الجمعة 8 كانون الثاني (يناير) 2016

جردة حساب عريقاتية!

الجمعة 8 كانون الثاني (يناير) 2016 par عبداللطيف مهنا

سبق لي وإن كتبت بانني لست مغرماً بالتوقف أمام تصريحات تصدر تباعاً عن كبير مفاوضي سلطة اوسلوستان الفلسطينية تحت الاحتلال، وأحد رموزها، الدكتور صائب عريقات، لاسيما تلك التهديدية والوعيدية منها.

ذلك مني، وهو ما نوَّهت به في حينها، لأنها، بالإضافة إلى كونها المحكومة بتوجُّهها ومنطقها ولكنتها وحدودها الأوسلوية المعهودة، تظل كعادتها الممنوعة من الصرف، أو التي لا تقبض أصلاً ممن هو يوجُّهها إليهم، وهما طرفان: الأول الصهاينة، الذين لا ينفك يحاورهم ولو على الهواء إن لم يتسن له ذلك سراً، و“مجتمعهم الدولي”، الذي على اريحيته يعلِّق مصير مسيرته السلمية الافتراضية، والتي يختصرها بمقولته الشهيرة “المفاوضات حياة”. والثاني، الساحة الفلسطينية لهدف استهلاكي وايهامي لم يعد له، لاسيما في راهنها المنتفض، من مردود أو جدوى.

بيد أنني احياناً اجد نفسي مكرهاً، أو تجبرني عجائب المفارقات العريقاتية التي لا ينضب معينها، على التوقف امامها، نظراً لأنها، وفي كل حالاتها تظل لسان حال توجُّه انهزامي كارثي هو، من أسف، لازال قائماً ومستمراً. كما أنها تعبِّر أيضاً عن حال سلطة بلا سلطة في ظل احتلال، حبيسة في قفصها الأوسلوي، ممسكة، شئنا أم ابينا، بالقرار الوطني الرسمي معها في محبسها الذي لا تريد مبارحته.

في مؤتمر “ميد 2015” في روما قدَّم عريقات ﻟ“مجتمع نتنياهو الدولي” جردة حساب استجدائية مستثيراً نخوته وحاضاً إياه على القيام بمسؤليته التي تستوجبها عنده رعايته لمسيرته السلمية الافتراضية، والتي لم يعد يذكرها بالخير سواه، قال: “لقد مر 23 عاماً وأنا اعد الفلسطينيين بالحرية والكرامة، ما الذي حققته لشعبي؟! بدل مئتي ألف وحدة استيطانية يوجد الآن 600 الف. ورئيس الوزراء الإسرائيلي يفاخر بالتأكيد لن تكون هناك دولة فلسطينية في عهدي”.

جردة الحساب هذه لم تك من جاردها لأول مرة، وسمعنا بمثلها مراراً من رئيس سلطته، وهى في كل الحالات اعترفات غير مقصودة بكارثية نهج تفريطي، وأقله، بفشل توجُّه عبثي يترتب على اصحابه منطقياً، أو في الحالات الطبيعية، الاعتذار من شعب عبثوا بقضيته على امتداد 23 عاماً، والاعتزال، أو استئذانه بالرحيل، مع مطالبته بمحاكمتهم، وهو على أي حال قد حكم عليهم، ومعه حكم التاريخ عليهم سلفاً... وكعادته أيضاً، وازى عريقات شكاواه المريرة لمن هم لا يلتفتون اليها عادةً بكيل من تهديداته المعتادة، والتي لم تك لتعنهم بأكثر ما عنتهم شكواه. لوَّح لهم هذه المرة بفزاعة رائجة عندهم هذه الأيام هى الإرهاب. قال لهم “إذا سقط الفلسطينيون المعتدلون”، الذين هم نحن، فإن الفراغ الذي سيتركه هو وابومازن سيملؤه “تنظيم الدولة”، وليخيفهم أكثر حذَّرهم بأن أول ما سيفعله هذا البديل هو أنه “سيبدأ بقتل الإسرائيليين”، ونبههم متسائلاً: و“من من بين مئات ملايين العرب سيعارض ذلك”؟!

