الجمعة 12 شباط (فبراير) 2016

الانتفاضة و”التغليف” و”القيود المُتنفِّسة”!

انتفاضة الفدائيين
الجمعة 12 شباط (فبراير) 2016 par عبداللطيف مهنا

ترعب “استراتيجية الانفاق” الفلسطينية مستعمري المستعمرات المحيطة بقطاع غزة المحاصر. لطمئنتهم زارهم نتنياهو واعداً اياهم بأن حكومتة تعد مشروعاً لتغليف كامل الكيان الصهيوني “بجدار أمني” لحمايته ممن وصفهم ب”الوحوش الضارية في محيطنا”. تحدث عن جدار تقرر على طول الحدود مع الاردن، مثيلاً لما تم على الحدود مع مصر…قال لهم: “سيقولون لي ماذا تريد أن تفعل ؟ هل تريد أن تغلِّف البلد بسياج وجدران وعقبات…واقول لهم دون تردد نعم”، وغادرهم تاركاً لهم سؤالاً لا من جواب لديهم عليه هو: وماذا لو حفر الفلسطينيون الانفاق تحت جدرانك وسياجاتك وعقباتك؟!
“استراتيجية الانفاق” ليست هم الصهاينة الوحيد هذه الأيام، بل هى اضافة على الحساب لهموم راكمها العناد النضالي الفلسطيني، وعلى رأسها ما يدعونه “ارهاب الأفراد”، كآخر توصيفاتهم للانتفاضة الفلسطينية الراهنة، هذه التي جعلت من الأمن مسألةً شخصية بالنسبة لكل فرد في تجمُّعهم الاستعماري الاستيطاني، واصبحت مسألة مواجهتها مثار جدلهم وخلاف اجتهادات بين مستوويهم السياسي والأمني، يبدو أنهم الآن يقتربون من محاولة جسره، وهو ما سنعرض له لاحقاً.
منذ اندلاع الانتفاضة وحتى الآن، لايزال الصهاينة يتعاملون معها بردة فعل المتفاجىء المرتبك، وعقلية الحاقد المنتقم، وسياسة الحائر المسقط في يده، ذلك لعجزهم عن وئدها، ويأسهم من قدرتهم المنظورة على ايقافها، لاسيما وهم لا يواجهون تواصلاً لإيقاعاتها النضالية اليومية ومحافظتها على ذات السوية فحسب، بل يلحظون ارهاصات لتطور وتعدد وتعقُّد ما تبتكره من اشكال وأدوات نضالية في مواجهتهم…على مدى الأشهر الخمسة من عمرها، لم يحصد انفلات آلة بطشهم الهائجة وعتوُّهم الدموي المتوحِّش إلا فشلاً في فل ارادة فتية وفتيات صمموا على مقارعة عدوهم. عدو هو إلى خبثه يجتمع له فجورالقوة وانتقام الحاقد، وفوقهما رعب المجرم الذي تخيفه عاقبة ما اقترف، وبالتالي يقلقه مجرد وجود ضحيته…ولأنها انتفاضة عصية على الاخماد يفقد الصهاينة توازنهم…
كل فلسطيني الآن يلتقونه في الشارع هو مشتبه به، ومشروع شهيد إذا ما وضع يده في جيبه أو اقترب منهم. الشهداء يرتقون إلى الخلود يومياً ويتم اعتقالهم بعد استشهادهم، أما الجرحى ولأسرى فحدِّث ولاحرج، الاعتقالات بالجملة والمفرَّق. سمَّنوا معتقلاتهم فبات فيها الآن مايزيد على الستة آلاف، اضافوا اليها 450 طفلاً، و29 معتقلةً، منهن 11 قاصرات تتراوح اعمارهن بين الحادية والسابعة عشرة…حتى الآن مر عليها من الفلسطينيين 800,000…ما الفارق، فلسطين كلها باتت معتقلاً وكل فلسطينييها معتقلون.
