الجمعة 19 شباط (فبراير) 2016

الدولة الفلسطينية مهمة كفاحية... لماذا؟

الجمعة 19 شباط (فبراير) 2016 par علي جرادات

بادئ ذي بدء، لاشك في أن حكومات «إسرائيل» الثلاث الأخيرة، بقيادة «الليكودي» نتنياهو، تمثل قفزة نوعية في سياق تطور الكيان الصهيوني، ككيان استعماري استيطاني عنصري عدواني توسعي. وبالتالي، كان بداهة أن تجاهر، حكومات نتنياهو، بالشروط التفاوضية الصهيونية التعجيزية، وأن تكشف أنها لا ترفض، فقط، تسوية سياسية للصراع، تعطي الشعب الفلسطيني حقوقه في «العودة والدولة وتقرير المصير»، بل، وترفض، أيضاً، ما يُسمى «حل الدولتين»، حتى مع «تبادلٍ للأراضي».
وكان بداهةً، أيضاً، أن ترتفع عدوانية الكيان الصهيوني وعنصريته، بقيادة حكومات نتنياهو، إلى أقصاها. وما تبرئة الأخير لساحة هتلر مما ارتكبه من إبادة لليهود، وتحميل مسؤوليتها لمفتي فلسطين، المرحوم الحاج أمين الحسيني، وإحراق الأطفال أحياء، والإعدام الميداني لكل مشتبه بحمل سكين، والتمثيل بالجرحى، واحتجاز جثامين الشهداء، والتنكيل بالأسرى، وهدم البيوت، وتدمير أحياء في مدن وقرى ومخيمات الضفة، وشن ثلاث حروب إبادة وتدمير على غزة، سوى أدلة قاطعة على مدى انتقال عدوانية هذا الكيان وعنصريته، المقوننتيْن، إلى فاشية صريحة، يُقْذَف كل من ينتقدها، حتى لو كان أمين عام الأمم المتحدة، بان كي مون، بتهمة «تشجيع الإرهاب»، وتُلصَق تهمة «معاداة السامية» بكل المشاركين في حملات مقاطعة «إسرائيل»، متعددة الأشكال، لمجرد كشفها لجرائمها ككيان احتلالي مارق، وتُهدَّد بالحظر منظمات غير حكومية يهودية «إسرائيلية»، مثل «حركة السلام الآن»، و«منظمة بتسيلم» لحقوق الإنسان، وحركة «كشف الصمت»، لمجرد أنها تنتقد جيش الاحتلال وأجهزته الأمنية، على ما تسميه «الإفراط في استخدام القوة»، ويُحظَر «الجناح الشمالي للحركة الإسلامية» في مناطق 48، لمجرد دعوته ومشاركته في تظاهرات سلمية ضد استباحة جيش الاحتلال ومستوطنيه، بغطاء من حكومته، للمسجد الأقصى، ويُوبخ ثلاثة من أعضاء «الكنيست» من فلسطينيي 48، وتُعلَّق مشاركتهم في جلساته ولجانه، بل ويُهددون برفع الحصانة عنهم، لمجرد لقائهم عائلات مقدسية تطالب باستعادة جثامين أبنائها الشهداء.
بهذا كله وغيره، مما لا يتسع المجال، هنا، لذكره، تبددت، في ظل حكومات نتنياهو، كما لم يحصل من قبل، أكبر أكاذيب العصر، أولاها كذبة أن «إسرائيل» مستعدة ل«السلام»، وثانيتها، كذبة أنها «دولة» ديمقراطية، بل، «واحة الديمقراطية الوحيدة في المنطقة»، أما ثالثتها، فكذبة أن تشكيل أحزابها الصهيونية ينقسم إلى معسكرين: «يسار ويمين»، فيما الحقيقة أن توزيعها، كان، ولا يزال، بين معسكرات: «يمين»، يمثله «حزب العمل»، و«يمين متطرف»، يمثله «حزب الليكود»، و«يمين أكثر تطرفاً»، تمثله أحزاب صهيونية دينية. وهو ما يفسر أن تنعدم، في العقد الأخير، كل إمكانية لتشكيل ائتلافات حكومية، خارج الحدود القصوى لرؤى حزب «الليكود»، صنو «المحافظين الجدد» في الولايات المتحدة، سواء لناحية السياسة الخارجية، أو لناحية السياسة الاقتصادية الاجتماعية الداخلية.
