الاثنين 23 آب (أغسطس) 2010

نصيحة لحكومة «حماس»

الاثنين 23 آب (أغسطس) 2010 par نضال حمد

قبل نحو سبع سنوات أجريت حواراً مع نورا انغدال الناشطة النرويجية المؤيدة للقضية الفلسطينية، وفي معرض إجابتها على بعض أسئلتي توخت الحذر الشديد، لكن أجوبتها كانت في مكانها، وساعدتني كإعلامي فلسطيني يعمل على الجبهة الاوروبية والغربية في فهم طريقة العمل وكيفية مواجهة الإعلام الصهيوني وشقيقه المتصهين في القارة العجوز.

عندما سألتها عن نصيحة تقدمها للفلسطينيين المحاصرين في قطاع غزة أجابت : «نصيحتي للفلسطينيين أن يكونوا نشيطين ودقيقين في مجال الإعلام، وتوخي الحذر في إعطاء المعلومة ونشر الخبر، أن تكون صحيحة وحقيقية والابتعاد عن الكذب وتزوير المعلومات أو تضخيمها، يعني إذا مات وأحد يعني واحد وليس 10. استعمال مصطلحات مقنعة وفسح المجال للمختصين في المهنة كي يمارسوا أدوارهم، يعني لا يكفي أن نقول إن الاحتلال سيئ، كل العالم يعرف أن الاحتلال سيئ، لكن الأهم أن تظهر للعالم لماذا هذا الاحتلال سيئ.. كذلك استعمال المنطق والإقناع والأرقام الدقيقة والصحيحة والإحصائيات، وأن يقيموا تجمعاً إعلامياً قوياً ومن المختصين والأخصائيين، لكي ينشطوا وينجحوا في عملهم وخاصة في مراكز القوى والقرار ووسائل الإعلام».

قبل أن أبدأ بسرد ملاحظاتي النقدية على أداء حكومة غزة، وبالذات شرطتها وأساليب تعاملها مع الغزيين، تذكرت كلمات نورا انغدال، لذا فأنا سأعمل بنصيحتها، وأكتب ما سمعت أوعما رأيت، وعما قرأت عن الأوضاع في غزة، دونما زيادة أو نقصان.

نشهد منذ فترة طويلة تجاوزات عديدة وكثيرة ومختلفة تقوم بها شرطة وقوات الحكومة في غزة. ولأننا بعيدون عن المكان فإننا نعتمد على شهادات الناس وما تتناقله وسائل الاعلام والمؤسسات الحقوقية الخاصة، وعلى بعض الأصدقاء الموثوقين الذين يعيشون في غزة.

لا بد لنا أن نذكر الذين يرتكبون التجاوزات بحق شعبهم بأن الشعب المحاصر في القطاع هو الذي انتخبهم وهو الذي يحمي المقاومة وهو الذي غفر لهم تجاوزاتهم يوم حسموا أمر القطاع لصالحهم. مع أن كثير من التجاوزات سواء التي حصلت في الميدان أو الأخرى التي تفوه بها قادة سياسيون من الحركة، هاجموا خلالها الآخرين من كل أصناف وفئات الشعب الفلسطيني، واعتبروها بداية حرب مقدسة على العلمانيين والزنادقة ..الخ. هذا الشعب الذي يدفع ثمن الصمود من حريته وحياته هو أيضاً الذي يتحمل الحصار بكل ابعاده ثمناً للحفاظ على الموقف الوطني الرافض للشروط والإملاءات الصهيونية، الأوروبية والعالمية، التي تشارك فيها الحكومة المصرية الكمبديفدية من خلال تشديد الخناق على القطاع، وتوفير بيئة غير صحية وغير عادية للاحتلال وأعوانه كي ينالوا من صمود شعب فلسطين في القطاع المحاصر، أملاً في كسر شوكته المقاومة.

هذا الشعب العظيم الذي صمد بالرغم من كل العذاب اليومي، سواء عبر الهجمات الصهيونية المستمرة ولو بتفاوت أو عبر إغلاق المعابر، وانقطاع الكهرباء، ونقص المياه الصالحة للشرب، ونقص الأدوية والأغذية، والحرمان من التحرك والسفر والتنقل بشكل عادي وطبيعي، مما أدى لوفاة واستشهاد مئات الفلسطينيين... هذا الشعب لا يستحق أن يعامل من قبل حكومة «المقاومة» بأساليب قمعية وفوقية وديكتاتورية وتمييزية. إذ لا يحق لأي كان سواء من كتائب القسام أو القوة التنفيذية أو الشرطة العادية أن يوقف المواطنين المتنزهين برفقة النساء لسؤالهم عن عقود زواجهم.

ولا يحق لهؤلاء أن يجبروا أي فلسطينية على ارتداء الحجاب، خاصة إذا كانت لا ترغب بذلك. ولا يحق لهم أن يمنعوا النسوة من تدخين الشيشة في المقاهي والمنتزهات القليلة المتوفرة على شاطئ القطاع. كما لا يحق لهؤلاء أن يعتدوا على الاعلاميين والصحافيين، كما حصل مؤخراً مع مراسل «الجزيرة»، ومع المسؤولين عن إذاعة «صوت الشعب» المحلية في القطاع.