في ردهم على عريقات سرّب الصهاينة ما أعترفت مصادر السلطة به لاحقاً، وهو عقده للقائين سريين مع سلفان شالوم نائب نتنياهو، تما في شهري يوليو واغسطس على التوالي في كلٍ من عمان والقاهرة وبرعاية من المخابرات الأردنية والمصرية. في اللقاء الأول، اقترح عريقات مفاوضات سرية حول ترسيم الحدود، والإفراج عن الدفعة الرابعة من الأسرى القدامى، ووقف الاستيطان، وتنفيذ المحتلين لالتزاماتهم للعودة لطاولة المفاوضات. وفي الثاني، ابلغ شالوم عريقات برفض مقترحاته... ولم يرفضوها فحسب، بل إلى جانب الإعدامات الميدانية اليومية على الحواجز والطرقات، اعلنوا عن الشروع في بناء 55548 وحدة تهويدية لتوسيع مستعمراتهم في الضفة، وتحويل صغرى منها إلى كبرى، وبناء مستعمرتين جديدتين، هما “جفعات ايتام” جنوب بيت لحم، و“ترونوت بروش” شمال وادي الأردن، ومن هذه الوحدات 12 الف وحدة في القدس، والبلدة القديمة بالذات، لوصلها ﺑ“معالية ادوميم”، و8300 وحدة في المنطقة المسماة أوسلوياً “a1” القريبة من القدس، ستقسم الضفة نهائياً إلى قسمين وتنهي وهم “حل الدولتين” عند عريقات، واجمالاً أكثر من نصف هذه الوحدات التهويدية المزمع بنائها تقع شرقي الجدار التهويدي العازل، ولاحقاً تم الإعلان عن مصادرة خمسماية دونم جنوبي نابلس وضمها إلى المستعمرات هناك... فبماذا رد عليهم عريقات؟!

أخبرنا بأنهم قد اجتازوا كل الخطوط الحمر، لكنه لم يقل لنا كم عدد هذه الخطوط، وماذا فعل عندما اجتازوا أولها ليصلوا إلى ما بعد آخرها؟! وتوعَّد كعادته، وفي هذه المرة أنذر، بأنه وقبل نهاية هذا العام “سيكون هناك قرارات حاسمة وهامة، تتعلق بوقف كل اشكال العلاقات الأمنية والسياسية مع الاحتلال”... والعام انتهى، والقرارات لم تتخذ، وللأمانة هو لم يقل لنا أي عام يقصد... أما على ارض الواقع فلأول مرة تمارس السلطة بلا سلطة سلطتها في ظل الاحتلال، لكن فقط بتطوير تنسيقها الأمني معه لمحاصرة الانتفاضة إلى حماية حواجزه الأمنية مباشرةً، والمدهش أنه في حين يعتذر نتنياهو لأبي مازن لأن جنوده وهم يسرحون ويمرحون في رام الله لم يوفروا حرمة بيته، يقمع حرس الرئاسة المتظاهرين والصحافيين لإبعادهم عن حاجز “بيت إيل”، الذي حوَّلته الأجهزة الدايتونية بلباسها الرسمي والمدني، على طريقة المستعربين، إلى مربع أمني محرَّم على الملثمين ورماة الحجارة والصحافيين وسيارات الإسعاف... ومعهم قادة الفصائل المشاركين تظاهراً، أو ركوباً لموجة الانتفاضة عن بعد درءاً عن تنظيماتهم كلفة خوضها.

لا يعدل تصريحات وتهديدات عريقات وخطوطه الحمر إلا بيانات استنكارات الفصائل واحتجاجاتها ودعواتها للسلطة وأجهزتها ل“حماية شعبنا واحترام تقاليده”!!!



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 68 / 2165997

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع عبداللطيف مهنا   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

25 من الزوار الآن

2165997 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 23


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010