الجمعة 6 تشرين الثاني (نوفمبر) 2015

رسالة إلى قيادات م.ت.ف

الجمعة 6 تشرين الثاني (نوفمبر) 2015 par منير شفيق

أصبح من الضروري أن توّجه رسالة إلى كل الذين أيّدوا مسار اتفاق أوسلو، ولا سيما إلى الذين أصرّوا عليه بعد استشهاد ياسر عرفات، ومضوا مع محمود عباس في مسار التنسيق الأمني والمفاوضات ثم المفاوضات إلى أن ارتطمت بالحائط، وما زالوا مصرين على هذا النهج، ولم يعد لديهم أي أمل فيه. فصار سيرهم على هذا الدرب غاية بحد ذاتها.
ولهذا تراهم اليوم يسعون إلى إجهاض الانتفاضة، وإن بخجل ومكر شديدَيْن. الأمر الذي سمح لوزير خارجية الولايات المتحدة جون كيري بالإصرار على تسمية ساحة المسجد الأقصى بجبل الهيكل، وهو يطالب نتنياهو بالالتزام بالحفاظ على الوضع القائم (الستاتيكو) تجنبا من انتقال الانتفاضة الراهنة إلى انتفاضة شاملة تحقق أكثر من تراجع نتنياهو عن التقسيم الزماني للصلاة في المسجد الأقصى.
ما يجب أن تقوله الرسالة في الوقت الحاضر، يتلخص في ما يلي:
أولا: على الرغم من صعوبة تفهّم موقفكم، أساسا قادة حركة فتح، من التخلي عن المنطلقات والثوابت التي تأسّست عليها، وأطلقت الرصاصة الأولى تحت رايتها، وحافظت عليها عند تسلّم قيادة م.ت.ف وإصدار الميثاق الوطني عام 1968.
ثم على الرغم من صعوبة تفهم موقفكم، أساسا قادة حركة فتح وكوادرها، من توقيع اتفاق أوسلو عام 1993 والسير على نهجه حتى 2000، وما جرى من إدانة للكفاح المسلح ومطاردة للمقاومين،
فإن من شبه المحال تفهّم استمراركم على هذا النهج بعد استشهاد ياسر عرفات والمضيّ بعيدا في التنسيق الأمني والمفاوضات التي راح الاستيطان في القدس والضفة يتضاعف في ظلها، ثم دخل عدم الفهم، في المحال نفسه، حين لم تقفوا في ظل الانتفاضة الراهنة، لتراجعوا أو، في الأدّق، لتسقطوا نهائيا نهج اتفاق أوسلو. وتوقفوا التنسيق الأمني. وتنتهوا من مهزلة التفاوض والعودة إلى التفاوض.
ثانيا: إن كل من يلتقيهم المرء من قيادات فتح وكوادها، ومن قيادات فصائل م.ت.ف التي سارت على نهج أوسلو وكوادها لا يسمع إلاّ قولاً واحداً بأن طريق التسوية فشل وانتهى، ولا أمل في أمريكا أو في أوروبا، أو في القيادة الصهيونية، في تحقيق دولة للفلسطينيين، ولا حتى سلطة تحت الاحتلال، ولا وقفا للاستيطان أو لتهويد القدس، أو لاستمرار العمل لتقسيم المسجد الأقصى أو حتى هدمه.
ويردّد القول نفسه المقرّبون من محمود عباس، وعلى لسانه، بأن لا أمل في أن يخرج من أمريكا أو نتنياهو غير الذي خرج حتى الآن. ولكنه من ناحية أخرى، وبالرغم من يأسه التام من نهج التسوية والمفاوضات، إلاّ أنه يرفض رفضاً قاطعاً التخلي عنه ويرفض أكثر الانتفاضة والمقاومة الشبابية الجارية الآن، وسيبذل كل جهد لديه من أجل العودة إلى التهدئة.