منذ البدء لاقوا الانتفاضة بزيادة مناسيب التقتيل والتنكيل والانتقام والتعاون الأمني مع اجهزة “اوسلوستان” الدايتونية لوقفها، وإقله محاصرتها، وكله مع تسريع محموم في وتيرة التهويد…وإذ حصادهم لوئدها كان الفشل، نأتي إلى ما اشرنا اليه من اختلاف عندهم في الاجتهادات في مواجهتها قلنا أنهم قد اقتربوا من جسره. إنه ما بشَّر به الجنرال يوآف مردخاي، الذي وصفه صائب عريقات مؤخراً برئيس “فلسطينه” الفعلي، من اعتمادهم خطة لرشوة الفلسطينيين للتخلي عن انتفاضتهم، تقضي بالتصريح لثلاثين الفاً من العمال في الضفة بالعمل داخل المحتل في العام 1948! بمعنى العودة إلى تبني وصفة نفتالي بينت المبكرة بعيد اندلاع الانتفاضة لايقافها، القائلة ب”توسيع نطاق ادخال عشرات الألوف من الفلسطينيين في دائرة العمل في اسرائيل لتجنُّب انحرافهم نحو المشاركة في نشاطات الانتفاضة”! وكله بالطبع مروراً ب”الشاباك” وبعد موافقته على من سيسمح لهم. مثله ما طالب به بعده رئيس الأركان ايزنكوت، وقال بمثله مؤخراً وزير الحرب يعلون…خطة مردخاي يدعونها ب”القيود المُتنفِّسة”…اضطروا لأن يتناسوا أن عمليتين فدائيتين نُفذتا حتى الآن داخل المحتل عام 1948 ومن قبل شهيدين يعملان في ظل قيود لم تك تختلف كثيراً عن مثل هذه “القيود المُتنفِّسة”!
إلى جانب مواصلة التقتيل أولاً، و”التنسيق الأمني” الدايتوني ثانياً، ورشوة “القيود المتنفِّسة” لاحقاً، يأتي دجل مؤتمرات الحلول الدولية الملَّوح بها، والتي هى حتى ولو عقدت فلن تكون من غير جنس سلفها “انا بولس”، أو سائر الهمشرات الفرنسية التي تطوى عادةً قبل صياح الديك الأميركي، أو كل هذا الضحك على الذقون المنهزمة واللعب الخبيث في الوقت الضائع…ما يريده الغرب، ودائماً، هو تقطيع للوقت بالتهدئة وخفض التوتر، ومنع انهيار السلطة، وكله لأجل عيون اسرائيله ويخدم استراتيجيتها التهويدية.
لا التقتيل ولا “التغليف” ولا “قيودهم المتنفسة” سوف توقف انتفاضة، أو تمنع مقاومة هى مسألة وجود بالنسبة لشعب ليس لديه ما يخسره. وهنا، تصل المفارقة حدود الكوميديا السوداء عندما يتلقف الأوسلويون حديث المؤتمرات، أو يصفِّقون لهمهمات بان كي مون التي لا تعبر عن صحوة ضمير، ولا يأخذها أحد على محمل الجد لسرعة عودتة عنها عادةً إن لزم الأمر، ثم أن مثله ما كان ليجروء على ما همهم به لولا أنه يعد سنوات ولايته الأخيرة…ويكتمل المشهد عندما نسمع رئيس السلطة في لقائه مع الصحفيين في بيت لحم يقول: “التقيت كيري 42 مرة، علاوة على مئات المكالمات الهاتفية..لكن دون جدوى”. وإذ يرجِّح عدم قدرة فرنسا على “فرض موقفها” على الولايات المتحدة، ذكَّرهم بأنه قبل 17 عاماً في “واي رفر” قد قبل بالولايات المتحدة، التي هى “ليست بنت عمي أوخالي”، حكماً “لكن اسرائيل لم تكن تريد شاهداً من أهلها”…ومع هذا، فهو “سيتابع ويلاحق” حديث المؤتمرات…ويواصل التنسيق الأمني!!!

