الاثنين 23 آب (أغسطس) 2010

«معاريف» : اوباما اسقط عبّاس الى ارض الواقع

الاثنين 23 آب (أغسطس) 2010

المبعوث الخاص للرئيس باراك اوباما، جورج ميتشل هو بشكل عام رجل حذر، دقيق. يـُقلّ في كلماته كي لا يلتقط في حديث هراء، لا سمح الله، او ان يقع في الخطأ. حتى عندما حاول أن يشرح يوم الجمعة الخطوة التي اتخذتها ادارة اوباما للمحادثات المباشرة بين «إسرائيل» و«الفلسطينيين» محادثات ستبدأ بعد عشرة ايام في واشنطن، صاغ حديثه بحذر. ومع ذلك، لم يكن دوماً دقيقاً. لماذا الآن بالذات؟

سألوه، لماذا ليس قبل ثلاثة ايام أو بعد ثلاثة أيام؟ ما الذي حصل بالضبط فأتاح المحادثات في هذا الموعد؟ جوابه : «الاطراف اعترفت في أن هذا هو الوقت الصحيح». هكذا قال، بالجمع، «الاطراف». لو انه قال «احد الاطراف» لكان هذا اكثر دقة. وذلك لأن الطرف الوحيد الذي وصل الى الاعتراف بان هذا هو الوقت «الصحيح» هو الطرف الامريكي. طرف ميتشل، طرف اوباما. الطرف الذي ساعة ضبط الوقت خاصته ليست «شرق اوسطية».

ينبغي الأمل في أن تنجح المحادثات المباشرة ويضطر متنبئو السواد، لغرض التغيير، الى اكل قبعاتهم. حكمة صغيرة ان يكون المرء متنبئاً بالسواد، حين يدور الحديث عن مسيرة السلام «الإسرائيلية الفلسطينية»، وذلك لأن الفشل هو أهون الشرور اما النجاح فسيكون الشاذ لمرة واحدة، المفاجىء. ومع ذلك يجدر العجب : لأي غرض تفترض ادارة اوباما بان هذا هو «الوقت الصحيح»؟ لماذا يتحد «الإسرائيليون» والفلسطينيون، اليسار واليمين، محبو السلام وقارعو طبول «النزاع»، لماذا الجميع متحدون في موقفهم في أن الاحتمال طفيف جداً، والادارة مرة أخرى تصر على ان تفرض عليهم جدولها الزمني؟

السنتان اللتان مرتا منذ بداية عهد اوباما لا تعطيان سبباً يبرر آمالاً عظاماً. فقد بدأ اوباما ولايته بتعيين سريع لميتشل في منصبه وبعد ذلك تصدر المواجهة مع حكومة «إسرائيل» في موضوع الاستيطان. ورفع الفلسطينيين الى شجرة عالية، بخلقه توقعات ما كان يمكنه أن يحققها. بعد ذلك دفع محمود عبّاس من فرع الشجرة، واسقطه الى ارض الواقع. هذا هو الواقع الذي يفرض على «الزعيم الفلسطيني» التواجد في محادثات لا يؤمن بها، وذلك اساساً لأنه لا يمكنه ان يرفض لاوباما. غير أنه في غابتنا توجد الكثير من الأشجار، واوباما، بعد أن نزل عن واحدة منها، يصر على تسلق شجرة اخرى شجرة المحادثات المباشرة والاتفاق المنشود «في غضون سنة واحدة» كما قالت وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون. اوباما، مثل اوباما يؤمن بالمحادثات. وهو يرى المنفعة التي قد تنشأ عنها ولكنه يرفض ان يدرج في حساباته ايضاً الثمن الذي ينطوي عليه فشلها.

لا مجال للتنديد برئيس الولايات المتحدة على رغبته في احلال السلام بين «إسرائيل» وجيرانها. وقد بدأ ولايته بالهجوم على هذا الهدف وتمكن من التعلم من عدة اخفاقات. اوباما يفهم اليوم اكثر بكثير مما فهم في بداية الطريق، كم هو حيوي التعاون من جانب زعماء في العواصم العربية المعتدلة لدفع المسيرة السلمية الى الامام. وهو يفهم بانه سيتعين عليه أن يجلب السعوديين، وهذا لن يكون بالضرورة سهلاً. وهو يفهم مخاوف «إسرائيل» من مفاوضات مع «زعيم فلسطيني» ضعيف، وكذا تحفظ «الفلسطينيين» من مفاوضات مع «حكومة فلسطينية» تبدو لهم كحكومة هدفها الحقيقي هو تسويف الوقت. ما يخيل بأنه لا يفهمه بما فيه الكفاية، هو ان لعبة المحادثات المباشرة قبل اوانها هي لعب بالنار. وعند تقديم عرض كبير، مغطى اعلامياً، فان المرء يستدعي أزمة كبيرة، مغطاة اعلامياً ايضاً.

توجد مشكلة، وذلك لأن قطار المحادثات انطلق على الدرب، وفي المقطورة الأمامية يقود رئيس جدول زمنه لا يتوافق مع التطورات في «الشرق الأوسط». «إسرائيل» منشغلة بايران، «الفلسطينيون» منشغلون بالبناء البطيء للمؤسسات. المفاوضات ستزعج هذه المسيرة اكثر مما تدفعها الى الأمام.

اوباما ايضاً مشغول. بعد قليل توجد انتخابات. الحرب في افغانستان مستمرة، وكذا الأزمة الاقتصادية. قدرته على التأثير على زعماء «الشرق الأوسط» في الحضيض. وهو يتقدم كمن تملكه الشيطان فقط لأنه قرر منذ زمن بانه يجب عمل شيء ما، لأنه تعهد، لأنه عين مبعوثاً واطلق وعوداً، ولأن هذا هو المسار الوحيد السهل عليه في هذه اللحظة التقدم فيه. احمدي نجاد لم ينجح في جره الى المحادثات، وعليه فانه يكتفي بعبّاس. انتشار «حزب الله» لا ينجح في كبح جماحه، وعليه، فانه يكتفي بالمستوطنات. غير أن الحديث يدور عن تقدم تقرر حسب التوقيت المريح لاوباما وليس حسب ما تستدعيه التطورات الاقليمية. وعليه، فيمكن للرئيس ان يدشن لقاءً احتفالياً. بعد ذلك، على ما يبدو سيعلق. وستندلع ازمة. وقد يكون لها ثمن. في افضل الأحوال، معناها سيكون فقط تأخيراً اضافياً.

- [**المصدر : «معاريف» 23 اغسطس (آب) 2010*]



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 8 / 2165884

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع المرصد  متابعة نشاط الموقع صحف وإعلام   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

24 من الزوار الآن

2165884 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 24


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010