الجمعة 19 شباط (فبراير) 2016

الانتفاضة الثالثة انتفاضة الكرامة

الجمعة 19 شباط (فبراير) 2016 par د. مصطفى يوسف اللداوي

احذروا زوهر هدروم

- (92)

زوهر هدروم هو الاسم العبري الذي أطلقه جيش العدو ومخابراته على عملية مكافحة أنفاق المقاومة في قطاع غزة، وهو بالعربية يعني “توهج الجنوب”، حيث يقصد به حماية مستوطنات جنوب فلسطين، التي تسمى عادةً بمستوطنات الغلاف، وهي المستوطنات التي علا صوتها، وزادت شكواها، وشهد كثيرٌ من سكانها أنهم يسمعون دبيباً تحت أقدامهم، وحركةً تحت بيوتهم، تشبه أصوات آليات الحفر ومعدات البناء، وقد حذروا حكومتهم من أنهم يسمعون هذه الأصوات يقيناً وليس خيالاً، وهي واقعٌ وليست وهماً، ووصلت بهم حالة الوهم والقلق إلى متابعة مكان بلاطة منزوعة من مكانها من أحد أرصفة المستوطنات، وقد سيج الأمن مكانها، ووفد إلى مكانها ضباطٌ كبارٌ ومسؤولون أمنيون وخبراء هندسيون كبار لمعاينة المكان ومعرفة سبب عدم وجود البلاطة في مكانها، وما إذا كانت قد انتزعت من فوق الأرض أم من تحتها.

العدو الإسرائيلي أحسن استغلال “زوبعة” الأنفاق التي أثار مستوطنوه مخاوفهم منها، وأشعروا حكومتهم بالتقصير فيها تجاههم، وأنهم يهملون شكواهم، ويستخفون بالخطر المحدق بهم، ولا يهتمون بمحاربة الأنفاق بما يكفي، وأنهم سكتوا طويلاً عنها حتى وصلت إلى بيوتهم، وتكاد تخترق أرض غرف نومهم، الأمر الذي يجعل من قدرة رجال المقاومة على الوصول إليهم كبيرة وسريعة.

استغلت مجموعاتٌ صهيونية عديدة التهديدات التي أطلقتها المقاومة، والتصريحات التي أدلى بها بعض مسؤوليها، والتي أكدوا فيها عن أن أنفاق المقاومة قد نجحت في الوصول إلى عمق الأرض المحتلة، وأنها قادرة على الوصول إلى المستوطنات الإسرائيلية، وأنهم سيفاجئون في أي حربٍ قادمةٍ بما يصدمهم، وغير ذلك من التصريحات التي استفزت الإسرائيليين ودعتهم إلى التعامل مع موضوع الأنفاق بجديةٍ ومسؤولية، وعدم الاستخفاف بها والانتظار دونما فعلٍ جادٍ ريثما تقع الحرب وتستخدمها المقاومة، ويزداد عددها، ويتحسن إعدادها ويتفاقم خطرها، وما انهيار بعضها إلا حافزاً على إعادة ترميمها وتحصينها بأقوى مما كانت عليه.

كان من نتيجة هذه الشكاوى أن قررت حكومة العدو تخصيص مبالغ كبيرة لحماية مستوطنات الغلاف، وتكليف وحداتٍ فنية مدربة من سلاح الهندسة في جيش العدو للبحث عن الأنفاق وتدميرها، في الوقت الذي قامت فيه الإدارة الأمريكية بتخصيص مبلغ مائتي مليون دولار لإجراء أبحاثٍ علميةٍ ودراسات ميدانيةٍ لمكافحة ظاهرة الأنفاق، والعمل على تدميرها، ووضع آلية علمية سرية للتنبؤ بها واستكشافها مبكراً.