- انتفاضة الفدائيين

دخلت الانتفاضة الفلسطينية شهرها الخامس. تجاوزت مرحلة بدايات رافقتها حيرة المحتارين في اختياراتهم لمسمياتها وتوقُّعاتهم لمآلاتها. أهبة أم انتفاضة؟، أمحدودة أم شاملة؟ استخبوا أم ستستمر؟، إلى ما هنالك من الأسئلة التي نعتقد أنها قد اجابتهم الآن عليها. في البدء، قيل الكثير في ظروف اندلاعها، ومثله عن موازين القوى المختلة، وما لا يصعب ملاحظته من مرحلة تأتي كافة رياحها وطنياً وقومياً ودولياً بما لاتشتهي سفنها. ومنه، قدرة وانفلات آلة بطش عدوها ووحشيته اللامحدودة، وعاهة اوسلوية ساحتها، وسائر كل هذه الظروف بالغة القهرية وشديدة التعقيد، التي يواجهها واقع شعب ظهره إلى الحائط ومستفرد به، وكل ما هو المعلوم وما لسنا هنا بصدده.
قلنا حينها، سمُّوها ما شئتم، فما هى إلا محطة نضالية من محطات تترى منذ بدء الصراع وإلى أن يحسم، أي لها لاحقها ولاحقه في مسيرة كفاح مديد لشعب مناضل اسطوري الصمود ومذهل التضحيات، وابتكاراته للمستجد من اشكال نضاله تظل المدهشة والمفاجئة والمتوائمة دوماً مع لحظته الكفاحية والمتناسبة بالضرورة مع ظروفها القاسية وتعقيداتها الصعبة، وحيث لايحكمها ولن يحكمها إلا قانون واحد هو: ما دام هناك احتلال فستكون مقاومته.
نعم، قدَّمت الآنتفاضة حتى الآن أكثر من 173 شهيداً ومئات الجرحى ومثلهم من الأسرى، وبالمقابل خسر المحتلون أكثر من واحد وثلاثين قتيلاً وعشرات المصابين، لكنما في ظل موازين القوى المختلة، ولطبيعة العدو وهشاشة وجوده المصطنع، وسائر ما بيَّناه آنفاً، تميل الكفة لصالح الفلسطينيين لا لعدوهم، والأهم منه أن هذه الانتفاضة حتى الآن قد حققت من المنجزات واحدةً هى مما لا يُقدِّر إلا عدوها وحده مصيريتها و لا غيره يشعر بمدى خطورتها بالنسبة لوجوده، ألا وهى ارباكها وهزها لمرتكز وعامل رئيس لاستمرارية وبقاء كيانه الغاصب، وهو أمنه، إلى جانب المشهود من تأثير ذلك على اقتصاده، وقد لايقل عنه أنها قد ارغمته على ايقاف عملية تقسيمه للأقصى زمانياً ومكانياً، ثم أنها قد اعادت القضية، رغم كل اسباب التناسي متعدد الدوافع والتوجهات، عربياً ودولياً، إلى واجه الأحداث المزدحمة شاشتها هذه الأيام بكل ما من شأنه أن يسهم فيما يدفعها جانباً ويغطي عليها.
كل ما يبدر عن الصهاينة اليوم اتجاه ما يسمونها “انتفاضة السكاكين” لايعكس إلا ارباكاً ورعباً وتوجساً من آتيها، يزيد منه تزايد تحوُّل السكاكين إلى رصاص وتواصل استخدام هذين وثالثهما الدهس جنباً إلى جنب، وما قد تأتيهم به من جديد بوادر تطور العمليات الفردية إلى عمليات الخلايا مسبقة التخطيط ومعقدة التنفيذ، كما هو حال عملية باب العمود المقدسية الأخيرة . وزيرهم اوري اريئيل يصف الوضع الأمني للصهاينة في الضفة بأنه “لايطاق”، ويدعو للمزيد من التهويد وقمع الفلسطينيين…يزيد من هذا الارباك والذعر ما يضاف اليه مما يمكن تسميته برعب الأنفاق، حيث يخاف مستعمرو مستعمرات ما يطلقون عليه “غلاف غزة” أن يخرج لهم المقاومون من تحت الأرض، لدرجة أنهم باتوا يتخيلون سماع الحفر تحت اقدامهم فيستنجدون بسلطاتهم التي تهب لفحص التربة من حولهم للتأكد مما يتخيلون، وأن تعلن أنها قد بدأت في تدارس مسألة ابتكار الممكن من “عقبات” في وجه هذه الأنفاق الزاحفة.
