الجمعة 18 كانون الأول (ديسمبر) 2015

يا جماعات اللاعنف تعالوا إلى كلمة سواء

أوقفوا التنسيق الأمني وادخلوا في الانتفاضة
الجمعة 18 كانون الأول (ديسمبر) 2015 par منير شفيق

- يا جماعات اللاعنف تعالوا إلى كلمة سواء

لقد اندلعت الانتفاضة الثالثة وراح العدّو ينكشف ضعفاً وعزلة. وأصبح جاهزاً لهزيمة تصل إلى حدِّ فرض الانسحاب عليه من الضفة الغربية والقدس، وبلا قيد أو شرط واحد. فالجيش الصهيوني مهزوم في أربع حروب كبيرة، وباعتراف قادته: حرب 2006 في لبنان وحروب 2008/2009 و2012 و2014 في قطاع غزة. وقد تدهور وضعه القتالي إلى مستوى أصبح معه قوّة شرطة للحفاظ على احتلال القدس والضفة الغربية وحماية الاستيطان. ولم يعد جيشاً يكتسح الجيوش ويحتلّ من يقف أمامه بسرعة الدبابة. الأمر الذي جعل قوّته الصاروخية والجويّة والبحرية بلا قيمة عسكرية ميدانية ما دامت قواته البريّة قد اصبحت قوات شرطة. وهذا أمر يجعل استمراره في لعب هذا الدور مدمّراً له. ومن ثم يسمح لقائد عسكري استراتيجي قدير، وبعيد نظر، لو وُجِدَ، بأن يسعى لسحب الجيش من تلقاء نفسه من الضفة الغربية والقدس، ليبنيه من جديد ويُخرِجَهُ من حالة الشرطي. فالجيش في مأزق أمام انتفاضة شاملة.
والحكومة الصهيونية الراهنة أسوأ حكومة عرفها الكيان الصهيوني بالنسبة إلى مقياس مصلحته. فهي ضيّقة الأفق ومعزولة ومرتكبة أخطاء في إدارة الصراع والتعامل حتى مع حلفائها، أو حُماتها، أو مع الرأي العام العالمي. ومن ثم فإن الانتفاضة قابلة لتصبح انتفاضة تحرير وانتصار إذا ما أصبحت شاملة ومصمّمة على عدم التراجع مهما طال أمد الصراع وتصاعدت التضحيات.
أما الرأي العام العالمي ولا سيما الأوروبي والأمريكي فقد مال ميلاً ملحوظاً في مصلحة التعاطف مع الشعب الفلسطيني، والانزعاج من سياسات الكيان الصهيوني وارتكاباته الإجرامية المتعدّدة. الأمر الذي سيحوّله إلى ضاغط على الجاليات أو اللوبيات اليهودية في بلاده. مما يدفع الأخيرة لممارسة الضغوط على نتنياهو لينهي هذا الإشكال ولو بالانسحاب من الأراضي المحتلة عام 1967. وهو ما عليه إجماع دولي بأنها أراضٍ تحت الاحتلال غير المشروع، وكذلك ما ينجم عنه من استيطان أو أيّة تغييرات. طبعاً هذا لا يعني بالنسبة إلينا بأن الأراضي التي احتُلت عام 1948 وقام عليها الكيان الصهيوني ليست محتلّة بل مُغْتَصَبَة ويجب تحريرها من الناقورة حتى رفح. ولكن لكل حادث حديث بعد الانتهاء من تحرير القدس والضفة الغربية وإطلاق الأسرى وفك حصار قطاع غزة. طبعاً سيكون وضعاً جديداً حمّالاً لأوجه.
ويمكن أن يُضاف هنا ما أصاب العلاقات الصهيونية في عهد نتنياهو من سلبيات في علاقاتها بالدولة الأمريكية والدول الأوروبية. وذلك باعتباره عاملاً من العوامل التي تساعد على انتصار الانتفاضة. ثم زد عليه ما أصاب تلك الدول من ضعف على غير ما كان عليه الحال في العقود الماضية.
هذه العوامل ستجعل الكيان الصهيوني قابلاً للهزيمة أمام الانتفاضة الثالثة التي أخذت تتوّفر لها شروط القوّة والاستمرارية. ولم يبق إلاّ شرط واحد حتى يصبح الانتصار شبه حتمي إن شاء الله. وذلك الشرط هو نزول جماهير الشعب في كل المدن والقرى في القدس والضفة وقطاع غزة وتحت العلم الفلسطيني الموّحد لتعلن عصيانها على الاحتلال بل لتعلن أنها لن تتحمّل أكثر وستبقى في الشوارع إلى أن يرحل الاحتلال وتفكك المستوطنات ويطلق الأسرى ويفك حصار قطاع غزة.