بلغت الميزانية التقديرية التي أعدتها قيادة أركان جيش العدو لمحاربة الأنفاق ثلاثة مليارات دولار، وهي ميزانية مقررة من قبل الحكومة الإسرائيلية، وقد تعهدت جهاتٌ عدة بتغطيتها منها الإدارة الأمريكية ودولٌ أوروبية عدة أبدت استعدادها لتقديم خدماتٍ لوجستية إلى جانب المساهمات المالية، خاصةً أن هذا المشروع يلزمه أبحاثٌ ودراساتٌ ونظريات وتجارب ومعدات وآليات، وهو ما قد يكون متوفراً لدى الدول الغربية والولايات المتحدة الأمريكية، فضلاً عن أنه متاحٌ في الجيوش وفي القطاعات الهندسية العسكرية والمدنية، التي تستطيع أن تقدم من خلال علوم الجيولوجيا والطبوغرافيا والتصوير الفضائي الكثير من الخدمات.

كما أعلنت منظمات صهيونية عالمية المباشرة في جمع التبرعات والمساعدات للمباشرة في تنفيذ هذا المشروع، الذي يرون أنه ينقذ شعبهم من خطرٍ حقيقي داهمٌ، ويرون أن التهديد الذي تشكله الأنفاقُ تهديدٌ حقيقي لأمنهم وسلامة مستوطنيهم، وقد أعلنت قيادة أركان جيش العدو أن الميزانية المقترحة ليست نهائية، بل هي قابلة للزيادة، نظراً لأن عالم الأنفاق مجهولٌ بالنسبة لهم، وقد تجد معطياتٌ تفرض عليهم التعامل معها، خاصةً أن قوى المقاومة الفلسطينية قد أسست الأنفاق لتكون ذراعها الاستراتيجية الطولى في مواجهة القدرات العسكرية الضخمة للجيش الإسرائيلي.

لا يتطلع العدو الإسرائيلي من خلال هذا المشروع إلى هدم الأنفاق أو تفجيرها، أو الاكتفاء بمعرفتها ومراقبتها، أو إغلاقها ومنع استخدامها فقط، فهذه هي الخطة الظاهرة من مشروعه الكبير، ولكن مخططاته في هذا المشروع أكبر من مكافحة الأنفاق فقط، بل إن الخطة تنص على تحصين ملاجئ المستوطنين وتوسيعها، وربطها بطرقٍ جديدة تحت الأرض، تستطيع أن تقلهم بسرعة كبيرةٍ وبسريةٍ تامةٍ عن مناطق الخطر، وتوصلهم إلى مناطق آمنة نسبياً، فضلاً عن تحصين المستوطنات نفسها، بزيادة أعداد الحامية العسكرية لها، ومرافقة الحافلات وسيارات المدارس والجامعات، وتزويدهم بمهابط طائرات، وغير ذلك من وسائل الحماية والتحصين والنقل الآمن السريع، وهو ما يفسر ارتفاع الميزانية المخصصة لهذا المشروع.

كما أن المشروع في الجانب الاستخباري يقوم على جمع المعلومات والبيانات، ومعرفة عدد الأنفاق واتجاهاتها ومساراتها ومهامها، وعدد العاملين فيها أو المقيمين داخلها، وما تتميز به من تحصينات وتتمتع به من مزايا ومواصفات، وغيرها من المعلومات الهامة، الذي تكلف بها جهاز المخابرات الإسرائيلي، الذي يحاول استعادة نشاطه في قطاع غزة، بعد الحملات الأمنية الناجحة التي نفذها أمن المقاومة ضد العملاء الفلسطينيين والمتعاونين مع العدو الإسرائيلي بعلمٍ أو بجهالةٍ وقلة وعي، حيث أن العدو يسلك طرقاً عديدة للحصول على المعلومات التي يريدها، وليس بالضرورة أن يعتمد كلياً على العملاء والمتعاونين، بل يقوم إلى جانب جهودهم التي لا يستغني عنها، باستراق السمع والتنصت، والتصوير والمراقبة، وتحليل التصريحات ومتابعة الأخبار، وتفقد الغائبين وتحديد فترات غيابهم واتجاهات عملهم.

