الاثنين 23 آب (أغسطس) 2010

عراق أوباما : نهاية القتال واستمرار الاقتتال

الاثنين 23 آب (أغسطس) 2010 par نصري الصايغ

أوباما يفي بوعده العراقي. في آخر آب، تنسحب آخر قوة مقاتلة. يُترك في العراق خمسون ألف جندي وضابط أميركي «للتدريب»، أو للتدخل السريع، أو لممارسة حق الأمرة بمنطق الاستشارة.

أوباما الأسمر يفي بوعده ويخلي العراق «لكتائب» المهمات السرية، المؤلفة من مرتزقة متعاقدين مع شركات خاصة، ملحقة بوزارة الدفاع، عبر عقود خصخصة، بمهمات الرصد وجمع المعلومات وممارسة الحرب السرية، اغتيالاً وتفجيراً و... تدريباً على القتل.

أوباما العربي يفي بوعده، ويصدق مع شعبه وعربه، تاركاً العراق نظيفاً ومطهراً من صدام حسين فقط لا غير... مفضلاً «سكين الحروب السرية» فيه، على «مطرقة الحروب العلنية»، على حد قول مستشاره لشؤون مكافحة «الإرهاب» جون برينان، «مهندس استراتيجية البيت الأبيض». أوباما هذا، لا يفي بوعده الفلسطيني. وهو في الحالتين لا يشبه إلا نفسه، ومن سبقه : يصدق، إذا كان لأميركا مصلحة في الصدق، ويكذب أيضاً إذا كان الكذب مفيداً، نقداً وعداً، صهيونيين.

يترك أوباما العراق، كما ترك نيكسون فيتنام، وكما ترك كلينتون الصومال، وكما ترك جورج بوش الأب العراق، وكما عاث به ابنه من بعده.

لا شيء جديداً في هذا التخلي. القاعدة الأميركية التي سجلها المفكر هشام شرابي، منفذة بحذافيرها : «ما دخلت أميركا بلداً إلا ودمرته وما تركته إلا خراباً وركاماً»... علينا أن نتذكر فقط، كيف ترك لبنان، بعد الحرب الأميركية الأخيرة في تموز 2006، التي خاضتها «إسرائيل» بالوكالة والأصالة عن واشنطن.

لم يكن لبنان إلا شهادة على البربرية الأميركية، بالقبضة «الإسرائيلية» سيرتاح أوباما من العراق، وسيقول : إن العراق أكثر أمناً. سيعقد ندوات صحافية، يزن فيها الديموقراطية العراقية، كما فعل منذ أيام. سيخفي عدد العمليات الانتحارية. سيقلل من عدد الضحايا والشهداء. سيعتبر عدم تأليف الحكومة نتاجاً للحرية والديموقراطية، إذ لا يجوز التدخل والضغط والأمر، لتأليف حكومة رغم إرادة العراقيين... ثم، سيختفي العراق من الأجندة العلنية للسياسة الأميركية، وستتقدم أفغانستان... وقبلها أمن «إسرائيل».

سيرتاح أوباما من العراق. سيطلب من العالم أن يرى إلى أرض الرافدين، بعيون مغلقة. ستصبح المجازر والعمليات الانتحارية، جزءاً لا يتجزأ من مخاض الصيرورة «الديموقراطية» المتجهة إلى تأبيد انعدام الأمن. سيقول أوباما : لقد أنهينا مهماتنا وما على العراقيين إلا أن يحكموا أنفسهم بأنفسهم... ثم، سيتولى معاونوه، قيادة الحملة الدعائية : العالم صار أكثر أمناً.

ذات زمن قادم، قد يتوفر من «يجرؤ على الكلام»، ويصف «الحملة الصليبية» الأميركية على العراق، بحملات الإبادة، التي قادها الأوروبيون البيض، ضد الهنود الحمر، سكان الأرض الأصليين في القارة الأميركية. لأن ما فعله بوش الجد، في منتصف القرن التاسع عشر، هو هذا بالتحديد. لقد كان شريكاً في حركة تطهير الأرض من سكانها الأصليين. كما فعل جورج بوش الأب وجورج دبليو بوش، وباراك أوباما بوش.

العراق، القوة الإقليمية الوازنة، صار غباراً لا وزن له. هو بحاجة إلى كل جيرانه ليساعدوه أو ليكفوا عنه. هو بحاجة إلى سيستاني ونجف و«صدر» و«حكيم» و«مالك» و«فارس» و«قاعدة» و«بعث» و«كردٍ» و«تركمان» لتدبير شؤون بقائهم على قيد الحياة، مؤقتاً. فاليوم، لا دولة في العراق، لا سلطة في العراق، لا قانون في العراق، لا وحده في العراق، لا اقتصاد في العراق، لا وجود إلا للنفي. إلا لـ «لا».

الموت مزدهر. القتل معافى. الموت حي يرزق. الاقتصاد نهب معلن. النفط أسود قانٍ. المدن فرز مقنن. الدين سيوف وأعناق.

العراق بلا غد... بلا يوم... بلا ما يشبه التاريخ.

وطن على القارعة، وليس باستطاعة أحد أن يلمه. وعليه، فإذا كانت أميركا مجرمة، في قصفها هيروشيما وناكازاكي، بقنبلتين ذريتين، فإنها، بقصف العراق وقتله على مدى عقدين (حصاراً واقتطاعا واحتلالا) أكثر همجية وبربرية.

سيتفرغ أوباما لتنفيذ استراتيجيته العسكرية السرية. فهو قد أطلق يد البنتاغون في صياغة حروب متنقلة، بلا ضجيج : قصف في اليمن. قصف في الباكستان. توغلات في أفغانستان. تحضير فتن في إيران. تورط في أفريقيا بالضربات الناعمة.

ولن يبقى أمام أوباما، إلا أن يخوض معاركه الداخلية، عبر إطلاق وعود، بإنهاء حرب أفغانستان، بعد تدميرها، وملاحقة «القاعدة» عبر قتل الأبرياء في أماكن اشتباه لجوء عناصر القاعدة إليها.

سيكون شغل أميركا الشاغل، تفكيك الجماعات «الإرهابية» في «الشرق الأوسط» وشمال أفريقيا، وتفكيك الفلسطينيين نهائياً وبعثرة سلطتهم في متاهات مفاوضات على المفاوضات، إلى أن تحين ساعة الحسم مع إيران.

من يعيد أميركا إلى رشدها؟

طبعاً، ليس أوباما... فلا هو مسيح ولا هو نبي، ولو تعامل مع الزعماء العرب، كأنه الولي الأسمر.

لا تتعقل أميركا، إلا عندما تضرب. لانها اعتادت أن تصوغ عقل العالم، بقوة قبضتها.

لبنان، مرشح دائم لتلقين أميركا دروساً بواسطة اللكمات، لغة المقاومة الفضلى.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 14 / 2165804

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

21 من الزوار الآن

2165804 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 17


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010