هذا المشهد إذا ما تحقق لبضعة أسابيع فسوف يحرّك الرأي العام عربياً وإسلامياً وعالمياً وسيربك مواقف كل الدول وسيضع العدّو أمام خيار واحد هو الانسحاب أو الاستمرار في مواجهة انتفاضة شاملة أَجْمَعَ الشعب عليها وأَجمعت كل القوى والفصائل عليها وراحت تتصاعد مقاومات الشباب والشابات بالحجارة والمولوتوف والسكاكين والدهس.
هذا المشهد الأخير يتطلب أن تقتنع قيادة فتح، وتُقنع محمود عباس، أن النزول إلى الشوارع من خلال الشعب كله وبعصيان مدني سلمي يصرّ على رحيل الاحتلال وتفكيك المستوطنات وإطلاق الأسرى وفك الحصار عن قطاع غزة سوف يقلب الطاولة على حكومة نتنياهو، وسيغيّر مختلف المواقف العربية والإسلامية والعالمية، ولا سيما الرأي العام العالمي في اتجاه دعم الشعب الفلسطيني وانتفاضته من جهة، وحصار نتنياهو وإجباره على الرضوخ، وبلا قيد أو شرط، لأهداف الانتفاضة من جهة أخرى. فالأمر والحالة هذه لا يحتاج إلاّ إلى بضعة أشهر أو ربما بضعة أسابيع.
أما إذا استمرت سياسات محمود عباس لوقف الانتفاضة وعرقلتها، فلا بدّ من أن “يقتنع” بعد المزيد فالمزيد من التضحيات والمحاولات الشعبية للنزول الكثيف إلى الشوارع ليُفرض ذلك المشهد المطلوب فرضاً، أو توجد الظروف التي تفرضه فرضاً. لأن من غير الممكن أن يستمر الاحتلال وتهويد القدس واستشراء الاستيطان. وما ينبغي لهذا الحال أن يستمر. وهو ما تعلنه الانتفاضة منذ انطلاقتها وما تؤكده دماء الشهداء وما تقوله استمراريتها أكثر من شهرين ونصف. فالعناد والتصميم من جانب المقاتلين بالحجارة والسكاكين تصرخ بضرورة الارتفاع بالانتفاضة إلى أن تصبح شاملة تغلق بالجماهير المدن والقرى في وجه الاحتلال والمستوطنين.
إن استراتيجية إغلاق المدن والقرى بالعصيان المدني السلمي من خلال الشعب كله تضع كل المتباكين على دماء الشهداء بحجّة النضال السلمي كما تضع كل التجمعات التي تدعو إلى اللاعنف بالزاوية وأمام الاختبار الصعب.
فأمام الدعوة لانضمام مئات الألوف للانتفاضة وإغلاق المدن والقرى في وجه الاحتلال تكتمل الاستراتيجية التي ولّدتها تجربة المقاومة والنضال الفلسطيني وهي الاستراتيجية التي تحمل بُعدَها المُقاوِم الجبّار بالسلاح في قطاع غزة، وتحمل بُعدَها الشبابي المُقاوِم من نقطة الصفر وسلاحه الحجارة والمولوتوف والسكين والدهس، في القدس والضفة الغربية ثم بُعدَها الذي يصل إلى نزول الملايين للشوارع في عصيان عام، ثم دعم كل ذلك بالتأييد الشعبي في مناطق الـ48 وفي بلدان الهجرة والشتات.
من هنا لا مجال لمن يتحدثون عن اللاعنف من الأفراد والمنظمات غير الحكومية أن يلعبوا دور المُعوّق والمُثبط تحت حجّة اللاعنف أو التباكي على دماء الشهداء الزكية التي يجب أن يحنوا رؤوسهم أمامها. فها هي ذي الدعوة إلى العصيان المدني السلمي فلينضموا لها إذا كانوا حقاً يريدون رحيل الاحتلال، وإلاّ فإنهم لكاذبون ومنافقون، وليس عندهم غير الاستسلام للاحتلال.