في المقابل وهو ما نحذر منه ونخشى، فإنه يوجد أصواتٌ هامسةٌ وفي الخفاء، بعيداً عن الإعلام وضجيجه، تطمئن المستوطنين، وتؤكد لهم أن الأنفاق تحت السيطرة، وأنه لا يوجد منها خطرٌ حقيقي، فهي في أغلبها باتت معروفة للجيش ومخابرات العدو، كما أن عيون بعضها معروفة ومرصودة، ولكن ليس من الحكمة الإعلان عن اكتشافها حالياً، أو تدميرها فور اكتشافها، فهذه الطريقة لن تمنع الفلسطينيين من المحاولة من جديد، والحفر في مناطق أخرى بعيداً عن مناطق الاشتباه، والأجدى من ذلك إفشالها وإحباط أي هجومٍ عبرها خلال أي مواجهاتٍ عسكرية، واستخدامها نفسها في مواجهة المقاومة الفلسطينية، واستغلال استخدامهم لها وعدم حذرهم منها في تفخيخها أو تسريب الغازات السامة إليها، أو تفجيرها وهم فيها، وعليه ينبغي الحذر والحيطة فهذا عدوٌ ماكرٌ محتال، وعلينا أن نتوقع منه كل شئ.

مواعظ الحاخامات وتوصيات قيادة الأركان

- (93)

كأنه لا يكفي الشعب الفلسطيني ما يواجهه في ظل انتفاضته المباركة، من جيش الاحتلال الإسرائيلي وقادته وجنوده، ومخابراته وسجونه ومعتقلاته، وقطعان المستوطنين والمتطرفين، الذين لا يتوانون لحظةً عن قتل الفلسطينيين، ولا يتأخرون عن الاعتداء عليهم وتعمد قتلهم، فهم يتسابقون في القتل، ويتبارون في أشكال الاعتداء ووسائل القهر والإساءة، ويدعون أنهم يدافعون عن أنفسهم، ويردون الخطر عن مواطنيهم، ويصدون الشبان الذين يخططون لطعنهم أو دهسهم، ويبادرونهم بإطلاق النار عليهم ليحبطوا مخططاتهم، ويفشلوا محاولاتهم، وإلا فإن حوادث القتل ستكثر، وستتضاعف أعداد ضحاياهم.

التحق بعصابة القتلة وتنظيم الإرهاب المنظم جماعات اليهود المتدينين، وحاخاماتهم المتشددين، ورجال دينهم العنصريين، الذين انظموا جميعاً إلى عمليات القتل والإبادة، والإعدام والتصفية، وبدأوا في التحريض العلني والتشجيع السافر على قتل الفلسطينيين، لوأد انتفاضتهم، وقتل شبابهم، وكسر شوكتهم، وإضعاف إرادتهم، وردهم عن غايتهم التي انطلقوا من أجلها واستعدوا لها، وأبدوا إصراراً شديداً على المضي في سبيلها، ولو كلفهم ذلك حياتهم وأرواحهم، وحريتهم وبيوتهم وممتلكاتهم، وقد تسلح رجال دينهم بنصوصٍ وتعليماتٍ، وتوجيهاتٍ وإرشاداتٍ، مدعين أنها توصيات الرب وتعاليم التوراة.

وقد التحق بالحاخامات اليهود الذين يعيشون في فلسطين ويغتصبون أرضها، رجالُ دينٍ يهودٍ آخرون، يعيشون في الولايات المتحدة، ولكنهم لا يقلون عن رجال الدين المغتصبين تطرفاً وعنصرية، بل إنهم يزودون رجال الدين الإسرائيليين بنصوصٍ واجتهاداتٍ كثيرة، توراتية وتلمودية وأخرى من نسج خيالهم ووحي جنونهم، تحذر من خطورة ترك الفلسطينيين يخططون وينفذون، وتنبههم إلى ضرورة مواجهتهم قبل أن يتفاقم خطرهم، ويزداد عددهم، ويصبحوا هم الأكثرية في أرضٍ قد كتبها الله لليهود، وجعلها لهم أرضاً مقدسة، ولبنيهم من بعدهم أرضاً موعودة، فلا ينبغي أن يشاركهم فيها أحد، سكناً أو حكماً، وعبادةً أو ملكاً.

