السبت 21 تشرين الثاني (نوفمبر) 2015

«إسرائيل» ومستجدات الزمن العربي

السبت 21 تشرين الثاني (نوفمبر) 2015 par عوني فرسخ

غداة انتصار «إسرائيل» في يونيو/حزيران 1967 نقل عن دايان قوله: أنا أراهن على جنرال اسمه الزمن، مقدراً أن يؤدي الانتصار العسكري المبهر إلى هزيمة سياسية عربية تكرس الهيمنة الصهيونية على الإقليم العربي، متجاهلاً ما عرفت به الأمة العربية تاريخياً من قدرة فذة على النهوض من الكبوات، وتطهير أرضها من دنس الغزاة.

وفي مساء اليوم الرابع من «حرب الأيام الستة»، خاطب عبد الناصر الأمة العربية معلناً تحمله المسؤولية الكاملة عن الهزيمة، وتنحيه عن جميع مناصبه، وانضمامه للشعب في مقاومة الغزاة. وسرعان ما انتفضت جماهير مصر رافضة تنحيه، ومصرة على مواصلة الكفاح بقيادته. وكانت انتفاضة وطنية تلقائية، حسبما أكد المراسلون الأجانب، كما ذكر الوزير البريطاني انتوني ناتنغ في كتابه ناصر “ص 479”.
وتحت ضغط الجماهير على مدى الوطن العربي، وإجماع أعضاء اللجنة المركزية للاتحاد الاشتراكي العربي، ومجلس الوزراء، تراجع عبدالناصر عن تنحيه، وليباشر متقوياً بالإرادة الشعبية بتطهير الجيش وإعادة بنائه. ليبدأ حرب الاستنزاف، معززة بالدعم السوفييتي والعربي، السياسي والعسكري والاقتصادي. فيما ردت «إسرائيل» بحرب استنزاف مضادة. وتواصلت حرب الاستنزاف ثلاث سنوات، فشلت خلالها «إسرائيل» في تحقيق أي نصر، برغم الدعم الأمريكي المتزايد على نحو طردي. فحين توقف إطلاق النار في أغسطس/آب 1970 كان الموقف المصري العام أفضل منه في أي وقت مضى. فيما كان الموقف «الإسرائيلي» العام أضعف منه في أي وقت مضى.
وهذا ما يتضح مما كتبته الصحيفة العبرية «دافار» في 14-8-1970 معقبة على مبادرة روجرز بقولها: “لقد أصبحت المبادرة الأمريكية وسيلة خلاص، لذلك ينبغي ألا نعرقل هذه المبادرة المباركة، ولنساعد الأمريكيين على إخراجنا من الوضع المعقد الذي نحن فيه بسبب حرب الأيام الستة وحرب الأعوام الثلاثة. وليس صحيحاً أن المصريين استُنزفوا ولذلك استجبنا للمبادرة الأمريكية”.

وبشهادة صحف العدو وخبرائه العسكريين، يتضح لمن لما تزل أبصارهم مسمرة عند الهزيمة العسكرية سنة 1967، أنه قبل رحيل عبدالناصر كان جيش مصر قد رد على الهزيمة، وأقام خط دفاع غربي القناة من الصعب اختراقه، وكان حائط الصواريخ قد انتقل إلى أبعد مكان يمكن أن يصل إليه في الشرق، وكانت القوات الجوية قد حصلت على أحدث طائرات، وكان عدد الطيارين قد تضاعف، والمطارات تكاثرت، ودشم وملاجىء الطائرات قد تم بناؤها، وتم وضع خطط عبور القوات المصرية إلى الشرق لتحرير سيناء - كما أوضح أمين هويدي في كتابه «حروب عبدالناصر» (ص 190 و191).

وفي الأيام الأولى لحرب 1973 حقق الجيشان المصري والسوري انتصارات مبهرة، ولكن السياسة خذلت السلاح، كما قرر محقاً محمد حسنين هيكل في «خريف الغضب». وبتوقيع اتفاقية كامب ديفيد سنة 1979 خرج النظام بمصر من الصراع العربي - الصهيوني. وقد نُقل عن مناحيم بيغن حينها قوله: “علينا أن نجعل العرب ييأسون من أنفسهم أولاً، ثم من الاتحاد السوفييتي ثانياً، ثم من الضغط علينا عن طريق الولايات المتحدة ثالثاً، وبعدها سيأتون إلينا لنفرض ما نريد”. وفي 6 يونيو/حزيران 1982 غزا شارون لبنان في عملية «السلام الجليل» ليصل إلى بيروت الغربية بعد أسبوع من المعارك الطاحنة مع قوات الحركة الوطنية اللبنانية وفصائل الثورة الفلسطينية. وللمرة الثانية خذلت السياسة الصمود البطولي على تخوم بيروت الغربية، بموافقة قيادة عرفات على خروج الفصائل الفلسطينية من لبنان، وجرى اقتراف مجزرة صبرا وشاتيلا بتنسيق مع قوات الغزو بإشراف شارون وإيتان. وتحت ضغط بيغن على الرئيس أمين الجميل وقع اتفاق 17 مايو/آيار 1983. وكان بيغن قد وعد التجمع الاستيطاني الصهيوني بسلام يمتد أربعين عاماً، وبإنشاء حلف بين «إسرائيل» ومصر ولبنان.
ولكن اتفاق الإذعان لم يصمد سوى عشرة شهور، عندما أجمعت القوى الوطنية اللبنانية على إلغائه في 6-3-1984، برغم وجود الجيش «الإسرائيلي» على بعض أرض لبنان. وكنتيجة للفشل المريع لما كان قد استهدفه بيغن من غزو لبنان أصابه الاكتئاب، وانزوى في شقته، ولم يعد يغادرها إلا نادراً حتى وفاته.
وقد غدت فلسطين المحتلة ميدان الصراع العربي - الصهيوني الأساسي منذ انتفاضة أطفال الحجارة في 9-12-1987. ومنذ اضطرت «إسرائيل» لسحب قواتها من الجنوب اللبناني، عدا مزارع شبعا وتلال كفر شوبا، في 25-5-2000 لم يعد باستطاعتها ترحيل أزماتها المتفاقمة بالعدوان على محيطها العربي. فضلاً عن تسارع سقوط أساطير تفوقها المدعى به، خاصة أسطورة «الجيش الذي لا يقهر».
وبالفشل في غزو لبنان عام 2006، وعلى قطاع غزة، المحاصر ومحدود الإمكانات، عام 2009، ثم 2012 تأكد افتقادها قوة ردعها، بل وغدت محكومة بالردع المتبادل في الشمال والجنوب. ولا أدل على فعالية مستجدات الزمن العربي من اضطرار الصهاينة للاحتماء بجدار الفصل العنصري الذي ،قاموه في الضفة الغربية المحتلة، وتحولهم واقعياً من رصيد استراتيجي لرعاة كيانهم الأمريكان والأوروبيين إلى عبء تاريخي عليهم.
ولكن «إسرائيل» ليست مشروعاً صهيونياً فحسب، وإنما هي الكيان الأكثر استعداداً وكفاءة لخدمة قوى الاستغلال الدولية التي تحرص عليها أشد الحرص. وفي ضوء هذه الحقيقة ينظر للاستقبال المسرحي لنتنياهو في الكونغرس الأمريكي، كأنه أحد أباطرة روما عائداً من معركة حاسمة، وليس الإرهابي الفاشل في قهر إرادة أطفال فلسطين.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 27 / 2165326

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع عوني فرسخ   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

22 من الزوار الآن

2165326 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 22


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010