- أوقفوا التنسيق الأمني وادخلوا في الانتفاضة

حققت الانتفاضة وهي تدخل شهرها الثالث مجموعة من الإنجازات التي لا يحق لأحد ألاّ يقدّرها عاليا، ويذهب باتجاهها إلى آخر الشوط، ولا يحق لأحد أن يقول، أو يفعل، ما يذهب في الاتجاه المعاكس للانتفاضة بهدف إنهائها وتصفيتها.
وتبدأ هذه الإنجازات أولا: بفرض التراجع، بعد عشرة أيام من انطلاقة الانتفاضة، على نتنياهو وسحبه قرار التقسيم الزماني للصلاة في المسجد الأقصى بين المسلمين واليهود. وهو ما أعلنه جون كيري بعد لقائه به تحت عنوان عريض عُرِفَ بالتفاهمات.
لقد أكد نتنياهو هذا التراجع من خلال إعلانه الحفاظ على “الواقع القائم” الذي يغطيه المصطلح القانوني الـ“ستاتيكو”. ولكنه احتفظ ببقاء السيطرة الأمنية الصهيونية داخل باحات المسجد الأقصى متمسّكا بالإشراف على زيارة غير المسلمين. الأمر الذي يُبقي المسجد وباحاته مُهدَّديْن بالتراجع عن هذا التراجع كما بمواصلة الانتهاكات التي تمثلها الحفريات تحت المسجد الأقصى.
ولكنه انتصار للانتفاضة ولو كان جزئيا ومؤقتا. ولعل أهميته تكمن في تقديم دليل ملموس على ما تحمله الانتفاضة من إمكان تحقيق الانتصارات. فمن الممكن أن نقول ضمن هذا الوضع “إن أول الغيث قطر”.
وثانيا: أن ردود الفعل لدى مجتمع الكيان الصهيوني وحتى جنوده تمثَّل بالخوف والرعب من ظاهرتَيْ الطعن بالسكاكين والدهس بالسيارات. فقد تواترت أنباء عن انخفاض الدوام في المؤسسات الحكومية بنسب ملحوظة وإلى انخفاض استخدام وسائل النقل العامة أو التنقل بالشوارع بنسب أكثر من ذلك بكثير. وهذه نتائج هائلة قياسا بتواضع عمليات السكاكين والدهس. الأمر الذي يسمح بالقول إن ما أنجزته الانتفاضة من هذه الزوايا على مجتمع الكيان الصهيوني، كان مهمّا جدا.
ثم ثالثا: يدل دخول الانتفاضة شهرها الثالث على أنها مصمّمة على المضيّ قدما مهما فعل نتنياهو.
وهذا ما يوجب أن تُلمس الآفاق الرحبة التي تتضمنها الانتفاضة إذا ما تواصلت وتوسّعت ولا سيما إذا ما تحوّلت إلى انتفاضة شاملة تتحقق فيها أوسع وحدة وطنية، ومن ثم تنتقل إلى مستوى غمر المدن والقرى بمئات الألوف من الجماهير ومن كل الأعمار، بحيث تنقل أجهزة الإعلام منظر شوارع المدن والقرى وساحاتهما مليئة بالجماهير التي ترفع العلم الفلسطيني وتعلن تحرير المدن. أي عدم السماح للاحتلال أن يدخلها إلاّ إذا أراد احتلالها شارعا شارعا وبيتا بيتا. وهو ما لا طاقة له به ولا قدرة لجيشه عليه. وإذا ما استمرّ هذا المشهد عدّة أيام، وبتصميم لا يلين، فسوف تقع حكومة نتنياهو في “حيص بيص” سواء أكان في معالجتها لمثل هذه الحالة غير القابلة للمعالجة، أم كان من جانب ما ستتعرّض له من ضغوط رأي عام عالمي، لا يستطيع أن يحتمل بقاء الاحتلال والمستوطنات أمام منظر هذه الحشود الجماهيرية، التي من حقها ألاّ تقبل بالاحتلال أو بالاستيطان أو ببقاء غزة تحت الحصار أو ببقاء الأسرى في الأسر.