وقد أيدهم في دعواتهم العنصرية الرامية إلى قتل الفلسطينيين واستخدام العنف المفرط ضدهم، بعض التيارات المسيحية اليمينية، التي توالي اليهود، وتؤمن بروايتهم، وتنتظر معركتهم، وتقاتل من أجلهم، وتحشد اليهود وأبناء دينهم ليكونوا ضمن جنود معركة هرمجدون ، التي يعتقدون أنها لصالحهم، وأنها المعركة التي بشروا بها قديماً، ووعدوا في آخر الزمان بالنصر فيها، ويرون أن دولة اليهود يجب أن تسود، وهذا لا يكون بغير القوة والشدة، والإمعان في القتل والإثخان في العدو.

جيش الاحتلال الإسرائيلي يدرك قوة هذه التعاليم، ويلمس نتائجها العميقة ومفاعيلها الكبيرة، ويدرك أثر نصائح وتوجيهات رجال الدين، الذين يتدخلون بحماسٍ، ويدافعون بغيرةٍ وغضبٍ، ويؤصلون الصراع بعقيدةٍ وتاريخ، كما يعرف تأثير الحاخامات على الجنود والعاملين لأجل مستقبل وأمن وسلامة الكيان، لهذا فهو يصغي إليهم ويستمع إلى نصحهم، ويبرر بفتواهم جرائمه، ويعترف بأن النتائج المرجوة من تدخلهم كبيرة ومرضية، وتؤدي إلى وحدة الشعب والتفافه حول جيشه وحكومة كيانه، فضلاً عن أنهم يبعثون الحمية في صفوف الجنود، ويضفون على تضحياتهم قداسة، وعلى خدمتهم صفة العبادة.

لهذا ألزمت قيادة أركان جيش العدوان الإسرائيلي الجنود جميعاً بحضور مواعظ الحاخامات ورجال الدين اليهود، الذين ينتدبون لوعظ الجنود وتعليمهم أمور دينهم في ظل حالة العسكرتاريا التي يعيشونها، سواء في ظل الانتفاضة الفلسطينية التي حولت الأرض الفلسطينية كلها إلى ميدان حرب وساحة قتال، أو في معسكرات التدريب وثكنات الجيش المنتشرة في كل مكان، وأكدت قيادة أركان جيش العدو على وجوب حضور الضباط مع جنودهم، وعدم تغيب أيٍ منهم عن البرامج الدينية ومحاضرات الحاخامات المنتدبين.

يدعو رجال الدين اليهود الجنود في جيش كيانهم إلى قتل الأطفال والنساء والشيوخ، وعدم التورع عن قتل المرضى والمصابين والمسنين، وألا يصدقوا أنهم مدنيين عزل، أو مواطنين أبرياء، فجميعهم في دينهم يستحقون القتل، وهم الأغيار وفق موروثاتهم الدينية، ولهذا فإنهم يحرضونهم على عدم رحمة أحدٍ، إذ لا أحد منهم يستحق الرحمة أو الرأفة، بل إن منهم من يعتقد بجرم من يعفو عن الفلسطينيين، كما يجيزون العقاب الجماعي للشعب، والقتل الشامل للجمهور، بحجة أنهم جميعاً أعداء، ومع الأعداء لا مكان للعدالة إلا في المساواة في القتل، وفي تعميم العقاب وشموله، وبشرى لأمٍ يهودية جاءها ولدها ودم مسلمٍ على سيفه، وهنيئاً لشابٍ عاد إلى بيته مزهواً بمن قتل، وعارٌ على جنديٍ أغمد سيفه رحمةً، ولم يجرده في وجه عدوه ضعفاً، ولم يروِ نصله ضعفاً بدماءٍ يعيش عليها عمره، ويتوق شعبه للمزيد منها.

