الجمعة 11 كانون الأول (ديسمبر) 2015

المغردون على بوابة رفح

الجمعة 11 كانون الأول (ديسمبر) 2015 par عيسى الشعيبي

بعد الإفلات من براثن حالة تردد قصيرة، والخلاص من حيرة معتادة لدى التوقف بين عناوين تتقافز على سلم الأفضليات، أكرهت نفسي الموزعة بين مواضيع ملحة، على تخصيص هذه الإطلالة لمسألة أعرف أنها لا تقع في نقطة مركزية من دائرة الاهتمامات العامة، إن لم أقل إنها لا تشغل بال رأي عام تستقطبه هموم محلية كثيرة، وتشغله تطورات إقليمية متسارعة، تتسابق مع نفسها على احتلال صدارة الصحف ومقدمات نشرات الأخبار المسائية.
ذلك أن ما نحن بصدده اليوم، مسألة من بين تلك المسائل الفلسطينية العديدة، التي لم تعد، بكليتها، تستحوذ على ذلك الحيز التقليدي السابق من اهتمام المشتغلين في المجال العام، وأعني بها معبر رفح البري، المغلق بإحكام شديد منذ نحو ثماني سنوات، حتى لكأن الوجع الفلسطيني، والحالة هذه، لم يعد يؤلم إلا أصحابه، حتى لا نقول إنه لم يعد يؤلم من الجسد المثخن بالانقسام إلا حيث موضع الألم ذاته.
مناسبة هذا الحديث الطافح بالحزن، أن بوابة السجن الغزي المقام في الهواء الطلق، قد تم فتحها ليومين فقط، بعد إغلاق دام نحو مئة يوم متواصلة، فاجتازه نحو 1600 إنسان، من بين نحو 23 ألفا احتشدوا على تلك البوابة الحديدية الصدئة. الأمر الذي فاقم حدة المعاناة، وزاد خيبات الأمل والخذلان لدى النفوس المعذبة، وعمّق نقمة “السجناء” على كل المتسببين بهذا الوضع اللاإنساني الذي لا مثيل له في أي نقطة حدود على أرض الله الواسعة.
بفعل هذه الحالة التي تقطر غضبا ومرارة، ناهيك عما تخللها من مشاهد إذلال على المعبر، غرد عدد من النشطاء الشباب في“هاشتاغ” تحت عنوان “سلّموا المعبر”؛ انتشر كالنار في الهشيم، واستقطب مداخلات غير مسبوقة من جانب آلاف المرابطين على منصات وسائل التواصل الاجتماعي، طالبوا من خلاله حركة حماس، القائمة بسلطة الأمر الواقع، الانسحاب من المعبر فورا، وتسليمه لحكومة التوافق، طالما أن ذريعة هذا الإغلاق، الذي يبدو بلا نهاية، متمثلة في سيطرة “حماس” على المنفذ البري.
رداً على هذه الحملة الشبابية، شككت حكومة الظل الحمساوية بدوافع القائمين على هذا “الهاشتاغ”، وقالت إن الضغوط يجب أن تتوجه إلى غيرها، سواء في مصر أو السلطة الوطنية أو إسرائيل. وعندما ازدادت حملة “سلّموا المعبر” اتساعاً، قالت “حماس” إن ذلك يحرف الأنظار عن دعم الانتفاضة في القدس، وأعربت عن استعدادها لتسليم المعبر إلى وكالة “الأونروا” مثلاً، أو إلى هيئة الصليب الأحمر، أو أي جهة أخرى، عدا تسليمه إلى الشركاء في بقية الوطن.
ولعل السؤال الذي يقفز إلى المقدمة، هو: ما الذي تجنيه “حماس” من هذا التمسك بمعبر حدودي مغلق على مدى سنوات كالحة من حصار ظالم، تسبب به انقلاب دموي على الشرعية في القطاع، غير استمرار هذه الحالة المزرية إلى أجل غير معلوم، طالما أن الجانب المصري، الذي لا يضيره الإغلاق أبدا، يرفض التعامل مع جهة غير رسمية، تعاديه على رؤوس الأشهاد؛ تختطف القطاع، وتملي نفسها على المعبر بالقوة؟
غير أن السؤال الأكثر التباساً هو: ما الذي تجبيه “حماس” لنفسها من وراء استمرار هذه الحالة المشينة؟ وكذلك، ما هي اعتباراتها الوطنية والأخلاقية والإنسانية؟ هل أدى ذلك إلى تحسين وضعها السياسي ورفع من مكانتها؟ هل أكسبها مشروعية إضافية وزاد من شعبيتها، أم أنه فاقم عزلتها، وشدد حصارها السياسي على نحو أمرّ وأدهى، وجعلها في أنظار نحو 1.8 مليون مواطن محروم من حقه الطبيعي في التنقل، المسؤولة مباشرة عن معاناتهم الرهيبة؟
وأحسب أن ما يجري في معبر رفح، الذي تحكم “حماس” سيطرتها المجانية على بوابته الشرقية من دون أي عائد، هو مثال تطبيقي على ما يعرف بالعدمية السياسية، التي لا طائل من ورائها؛ وأن هذا العناد غير المبرر، وكل هذه المكابرة في المحسوس، هما الشاهد بعينه على الافتقار إلى المسؤولية، ناهيك عن عصاب العقلية المغلقة على نفسها، تلك التي لا تهمها كلفة الفعل الطائش، وليست معنية بتبعاته مهما كانت شديدة الوطأة عليها، طالما أنها قادرة على القيام بهذا الفعل، وتستطيعه في أي مكان أو زمان، وبعد ذلك فليحدث الطوفان.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 41 / 2165610

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

16 من الزوار الآن

2165610 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 16


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010