هذه الاستراتيجية التي تتضمن عصيانا جماهيريا شاملا لكل مدن الضفة الغربية وقراها والقدس وقطاع غزة، مع ما يقوم به الشباب والشابات من أشكال مقاومة بالحجارة والمولوتوف والأكواع والسكاكين والدهس، سوف تفرض على الاحتلال أن يَنْدَحِر، وعلى المستوطنات أن تُفكّك وأن يُطلق الأسرى، ويرفع الحصار عن قطاع غزة، وبلا قيد أو شرط. أي بلا صلح أو اعتراف أو مفاوضات.
فزوال الاحتلال وتفكيك المستوطنات لا يقبلان التفاوض، ولا يجوز أن يطلبا مكافأة أو مقابلا لما ارتكباه من مخالفة للقانون الدولي، ولما اقترفاه من جرائم متعدّدة الأشكال.
من يستطيع أن يتخيّل هذه الاستراتيجية الشاملة في التطبيق وهي متوفرّة بأيدي الشعب الفلسطيني، إذ ما أسهل أن تنزل الجماهير بقضّها وقضيضها إلى الشوارع. وتعلن تحرير الأرض من الاحتلال والاستيطان والانضمام إلى انتفاضة، شريطة ألاّ تعترضها القوات الأمنية والسلطة الفلسطينية.
هذه الانتفاضة التي تؤكّد، بما لا يقبل الجدال، بأنها تحظى بدعم أوسع قطاعات الشعب الفلسطيني وهو ما أثبتته الجنائز وراء الشهداء أو ردود أفعال الأمهات البطلات، وهن يستقبلن استشهاد فلذات أكبادهن وسجنهم وإصابتهم بالجراح.
إن المشكلة الوحيدة أو المعوّق الوحيد أمام انتصار الانتفاضة وتحقيق الأهداف الأربعة: دحر الاحتلال وتفكيك المستوطنات، وإطلاق كل الأسرى وفك الحصار عن قطاع غزة، يتمثلان في موقف محمود عباس وإصراره على إرسال الأجهزة الأمنية التي زاد سعارها في الأسبوع الماضي، لمطاردة أبناء المقاومة والانتفاضة. وقد بلغت الاعتقالات العشرات، وراح عدد من الأبواق يشنون الهجوم على الشباب الذي يضحّون بحياتهم لمقاومة الاحتلال. وقد بلغ الأمر إلى حد إعفاء الاحتلال من جرائمه وإعدامه المُتَعَمَّد لعدد من المارة في الشوارع تحت حجّة أن الحياة أغلى، أو أن من غير الممكن انتصار الانتفاضة بهذه الأساليب.
وهم بهذا يضيّعون على الشعب الفلسطيني فرصة تاريخية في تحقيق انتصار على جيش متداع وعدّو معزول. ويكفي أن تحشد الجماهير سلميا في شوارع المدن والقرى ولا تبرحها حتى يرحل الاحتلال.
فإذا كان محمود عباس أو دعاة اللاعنف صادقين في موضوع النضال السلمي، فها هي الشوارع بانتظارهم لدعوة الشعب كله لينزل سلميا إلى الشوارع، ويغلقها في وجه الاحتلال ويعلن إصراره على عدم القبول باستمرار الاحتلال والاستيطان واعتقال الأسرى وحصار غزة. وهذا أمر بيد قيادة فتح إذا ما تعاونت مع حماس والجهاد والشعبية والديمقراطية وكل الفصائل والحركات الشبابية. أما الشعب فيتحرّق لأن ينزل إلى الشوارع وينهي الاحتلال.
فالتاريخ لن يعذر المُعوِّقين والمُثبِطين والذين يجهضون فرص التحرير: تحرير القدس والضفة وفك حصار قطاع غزة وإطلاق الأسرى، لينشأ الوضع الذي يفتح الآفاق لتحرير كل فلسطين من النهر إلى البحر.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 23 / 2165405

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع المراقب العام   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

15 من الزوار الآن

2165405 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 15


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010