وردت هذه التوجيهات الدينية وغيرها في المذكرات الإرشادية التي توزعها حاخمية جيش الاحتلال على جنودهم، بالإضافة إلى المحاضرات التي تشتمل على تعاليم دينية ونصائح مختلفة، تقوم كلها على قتل الفلسطينيين، وعدم الإحساس بالشبع من القتل، ولو بلغ عدد قتلى العدو مليوناً، ولعل القادة والضباط ومسؤولو الفرق والألوية والكتائب، هم أكثر من الجنود إيماناً والتزاماً بهذه التعليمات، ولهذا فإنهم يحرصون على الاستماع إلى توجيهات الحاخامات، بالقدر الذي يحرصون فيه على تنفيذ تعليماتهم، وإصدار الأوامر إلى من يلونهم من الجنود لاتباعهم وتنفيذ أوامرهم بالقتل.

مخطئٌ من يظن أن اليهود يحفظون عهداً، أو يحملون وداً، أو يحبون خيراً، أو أنهم يسعون لصالح الإنسانية ويراعون حقوق البشر، وأنهم يدعون إلى الأمن والسلام، فهم يعادون الخير ويتحالفون مع الشر، ولو كانوا رجال دينٍ يدعون أنهم يحملون رسالةً سماويةً، جاءت بتعاليم لرفعة الإنسان، والحفاظ على حياته وممتلكاته، وصون وجوده ورعاية حقوقه، بل هم قتلةٌ بطباعهم، ومجرمون في تاريخهم، وعنصريون في تعاملهم، قتلوا الأنبياء، وذبحوا الأطفال، وادعوا أن البشر خلقوا ليكونوا لهم عبيداً يخدمونهم، أو حميراً يركبونهم.

مكافأة القتلة وترقية الجناة

- (94)

اقتل وارتقِ، ابطش وترقى، وكن مجرماً وتدرج، ومارس الجريمة تكون نبيلاً، واسفك الدم تسمو، واقتل النفس تسعد، وكن عنيفاً تتقدم، ومتطرفاً تصعد، وبالغ في استخدام القوة تحمد، ولا ترحم فتقوى، ولا تتردد فتكسب، واروِ بالدم سيفك يبقى حاداً، ولا تبقه في غمده طويلاً فيستعصي، وبادر تكسب، وكن الأول فتذكر، وقلد تلحق، واستدرك تصل، واقتل لتخضب بالدم يديك، وتشتم أمك منك رائحة المعركة.

هذه هي مدارج الخدمة لدى شعب “إسرائيل”، من سلكها التحق بالأولين، وتشابه مع السابقين، وكان مع ملوك “إسرائيل” قريناً، ومعهم في المهمة النبيلة شريكاً، الذين قالوا قديماً أننا على أنصال السيوف نحيا وبالدم نروى، وبالأسوار نأمن ولا نخاف، وبالرعب نحكم فلا يجار علينا، وبالقتل نتمكن فلا يعتدى علينا، وبالقوة يتبعنا الآخرون ويلهث خلفنا الضعفاء والفقراء، وكل ما عدا شعب “إسرائيل” عبدٌ أو حمار، نركبه ونمتطيه، ونستعبده كما نريد، ونستخدمه لما نريد، أو نقتله وقت نشاء.

لا تستغربوا الخبر ولا تكذبوه، ولا تستهجنوه ولا تستعظموه، ولا تظنوا أننا نهول ونبالغ أو نضخم الأمور ونقول عنهم ما ليس فيهم ولا منهم، أو أننا نفتري على مرتكبيه وندعي على منفذيه، وأنهم براءٌ من هذه التهمة النكراء، وأطهارٌ من هذا الرجس الكبير والعار الشنيع الذي يراد إلصاقه بهم أو نسبته إليهم، وأن هذه تشويهاتٌ مقصودةٌ، وادعاءاتٌ مغلوطةٌ، ومحاولات آثمة مقصودة، وأنهم عدولٌ ثقاتٌ، وأصحاب ذمةٍ وضميرٍ، يحكمون بالعدل ويكيلون بالقسطاس، فلا يخسرون الميزان ولا يظلمون الناس، ويعدلون ويصدقون ولا يستوفون إذا لأنفسهم كالوا.

