان، وسامر العيساوي، وهو ما سيتحقق اليوم مع المعتقل محمد القيق، الذي يضيف مع الوقفة الجماهيرية لبنة أخرى في جدار صد العدوان، وتحدي إرادة السجان.
وإذا كانت الساعات القادمة حاسمة في مصير الرجل كما نقل عن هيئة الأسرى التي تتوقع إبرام اتفاق مع النيابة العسكرية الإسرائيلية خلال الساعات القادمة، يقضي بعدم تجديد الإعتقال الأداري للمعتقل محمد القيق والافراج عنه بتاريخ 21/5/2016 واستكمال علاجه في مستشفى المقاصد في القدس المحتلة. فمعنى ذلك أن أبطال الشعب الفلسطيني يحققون النصر تلو النصر بفعل إرادتهم، وبفعل سواعد شباب الانتفاضة، الذين احتفظوا على صفحات التواصل الاجتماعي بصور المعتقل الصحفي محمد القيق، وهذا ما أكدته صفحة الشهيد محمد أبو خلف، الذي دقق النظر بمعاناة القيق، قبل أن يقرر الانتقام، والانتقال من السكون إلى الفعل.

- مُعلمٌ بلا كرامةٍ جيلٌ بلا انتماءْ

باختصار، ما يطالب فيه المعلمون المضربون عن العمل؛ هو تحسين رواتبهم أسوة بباقي الموظفين العاملين في القطاع الحكومي، فهل هذه المطالب ظالمة؟ هل مطالبة المعلمين بالمساواة مع بقية الموظفين جريمة؟ هل طلب العدالة خروج عن القانون؟ وهل من العدل أن تأخذ بعض المهن بدل طبيعة عمل تفوق الراتب الأساسي، في الوقت الذي ينتحر فيه المعلم بين البنوك، ولا يجد في آخر الشهر قوت يومه، ليقف تائهاً عن سد رمق أولاده؟ وهل وظيفة معلم من الوظائف الحقيرة لتكون أجرة العامل في المستوطنات الإسرائيلية عدة أضعاف راتب المعلم؟ هل مهنة التعليم تقل شأناً عن مهنة القضاة والمهندسين والأطباء وعمال المحاجر؟
كان الأجدر بالمسئولين في وزارة التربية والتعليم أن يدافعوا عن مطالب المعلمين أمام الحكومة، لا أن يصطدموا مع مصالح المعلمين، ويتوجهوا عبر مكبرات الصوت في المساجد، ليدعوا الطلاب قبل يومين إلى التوجه إلى المدارس، والالتزام بالتدريس!.
لقد فشلت الوزارة في إفشال إضراب المعلمين، وهذا يؤكد على وعي المجتمع الفلسطيني، وإدراكه لما يجري من حوله من أحداث حياتية وسياسية، لذلك كان تذرع الحكومة في عدم الاستجابة لمطالب المعلمين بالعجز في الميزانية، وبحجة الأزمة المالية الخانقة، وعدم إيفاء المانحين بالتزاماتهم، هذه الحجة لم تجد أذناً مصغية لدى المعلمين الذين قهرهم الظلم، وعدم المساواة مع أقرانهم حملة الشهادات في الوظائف الأخرى، ومن أبناء جيلهم، الذين يحظون بالامتيازات والترقيات التي يحرم منها المعلم، فإذا كان راتب القاضي في المحكمة أعلى من راتب المدير العام، بينما راتب المدير العام يعادل راتب أربعة معلمين، فهل يعني ذلك أن راتب القاضي يعادل راتب ست معلمات، وإذا كان القاضي في القانون البريطاني هو عنوان العدل، وله مطلق الصلاحية في الصرف المالي، فإن المعلم في ألمانيا هو عنوان النهوض والتقدم الحضاري، فلماذا لا يتمتع بمطلق الصلاحية في الكرامة والمساواة مع الآخرين؟
إن الأموال التي تنفق على الدرجات الوظيفية العليا، وعلى الرتب العسكرية هي التي تحرض المعلم والمعلمة على مواصلة الإضراب، وعلى سبيل المثال، قد يصل راتب لواء في السلطة الفلسطينية مع البدلات إلى 15 ألاف شيكل شهرياً، أي ما يعادل راتب سبع معلمات أو أكثر، إن هذا التمايز بين الوظائف الحكومية، هو الذي يحرض على التشكك بالجمل الجوفاء عن الوطن والوطنية، لأن رغيف الخبز الذي يشتريه المعلم لأولاده لا يختلف عن رغيف الخبز الذي يصل إلى بيت وكيل الوزارة؛ الذي لا يحمل إلا شهادة الولاء للتنظيم.
