الجمعة 13 تشرين الثاني (نوفمبر) 2015

فلسطين ابنة ملك الفراولة

الجمعة 13 تشرين الثاني (نوفمبر) 2015 par د.احمد جميل عزم

سليمان ليس ملك الفراولة، ولكنه كان يلقب بـ“ملك الفراولة”. ومملكته لم تأت من مزارعه للفراولة، وليس من متاجره واستيراده وتصديره لها، بل من كونه بائع عربة متجول للفواكه، عمره 22 عاماً، يحب بيع الفراولة بشكل خاص. يَعُدّ الشواكل القليلة، من تراكم البيع، المشوب بالقلق من عدم بيع البضاعة سريعة التلف.
صار منذ ستة أشهر، عند ولادتها، شأنه شأن أي أب محدود الدخل، يحسب ما سيستطيع أن يأتي به مساءً لابنته. ابنته التي ستسمع لاحقاً، وهي تسير إلى “حسبة” البيرة، ربما مروراً بمشتل وحديقة القيقب، ومدارس الفرندز، أنّ أباها، سليمان شاهين، الذي سمّاها فلسطين، وذهب في يوم اثنين إلى حاجز اسمه زعترة، على طريق نابلس، قتل عليه فلسطينيون عدة برصاص القتلة، كان يقف ليبيع هنا. هل ستربط بنت الشهيد، الذي حاول هذا الأسبوع دهس عناصر الاحتلال على الحاجز، بين تسميته لها باسم فلسطين، والفراولة، والزعتر (حاجز زعترة)، أم سيسحقها الفقر والعوز فلا تفكر؟! وهل سيخبرونها أنّه ليس بعيدا عن مكان وقوفه كان هناك مخفر شرطة للأمن الفلسطيني، قصفته قوات الاحتلال في الانتفاضة الثانية بالطائرات؟!
هل ستفكر أن أباها طوال ستة أشهر قبل وفاته، كان كل يوم ينادي “فلسطين”، وكان يقوم بتدليل “فلسطين” واللعب معها كل يوم، حتى تتعالى ضحكتها وتصهل!
هل ستسحقها الحياة، أم ستدرس وتفكر؟ وإذا فكّرت، فبمَ؟ بطريق والدها وطريقته في الخلاص الوطني والفردي، أم ستدرس وتفكر أكثر، مثلا، بضرورة مقاطعة البضائع و“الفراولة الإسرائيلية”، أم ببهاء عليان، الذي سبق أباها للشهادة؟!
لا أعرف، وربما أعرف يوماً، هل كان بهاء (22 عاما أيضاً)، وهو يصعد لحافلة مع صديقه بلال أبو غانم، الشهر الماضي، ليواجه المستوطنين، أو بالأحرى وهو ينظم سلسلة تضم 7 آلاف شخص يسيرون في حلقة يقرأون حول القدس، هدفه دخول كتاب “غينيس”، ثم يعلن أن تجمع “مبادرة شباب البلد” افتتح مكتبة من التاسعة صباحاً حتى التاسعة مساءً، عن خديجة الخالدي، التي تبرعت العام 1900 ببيتها العائد للعصر المملوكي، لتنشئ مكتبة عامة، وليأتي من دمشق أمين المكتبة الظاهرية، ومن بيروت رئيس تحرير مجلة “ثمرة الفنون” ليشاركا في التأسيس والإدارة؟! وأنّه كان هناك في القرن الثامن عشر ما لا يقل عن سبع مكتبات عامة، أو شبه عامة يفتحها أصحابها في القدس للباحثين والقراء؟ الأكيد أنّه كان يعلم شيئاً عن الواقع الذي أخبرني به أمين مكتبة في القدس، وهو يقول إنّ للإسرائيليين في القدس 34 مكتبة، وللفلسطينيين واحدة تأسست منذ ما قبل العام 1967، ولا تخصص بلدية الاحتلال سوى القليل جدا جدا لتزويدها بالكتب والاحتياجات. مكتبة لا يسمح لأهالي الضفة الغربية برؤيتها، مكتبة تموت.
على الأغلب أنه يعرف تاريخ “كَرْمَ” المفتي (أو كَرْم الخليلي) وواقعه، وأنّه في يوم كان هذا الكَرْم والقصر المحيط به، بيت عالم أزهري مرموق، من الخليل أصلا. كان هذا بعد العام 1711 بقليل، وكان لديه مكتبة عامة. والعام 1938، بُني متحف روكفلر على أرضه، قرب المدرسة الرشيدية. والأكيد أنه يعرف كيف تحولت الحديقة (الكَرم) إلى مكانٍ مهمل يؤمّه متعاطو المخدرات (شريحة أخرى من ضحايا الاحتلال). وأتساءل، وقد نعرف يوماً: هل كان بهاء يعرف أحمد مناصرة، الفتى ابن الثالثة عشرة، الذي انتشر فيديو الاعتداء عليه بعد صوره محاولا طعن محتلين؟ أم أنه تساءل بينه وبين نفسه: هل كان أحمد من بين من استفادوا من مكتبتي، ومبادراتي للقراءة؟ تماماً مثلما سأسأل نفسي، وسيسأل آخرون أنفسهم: هل كنت أشاهد سليمان (أبو فلسطين) يبيع الفراولة؟ هل اشتريتُ يوماً لأبنائي من فراولته؟ هل سألته عن سعرها قبل أن أشتريها؟
هل ستقول “فلسطين” يوماً، أنا وخليل الوزير (أبو جهاد) لاجئان من المدينة ذاتها (الرملة)؛ وأننا من دون احتلال كنا سنكون هناك، أو نذهب إلى هناك؟ وتتساءل: لو لم يكن المشروع الصهيوني، هل كانت عائلة مناصرة ستبقى في الخليل، وهل كان بهاء سيكون قيّماً للمكتبة الخالدية في القدس، أو في متحف القدس (روكفلر)، وأحمد لاهياً في حديقة الكرم، أو قارئاً في مكتبة، أو متحف، يشرف عليهما بهاء؟!



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 74 / 2177869

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع احمد جميل عزم   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

12 من الزوار الآن

2177869 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 13


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40