إنه خبرٌ صادقٌ موثقٌ، لا ينكره صانعوه، ولا يخجل منه منفذوه، وهو فعلٌ قديمٌ يتكرر كل يومٍ، ولكن لكم إن شئتم أن تستنكروه وترفضوه، وأن تشجبوه وتعارضوه، لكنها الحقيقة التي لا نستطيع أن ننكرها نحن ولا أصحاب الشأن منهم، فهم يحبون القتل ويكافئون عليه، ويستعذبون الموت ويحرصون عليه، ويبالغون في الإساءة ويدعون إليها، ويكرمون كل متقدم، ويعتبون على كل مقصر، بل ويعاقبون كل من خالف ورحم، وامتنع أو جبن، ويعيبون على من يفكر في المعايير الإنسانية، ويحسب حساباً للقيم الأخلاقية، ويفكر في الردود الدولية، وفي صورة كيانهم وشعبهم في الوسائل الإعلامية والمنتديات العالمية، فهذا شأنٌ لا يعنيهم، وأمرٌ لا يهمهم، إذ أنهم يؤمنون أن الحق هو مع القوة، وأن الضعيف لا حق له ولا منتصر لديه.

فهذا نائب وزير حرب الكيان الصهيوني الحاخام إيلي دهان يرقي ضابطاً صهيونياً بعد قتله لفلسطيني، وهذا رئيس بلدية مستوطنه يكرم مستوطناً ويحتفي بمجموعة الشبان التي رشقت السيارات الفلسطينية بالحجارة، وهذا هو الجمهور الإسرائيلي يحتفي بحرق آل دوابشة، ويدعو إلى حرق المزيد منهم، وقتل الرضع فيهم، وقد حملوا دميةً لرضيعٍ فلسطيني أوجعوه طعناً وقد تعاوروا في طعنه قصاً وابتهاجاً.

القتلة الإسرائيليون، الذين يجرمون في حق الشعب الفلسطيني ويتنافسون في قتلة، ويسعون بكل حيلةٍ ووسيلةٍ للفوز بلقب القاتل الأكبر، ليسوا جنود جيش الاحتلال وعناصر وضباط المخابرات الإسرائيلية فقط، بل إن مجال التنافس رحبٌ، والمشاركون في السباق كثيرٌ، وسب الإبداع كثيرة، وهم مزيجٌ من الرجال والنساء، والصغار والكبار، ومن المستوطنين في فلسطين واليهود الوافدين إليها زيارةً، ومن المؤمنين بمشروعهم والمقاتلين معهم من غير أبناء دينهم.

المستوطنون القتلة يتصدرون المشهد، ويتقدمون على الجميع، ويحظون أكثر من غيرهم برصيدٍ كبيرٍ من الجرائم والاعتداءات، فلا يقوى أحدٌ على منافستهم، ولا يتمكن فريق من كسر الأرقام القياسية التي يحققونها في سوق الجريمة، فهم أكثر الإسرائيليين حملاً للسلاح واستخدامه، وأسرعهم إشهاراً له وأجرأهم على إطلاق النار منه، فضلاً عن أنهم يقومون بأعمال الدهس والصدم ورشق الحجارة ورمي الصخور الكبيرة على السيارات العابرة، ويشتهرون بحرق البيوت وقلع الأشجار، وإغلاق المنازل أو إشعال النار فيها، والكتابة العنصرية على الجدران، والتهديد المتكرر للسكان، خاصةً المارين بسياراتهم، أو العابرين قرب مستوطناتهم، والسكان القريبين من الشوارع العامة والطرقات السريعة التي يسلكها المستوطنون.