ثالثا: أصبح شعار محمود عباس عمليا، وإن لم يعلنه بعد: لا شيء يأتي من نهج التسوية والمفاوضات خير، وأفضل، من تحرير الضفة والقدس من خلال الانتفاضة والمقاومة.
أي نحن أمام عقدة نفسية لا حلّ لها وأمام عناد طفولي لا براء منه، وإلاّ كيف يمكن أن يفسَّر هذا التمسّك بالخط السياسي الفاشل والذي تكرّر فشله منذ العام 1993 حتى اليوم، أي على مدى 22 عاما بغير العقدة النفسية والعناد الطفولي. ثم زد على ذلك وجود قناعة لديه بأن نتنياهو وأمريكا (راضية أو نصف راضية) لم يعطياه شيئاً، ولن يعطياه شيئاً، بل أخذا منه مناطق (أ) التي أعطاها اتفاق أوسلو، وقد عاد إليها الاحتلال.
- حقا نحن أمام عجب عجاب.
- العقدة النفسية والعناد الطفولي يمكن أن يصاب بهما الفرد، أما أن ينتقلا إلى حركة كبيرة وإلى عدّة فصائل فأمرٌ لم يسبق له مثيل في الأقل في التجربة الفلسطينية من قبل. وذلك لأن الوضع الفلسطيني الراهن لا يستطيع الاستمرار على البقاء تحت الاحتلال واستشراء الاستيطان وتهويد القدس وتهديد المسجد الأقصى، ناهيك عن استمرار حصار قطاع غزة، وعدم إطلاق الأسرى.
ثم ناهيك أكثر عن أن القضية الفلسطينية: قضية تحرير فلسطين من النهر إلى البحر وعودة كل اللاجئين وورثتهم، لا تحتمل أن تستمر على الوضع الراهن وما تعانيه من أخطار وتحديّات التصفية، فضلاً عن إشكالات التجاهل وإبعادها عن موقع القضية المركزية للعرب والمسلمين.
رابعا: ليس المقصود هنا التحريض لإبعاد محمود عباس. وذلك استنادا، بالدرجة الأولى، إلى قاعدة: “إرضَ بمنحوسك لئلا يجيء الأنحس”. ولكن المقصود أن تأخذ قيادة فتح وكوادرها وكذلك فصائل م.ت.ف، قرارا ينزل إلى التنفيذ فورا ويقضي بوقف التنسيق الأمني. ثم بالانخراط فورا بالانتفاضة الحالية باعتبار الانتفاضة الشعبية الشاملة وما يتوّلد من أشكال المقاومة هما الاستراتيجية الكفيلة بدحر الاحتلال وتفكيك المستوطنات: أي تحرير الضفة والقدس وفك حصار غزة وإطلاق كل الأسرى، وبلا قيد أو شرط. أي، بلا صلح ولا اعتراف ولا مفاوضات. وبعيدا من منهج البحث عن حل للقضية الفلسطينية أكان مرحليا أم دائما. وقد أثبتت كل التجارب أنه مدمّر ومقدّم لتنازلات مجانية.
نعم آن الأوان، أن يؤخذ هذا القرار الذي يمنع إجهاض الانتفاضة أو تمييعها، بل يُصعّدها. ومن ثم يقال لمحمود عباس إبقَ رئيسا بلا صلاحيات كما طالبت ياسر عرفات، (طبعا ليس رمزا لأنك لا تحب أن تكون كذلك ولا تستطيع أن تكون كذلك)، واتركنا والانتفاضة والشباب والشابات والفتيان والفتيات والشعب لبضعة أشهر، أو لمدة أقصاها عام، حتى يندحر الاحتلال وتفكك المستوطنات وبلا قيد أو شرط. وسترى بالواقع الملموس أي استراتيجية أصحّ وأي أهداف أصحّ كما رأيت بالواقع الملموس فشل استراتيجية التسوية والمفاوضات، فشل أولوية هدف بناء دويلة على أراضي ما قبل حزيران 1967. بل فشل حتى سلطة حكم ذاتي وفقا لاتفاقية أوسلو.
وختاما: “...أم على قلوب أقفالها”؟