كما لا يحق لهم أن يعتدوا على المتظاهرين والمحتجين على انقطاع الكهرباء في غزة. ولا أن يقمعوا احتجاجاً لأن القائمين عليه من تنظيم لا يتفق معهم في الرؤية والموقف من بعض القضايا. وهو تنظيم مقاوم مارس المقاومة منذ نحو خمسين عاماً، وقدم الغالي والنفيس لأجل فلسطين حرة ديمقراطية مستقلة، غير تابعة وذات سيادة. فمن العيب والعار أن يتم الاعتداء على رفاق أحمد سعدات وأبو علي مصطفى لأنهم احتجوا على انقطاع الكهرباء وعلى الطريقة التي تتم فيها معالجة هذه القضية من قبل حكومتي رام الله وغزة. فمن حق أي فلسطيني أن يحتج على أعلى رأس فلسطيني وإلا ما فائدة وجوده، فهو إن لم يتكلم ويرفع صوته يصبح مجرد شاهد زور، تماماً كما أعضاء اللجنة التنفيذية في منظمة التحرير الفلسطينية.

كيف يمكن لقوات الشرطة التابعة لحكومة رئيس الوزراء في غزة السيد اسماعيل هنية أن تعتدي على الطفل، نجل الشهيد وليد الغول، لأنه شارك في التظاهرة المذكورة.. مع أن الأخ أبو العبد هنية كان قبل أيام في زيارة لمنزل العائلة تخليداً لذكرى الشهيد الغول أحد أبطال الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في قطاع غزة.

موضوع التجاوزات في غزة أصبح حديث الساعة وعلى كل شفة ولسان، والردود التي نسمعها من قبل أركان «حماس» وحكومتها في القطاع غير مقنعة. وغير مشجعة. فبعض الناس أخذوا يترحمون على أيام حكومات «فتح» وشرطتها بالرغم من كل السيئات التي قامت بها. والشعب الذي يجرب ويختبر ويتعلم ويعرف الحكومات لا بد أنه لن يرحم يوم تقع الواقعة. لذا على الحكومة التي تعتبر حكومة مقاومة أن تحترم شعبها، وأن توقف التجاوزات التي يقوم بها أفرادها. وأن تحاسب القادة والكوادر المتزمتين والقمعيين الذين لا يرون في فلسطين سوى أنفسهم وأقرانهم وماعداهم فهو ملحد وكافر وعلماني وزنديق. إن هذه التجاوزات إذا لم تتوقف سوف تقضي على حكومة «حماس» اولاً ...

نورا انغدال عاشت في غزة أربع سنوات، وكانت رئيسة جمعية المساعدات الشعبية النرويجية هناك. وأجبرت الحكومة النرويجية على إعلان موقف يدين قتل الطفل محمد الدرة. لكنها لم تجبر حكومتها على ذلك إلا بعدما أبرزت إثباتاً يدين الصهاينة ويكشف ويفضح جرائمهم وتجاوزاتهم.

الآن والشعب الفلسطيني في غزة يعيش حصاراً أسوأ بكثير من الحصارات السابقة تذكرت واستحضرت من جديد سؤالي لنورا : لو كنت فلسطينية وعشت الذي عشته في غزة كفلسطينية ماذا كنت ستفعلين؟ .. وجاء جوابها كالتالي :

«بصراحة لا يمكنني الرد على هذا السؤال. سألني صديق فلسطيني عن سر بقائي في غزة على الرغم من صعوبة الحياة وجسامة الأحداث. في مراحل القتل والقصف والموت كنت أفكر داخل نفسي نعم بإمكاني الخروج من غزة. بعد 11 سبتمبر (أيلول) 2001 أقفل قطاع غزة بشكل كامل لمدة 5 أيام ولم يكن بمقدورنا أن نخرج حتى بالرغم من أننا نرويجيون. بصراحة أنا لا أريد أن أمثل دور فلسطينية أو ممكن أفكر مثل الفلسطيني. يعني أنا عشت 4 سنوات هناك، لكن لكل فلسطيني علاقة وطيدة بما يحدث غير متوفرة لدى. هذا سؤال تصعب الإجابة عليه».

لكل فلسطيني مقيم في غزة علاقة وطيدة بما يحدث هناك وغير متوفرة لدى الآخرين، لذا نقول للأخوة في حكومة غزة أنه لا فرق عند الإعلامي الوطني الملتزم الذي ينتمي لكل فلسطين بين حكومة رام الله وغزة إلا بمدى انتماء كل منهما لفلسطين والموقف من المقاومة، كما بقدرة كل منهما على احترام التعددية الفلسطينية وحرية الرأي والتعبير وحرية الحياة. أما فيما يخص القمع والتنكيل والاعتقالات والتجاوزات فكلاهما مدان مع فارق وحيد هو أن «حكومة فيّاض» في رام الله تقوم بذلك بناء على تنسيق مع الطرفين الصهيوني والأمريكي وذلك في خدمة مشروع تصفية القضية الفلسطينية، بينما الذي يحدث في غزة تقوم به جماعة متطرفة متزمتة، يبدو أنها الأقوى في حكومة غزة، وتعتقد انها بهذا تحافظ على انجازات ومكتسبات حققتها منذ حسمت معركة السيطرة على القطاع. على كل حال من يخطئ يتعلم وعلى الفلسطينيين أن يستفيدوا ويتعلموا من أخطائهم قبل فوات الأوان. وهذه هي نصيحتنا لحكومة «حماس» التي مازالت على الجانب المقاوم.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 52 / 2165400

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

12 من الزوار الآن

2165400 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 12


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010