إن إغداق الأموال على كل أولئك الذين لا يعملون، ويخرجون للسفر، ويبيتون في الفنادق الفاخرة، هذا البذخ في الانفاق من المال العام هو المحرض على الإضراب حتى تحقيق المساواة مع بقية الموظفين، ولاسيما مع أولئك الذين لا يرتضون لأولادهم إلا التعلم على حساب السلطة في الخارج، أما في الداخل، فإن ابناء المسئولين يركبون سيارات الحكومة، في طريقهم إلى المدرسة، بينما يركب المدرس قدميه، وفي الوقت الذي يركب فيه ابن التاجر أو ابن صاحب المصانع والشركات سيارة الأجرة، ويقول للسائق: طلب، أوصلني بسرعة إلى المدرسة، ليكتشف عند باب المدرسة أن السائق هو المعلم نفسه.
أزعم أن إضراب المعلمين قد تأخر قليلاً، وقد تحملوا ذل الحاجة لفترة من الزمن دون صراخ، وطالما قد حركهم وجع الحاجة، فإن الواجب يقضي بان يهب المجتمع لنصرتهم، ولو أدى الأمر إلى إغلاق كل مؤسسات الترف التي تستنزف المال العام، بما في ذلك مؤسسة الرئاسة، والمؤسسات الأمنية، التي تنفق شهرياً ما يوازي دخل ألاف المعلمين، ويكفينا من المعرفة أن ميزانية الأجهزة الأمنية 28% من الميزانية العام، في حين بلغت ميزانية التربية والتعليم 13% فقط، مع العلم أن عدد المعلمين والمعلمات تجاوز 66 ألف معلم ومعلمة.
لقد رفع المعلمون شعار: معلمٌ بلا كرامةٍ جيلٌ بلا انتماء.
فهل ذلك يعني أن القائمين على الأمر في السلطة الفلسطينية يريدون جيلاً بلا انتماء؟ فتعمدوا أن يهينوا كرامة المعلم من خلال تجاهل مطالبه العادلة، وتركه يتدبر شئون بتيه المالية من خلال العمل الاضافي في المحلات التجارية وفي الأسواق، أو العمل سائق أجره.
إن رفض المعلمين لصيغة الاتفاق الموقع بين أمين عام المعلمين أحمد سحويل، وبين الحكومة يعني عدم الرضا عن الاتفاق من جهة، ويعني رفض التعيين لأمين عام للمعلمين الذي يمثل ذراعاً من أذرع منظمة التحرير، لذلك جاء تجاوب اللجنة المركزية لحركة فتح مع مطالب المعلمين، استداركاً للأمر، واقتناعاً بأن المعلمين ليسوا رقماً هامشياً في حياة المجتمع، لذلك طالبت اللجنة المركزية من أحمد سحويل الاستقالة. وهذه أول بشائر النصر.
ليستقل أحمد سحويل، وليترك ساحل الفلسطينيين كل من هم على شاكلته، ولاسيما قادة الإعلام الأسود؛ الذين سعوا إلى تشويه أهداف الإضراب المنظم، والحيلولة دون انتصار المعلمين الذي سيشكل بداية الهزيمة للأكذوبة التي ساقت الناس إلى المجهول السياسي، وغطت على حكم الفرد المطلق، الذي ظن أن الضفة الغربية جثة هامدة، سيقطع من لحمها كما يشاء، ويبيع من دمها لمن يشاء دون أن تتحرك الروح.
لقد تحركت الروح في جسد المعلمين والمعلمات، وأرسلوا رسائلهم التي مفادها: إن هؤلاء الشباب الذين يندفعون باتجاه العدو الصهيوني، هؤلاء المقاومون هم أولادنا وبناتنا، هم طلابنا، ونحن لهم معلمون، نحن الذي غرس في قلوبهم شجرة الوطن التي تترعرع فينا نسائم حرية، فكيف نسكت عن حقوقنا، ونحن نرى طلابنا يقتحمون سياج الموت؟



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 57 / 2165351

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع فايز ابو شمالة   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

20 من الزوار الآن

2165351 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 20


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010