إن الاستخلاصات أعلاه مهمة، أساساً، وقبل أي شيء آخر، للقول، بلا مبالغة أو تعسف: إن «إسرائيل» النظام، لا الحكومات، فحسب، في غير وارد التسوية السياسية للصراع، ذلك أن حكومات نتنياهو لم تفعل، هنا، سوى أنها أظهرت للجميع، عرباً وعجماً، وبلا لبس أو شك، الهدف الأساس، لإدارة حكومات الكيان ل25 عاماً من «مفاوضات الأرض مقابل السلام». فإدارة المفاوضات مع استمرار العدوان والتهويد والاستيطان، ليست سياسة لحكومات نتنياهو، بل لكل حكومات الكيان، بألوانها الحزبية المختلفة، منذ انطلاق مفاوضات «مدريد» في العام 1991. وإفصاح حكومات نتنياهو عن عزمها تكريس، وقوننة، «إسرائيل» «دولة للشعب اليهودي»، أي «دولة» دينية عنصرية فاشية، هو مجرد كشفٍ لهدف صهيوني ثابت، أضمره «حزب العمل» عند توقيع «أوسلو»، وطبقته ميدانياً، بصمت، حكوماته بقيادة رابين، وبيرس، وباراك على التوالي. أما مطلب الاعتراف («بيهودية» «إسرائيل»)، فسبق وطرحته حكومة ائتلاف «حزب كاديما» «الليكودي» الأصل بقيادة أولمرت، وحزب العمل بقيادة باراك، قبل أن تجاهر به، وتجعله ناظماً لسياستها، وشرطاً لمواصلة المفاوضات أو لتحديد نتائجها النهائية، حكومات نتنياهو.. يعني؟ وإن كانت حكومات نتنياهو أشد حكومات الكيان تطرفاً وإيديولوجية، فإنها لم تفعل سوى المجاهرة، مع صلف زائد، وعنجهية غير مسبوقة، بما خططت له، وأرادته، الحركة الصهيونية، ونفذته على الأرض، جميع حكومات وليدها «إسرائيل»، منذ إنشائها بعملية تطهير عرقي بشعة عام 48، ثم توسعها بعدوان مبيت سافر عام 1967.
وإذا ما أردنا «التغميس في الصحن، لا الدوران حوله»، فلنقل، إن الاختلاف بين الأحزاب الصهيونية لا يعدو كونه اختلافاً، نسبياً، بين أحزاب يجمعها هدف تصفية القضية الفلسطينية من جميع جوانبها، وإن استعداد هذه الأحزاب للتفاوض، مجرد غطاء لمواصلة سياسة العدوان والتهويد والاستيطان، بما لا يترك متسعاً للتوصل، بالتفاوض، لتسوية تقوم بموجبها دولة فلسطينية مستقلة، فما بالك بتسوية يعود بموجبها اللاجئون، جوهر القضية وأصل الصراع، إلى ديارهم التي شُردوا منها، وفقاً للقرار الدولي 194؟! ما يعني أن الصراع ما زال شاملاً ومفتوحاً. إذ هل ثمة معنى لقول نتنياهو، وغيره من قادة الاحتلال: («إسرائيل» ستعيش إلى الأبد على حد السيف)، سوى أن أي استئناف للمفاوضات هو مجرد حرث للبحر، وإضاعة للوقت والجهد والبوصلة، وأن تحقيق أدنى الحقوق الفلسطينية، أي إقامة دولة فلسطينية مستقلة، هو مهمة كفاحية أولاً وأخيراً، وأنها لن تقوم، حتى على «حدود 67»، ما دامت المفاوضات المباشرة، برعاية أمريكية، هي خيار الرسميات العربية الوحيد، وما دامت رهانات «أوسلو»، وانقسام وتقاسم سلطته الصورية، قائمة، وتحول دون تسليح الانتفاضة المستمرة بقيادة وأهداف وطنية محددة وموحدة، بها، فقط، ترتقي إلى استراتيجية سياسية وطنية جديدة لإدارة الصراع مع الاحتلال. «هنا الوردة، فلنرقص هنا».



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 30 / 2165395

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع علي جرادات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

11 من الزوار الآن

2165395 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 12


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010