لذا فإن عملية فدائي حاجز مستعمرة “بيت إيل”، الحاجز العسكري القابض على انفاس رام الله، الشهيد البطل أمجد السكري، كانت بمثابة النقطة التي افاضت الكأس الصهيوني ودفعت المحتلين لحصار المدينة وسلطتها واقفال مداخلها، والتصديق علناً على مقولة صائب عريقات من أن “يوآف مردخاي، منسق شؤون الحكومة الإسرائيلية في الضفة الغربية، بات الرئيس الفعلي للشعب الفلسطيني”!
قبل العملية لم يسمع الصهاينة بمثل ما سمعوه من تأكيدات الأوسلويين المتكررة على المواظبة على التعاون الأمني معهم…تصريحات ماجد فرج مثلاً وتثنيات رئيس السلطة عليها، اضافة لترداد الأخير لما ردده مراراً من أن جانبه الفلسطيني، فيما يتعلق بالتزاماته الأوسلوية، يقوم “بواجبه على أكمل وجه”، لكنما المحذور، وما له دلالاته، والذي لطالما خشوا وقوعه، وكانوا قد تحسبوا له بعيد اندلاع الانتفاضة ، وحذَّرتهم اجهزتهم الأمنية مراراً منه، قد وقع…كان جديد الانتفاضة في هذه المرحلة، وهو:
رقيب أول في شرطة السلطة الخاصة، مرافق لرئيس نيابة رام الله، يستخدم سيارة من يرافقه، وبطاقة ال”vip”، التي يخص بها الاحتلال قيادات السلطة للتنقل، ليقتحم حاجز “بيت إيل” المسمى شعبياً “حاجز الشخصيات المهمة جداً”، مستعملاً في هجومه على المحتلين سلاحاً يفترض أنه خاصاً بشرطة دايتون، ويردي به ثلاثةً منهم قبل أن يستشهد…كان قبل ساعتين فحسب قد غرَّد على حسابه في “الفيس بوك” بما يلي: “صباحكم نصر بإذن الله” وتلى الشهادتين…
لا حصار رام الله، ولا التهويد والتنكيل، وحتى الترانسفير، يثني سلطة “اوسلوستان” عن مواصلة “مقدسها”، أو تعاونها الأمني مع المحتلين، وايقاف مطاردتها للمقاومين، ومحاصرتها للانتفاضة، أو الاقدام على خطيئة من مثل اعتقال البروفيسور عبدالستار قاسم. إنه ما يؤكدونه يومياً…وصلوا حد أن يبرر عباس زكي احجامهم عن التوجه لمحكمة الجنايات الدولية بأن الأمريكان هددوهم إن هم فعلوا بوضع كافة مسؤوليهم على قائمة الارهاب!
…بعد عملية بطل حاجز “بيت إيل”، الشهيد امجد السكري، جائتهم عملية ابطال قباطية، الشهداء احمد زكارنة، واحمد ابو الرب، ومحمد كميل في القدس. الفردية غدت خلايا، والسكاكين افسحت مكاناً للرصاص.على الصهاينة الآن أن يسموها “انتفاضة الفدائيين”…



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 66 / 2165427

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع عبداللطيف مهنا   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

14 من الزوار الآن

2165427 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 14


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010