- مرّة أخرى، إنها انتفاضة وليست هَبَّة

منذ الأسبوع الأول لاندلاعة الانتفاضة الراهنة التي انطلقت من القدس لتشمل الضفة الغربية وقطاع غزة ومناطق الـ48، وقع خلاف في تسميتها هبّة أم انتفاضة.
فالذين أصرّوا على تسميتها هبّة اعتبروها حراكاً مؤقتاً أسبوعاً أو في الأكثر، أسبوعين. لأن الهبّة يجب أن تكون بضعة أيام وهذا ما يحمله تعريف عبارة هبّة أو ما انطبق على الحراكات الشعبية التي كانت قصيرة الأمد. ولكن عندما تكون الهبّة تحمل سمة الاستمرارية كما هي سمة الانتفاضة الراهنة التي مضى عليها شهر حتى الآن، تكون قد تعدّت سمة الهبّة لتدخل في سمة الانتفاضة. فالصدامات التي دامت شهراً جعلت الوضع في القدس والضفة الغربية وقطاع غزة في حالة حرب شوارع بما يتعدّى حتى الانتفاضة التي تأخذ شكل مواجهات بالحجارة والمولوتوف وما يشبه ذلك. فعدد الشهداء الذين ارتقوا (73 شهيداً ومئات الجرحى) وهم ينقضون على جيش العدو بالسكاكين أو بالدهس ناهيك عن المواجهات بالحجارة والأكواع والمولوتوف، شكّل ظاهرة جديدة في المواجهة لا علاقة له بما عُرِفَ من هبّات، ويكاد يبتعد حتى عن نطاق الانتفاضة كما عرفت في الانتفاضتين الأولى والثانية.
ولذلك ليس من المفهوم الإصرار على تسميتها بالهبّة وليس بالانتفاضة. علماً أنها موصولة عملياً بالحراكات الانتفاضية التي حدثت في القدس إثر استشهاد الفتى محمد أبو خضير حرقاً في شعفاط، وما تلاه من إرهاصات انتفاضية، ثم استمرار المواجهات في القدس سواء أكان في الاعتصام المستمر في المسجد الأقصى والدفاع عنه يومياً من خلال الاشتباك مع المستوطنين الذين دأبوا على اقتحامه بحماية جيش الاحتلال، أم كان في مواجهات في القدس نفسها وفي عدد من ضواحيها ولا سيما في شعفاط والعيساوية.
ولذا يجب متابعة تلك المواجهات وعلى مدى أشهر ويومياً وصولاً إلى الانفجار الذي حدث أوائل تشرين الأول/أكتوبر في اندلاع المواجهة في المسجد الأقصى وباحاته بعد محاولة تنفيذ قرار التقسيم الزماني. ثم انضمام الضفة الغربية وقطاع غزة إلى المواجهات التي امتدّت حتى اليوم إلى جانب ما صاحب ذلك من عمليات بالسكاكين والدهس واندلاع المواجهات مع جيش العدو بالحجارة والمولوتوف، ليدّل أننا أمام انتفاضة أخذت تأخذ سماتها الخاصة التي تختلف بالضرورة عن سمات الانتفاضة الثاتية التي أخذت سماتها الخاصة التي اختلفت عن سمات الانتفاضة الأولى، في عدد من التفاصيل والجوانب.
من هنا، فإن المطلوب التقاط الخصائص والسمات الجديدة للانتفاضة الراهنة، والتحرّر من القوالب التي إذا لم تنطبق عليها، أو لم تتوفر حتى الآن يُصار إلى التهرب من معاملتها ومن ثم تأييدها باعتبارها انتفاضة مثلاً، الاحتجاج بحجّة عدم وجود قيادة موّحدة، أو لكونها لم تزل في بداية شهرها الثاني، أو الخوف من استثمارها من قِبَل السلطة، أو إبداء المخاوف التي تشكك في إمكان استمراريتها وتصاعدها.
طبعاً العقل يميل، بسبب بطئه في التقاط الجديد إلى البحث عن قوالب للقياس جاهزة يستند إليها. وبهذا تسبقه الأحداث والمبادرات الشبابية. ومن ثم يجد نفسه بعد شهر كامل من حالة انتفاضة مصراً على تسميها هبّة (عابرة بالضرورة وتعريفاً)، أو في الأقل لا يلحظ متى تتخطى الوقائع حالة الهبّة إلى حالة الانتفاضة.
فكل شروط الانتفاضة آخذة بالتوفّر خطوة خطوة في هذه الانتفاضة بدليل استمراريتها وتصاعدها مثلاً نزلت إلى الشوارع في يوم أمس بتاريخ 31/10/2015 عشرات الألوف في مدينة الخليل في تشييع خمسة جثامين لشهداء كان العدو قد امتنع عن تسليمهم. مما يدّل على نبض الشعب وجماهيرية الانتفاضة.
ولهذا يخطئ، بداية، في الساحة الفلسطينية، من لا يتعامل مع الانتفاضة الراهنة باعتبارها انتفاضة مستمرة ومتصاعدة ويضع كل ثقله للمشاركة فيها ودعمها، ولا يسمح لأي بحث عن قوالب جاهزة أو لأية شكوك أو مخاوف بأن تمنعه من أن يضع كل الثقل وكل الأمل بهذه الانتفاضة.
فكيف يجوز للخوف من عدم استمرارية الانتفاضة أن يمنعك من أن تشارك فيها بكل قوّة ولا تردّد. وإلاّ أدّى إحجامك إلى الإسهام في حدوث ما أنت متخوّف منه؟ وكيف يجوز أن يجعلك نقص لما تظنه من نواقصها إلى عدم بذل كل ما عندك في دعمها. لأن النواقص لا تُعالَج إلاّ من خلال دفع الانتفاضة إلى أمام، ومن خلال استمراريتها.
فليتنبّه كل مُحْجِمٍ ومتردّد، ومهما كانت وجاهة أسبابه، بأنه يخطئ في عدم المشاركة في مواجهة مشتعلة ضدّ العدو الصهيوني في القدس والضفة وقطاع غزة.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 36 / 2165944

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع المراقب العام   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

16 من الزوار الآن

2165944 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 12


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010