بعد كل جريمةٍ يرتكبها المستوطنون، والتي يحرصون أنفسهم على تصويرها وتوثيقها، يحيون الاحتفالات فرحاً، ويعقدون الاجتماعات زهواً، ويتبادلون التهاني فيما بينهم، ويوجهون الشكر لمن انبرى منهم لهذه الأفعال، وكان أكثرهم جرأةً واندفاعاً في تنفيذ المخططات والتعبير عن الأماني والطموحات، وفي احتفالاتهم التي يكرمون فيها المجرمين والقتلة، يشربون كؤوس الخمر فرحاً، ويحرصون على التقاط الصور مع المجرمين فخراً وشرفاً.

أما الأطباء والعاملون في المستشفيات الإسرائيلية على اختلاف مسمياتهم الوظيفية، حتى الحراس منهم وعمال النظافة والعاملين في المكاتب الإدارية، فإنهم يساهمون في القتل، ويشاركون في الجريمة، ويعملون كل ما في وسعهم لضمان عدم شفاء الجرحى، أو خروج المصابين من المستشفيات بصحةٍ وسلامة، وخلال عملهم يقومون بالمراقبة والمتابعة، ويعدون التقارير ويقدمون المعلومات، ثم ينسقون فيما بينهم أيهم يقوم بهذا العمل، وأيٌ منهم يتقدم للقيام بهذه المهمة الجريمة، رغم أن العاملين في المستشفيات من الأطباء وغيرهم، تحكمهم المعايير الإنسانية والقيم الخلقية، التي تنبعث من إنسانية الوظيفة، التي يجللها قسم أبقراط الشهير، ولكن العدو الإسرائيلي في معركته مع الفلسطينيين لا يرى مكاناً للأخلاق أو القيم، بل هي غريزة القتل وحب الشر للغير.

أما الكتاب والصحفيون ورجال الإعلام فإنهم يتغنون بالقتلة، ويشيدون بالمجرمين، ويسخرون ألسنتهم وأقلامهم للدفاع عن جرائم المستوطنين واعتداءات جيش الاحتلال وتجاوزات أجهزته الأمنية وقادته، ويعمدون عبر وسائل الإعلام المختلفة إلى تصوير القتلة على أنهم يقومون بمهامٍ إنسانية، والمجرمين بأنهم يدافعون عن القيم السامية ومفاهيم الخير المشتركة، ويحرصون على أن تكون صور القتلة جميلة ومنسقة، وزاهية وبهية، كي يقتدى بهم الآخرون، ويعمل مثلهم باقي أبناء شعبهم، وفي الوقت نفسه حتى يلق القتلة من مجتمعهم ومن أبناء شعبهم كل تقديرٍ واحترامٍ، وإشادةٍ ومدحٍ وتكريم، الأمر الذي من شأنه أن يجعل كتابهم وحملة الأقلام منهم ورجال الإعلام شركاء في الجريمة، وأحد أهم أركانها التي تزين وتحرض، وتكافئ وتقدر.

كل هذه الصور البشعة التي تعبر عن حقيقة العدو الصهيوني ظهرت بجلاءٍ قاتمٍ ووضوحٍ أسودٍ حاقدٍ خلال الانتفاضة الفلسطينية، التي اختصرت صورة العدو الصهيوني الحاقد الغادر، القاتل المجرم، الذي يظن أن النصر بأفعاله حليفه، وأن المستقبل بجرائمه له، وأن الشعب الفلسطيني سيخضع له وسيستنيخ، وسيقبل بفتاته، وسيرضى بحسناته، ولن يرفع العصا في وجه ثورةً، ولن يستل خنجره انتفاضةً، ولن يدوس بعجلات سيارته وأقدامه أجسادهم ثأراً وانتقاماً.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 55 / 2178525

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقلام الموقف  متابعة نشاط الموقع د.مصطفى اللداوي   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

11 من الزوار الآن

2178525 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 11


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40