الجمعة 23 تشرين الأول (أكتوبر) 2015

وهمية أي حلّ للقضية الفلسطينية غير حلّ التحرير

الجمعة 23 تشرين الأول (أكتوبر) 2015 par منير شفيق

- وهمية أي حلّ للقضية الفلسطينية غير حلّ التحرير

منذ أن نشأت القضية الفلسطينية، وانطلق الكفاح الفلسطيني لإحباط المشروع الصهيوني الذي تعهّد الاحتلال البريطاني الاستعماري لفلسطين فرضه، راحت تُطرَح مشاريع حل أو تسوية للصراع.
فقد تكاملت مشاريع الحل او التسوية مع المضيّ قدماً بتنفيذ المشروع الصهيوني على الأرض وصولاً إلى العام 1948 الذي قامت فيه دولة الكيان وتمّ تهجير حوالى تسعماية ألف فلسطيني، أي حوالى ثلثَيْ الشعب.
وكان الهدف من طرح مشاريع الحل، أو التسوية، يرمي إلى تضليل الرأي العام وإيهامه، أن الهجرة اليهودية يمكن أن تتوقف. ولم تتوقف إلى أن جاء عام 1948 وقامت دولة الكيان الصهيوني ووقعت النكبة على فلسطين وشعبها.
أصبح من الضروري للنضال الفلسطيني والعربي والإسلامي عدم الاعتراف بدولة الكيان الصهيوني كما العمل على تحرير فلسطين. الأمر الذي راح يجدّد طرح مشاريع الحل والتسوية بأشدّ مما كان قبل العام 1947/1948. وذلك لإيهام الشعب الفلسطيني والشعوب العربية والإسلامية والرأي العام العالمي أن ثمة سعياً للحل وإعادة اللاجئين. ولكن في هذه المرّة ضمن سقف تطبيق قرار هيئة الأمم المتحدة الرقم 181 لعام 1947 أي قرار التقسيم الذي “شرّع” لإقامة “دولة إسرائيل”. ولم تكن له وظيفة أخرى بالرغم من نصّه على إقامة دولة فلسطينية في الآن نفسه.
على أن هذا الإيهام بالحل كان في غير مصلحة الشعب الفلسطيني ومخالف لحقه في كل فلسطين. وقد بقي حبراً على ورق فيما مضى الكيان الصهيوني وحلفاؤه من الدول الاستعمارية والإمبريالية الكبرى في تثبيت أركانه (الكيان الصهيوني) وتكريس اغتصاب فلسطين وتشريد أهلها. ففي الوقت الذي لم يكن ثمة حلّ للقضية الفلسطينية استمر الحديث عن حلّ. وذلك لتثبيت اللاحلّ. وهذه كانت السياسة الإمبريالية الغربية باستمرار. وظل هنالك من ينقاد وراء وهم الحلّ باستمرار كذلك.
وعندما حلّت النكبة الثانية عام 1967 باحتلال القدس والضفة الغربية وقطاع غزة نشطت مشاريع الحل والتسوية أكثر من ذي قبل، وأيضاً بهدف تكريس نتائج هذا الاحتلال، وإيهام الشعب والرأي العام بأن ثمة حلاً، ضمن إطار قرار 242، ثم الحل من خلال إقامة دولة فلسطين في حدود ما قبل حرب حزيران 1967 تحت وهم أنه حل مرحلي فيما كان التمهيد لحل الدولتين باعتباره الحل النهائي.
وبدلاً من أن يبقى طرح مشاريع الحلول الوهمية مقتصراً على الدول والأطراف المتآمرة في مصلحة الكيان الصهيوني مورِسَت ضغوط لأن تدخل منظمة التحرير الفلسطينية وفصائل المقاومة في لعبة اقتراح الحلول. أو الموافقة على بعضها مع إجراء تعديلات. وكانت كل خطوة بهذا الاتجاه ومهما كانت حذرة، أو متشدّدة، أو “ذكية”، تتضمن تنازلاً ما يمسّ الثوابت والمبادئ الخاصة بالقضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني كما الحقوق العربية والإسلامية في فلسطين، وقد بدأ التنازل مع طرح مشروع الدولة الواحدة. ليعود إليها وبصيغة أسوأ بعد انهيار مشروع حلّ الدولتين.
وقد لعب الكثيرون من المعادين للصهيونية والداعمين لمنظمة التحرير و“التقدميين”، بوعي، أو دون وعي، بقصد أو دون قصد، دوراً في الترويج لبعض الحلول أو للضغط على قيادة م.ت.ف لتدخل في فخ قبول الحلول للقضية الفلسطينية واقتراح حلّها هي بعيداً من حلّ التحرير الكامل لفلسطين من النهر إلى البحر. وهو الحل الذي أريد من كل الحلول الأخرى أن تستبعدَهُ.
وبالفعل وقع الكثيرون في هذا الفخ القاتل. وقد وصل هذا التدهور قمته في الموافقة على اتفاق أوسلو وتبني حلّ الدولتين. ثم وريثه “حلّ الدولة الواحدة” وذلك بعد تحرير دولة الكيان الصهيوني من الأبارتهايد. أي “دولة إسرائيل” بلا أبارتهايد.
المهم في هذه المقالة التوقف عند نقطة واحدة، وهي التأكيد على الجانب المبدئي الحاسم في رفض كل الحلول مهما كان لبوسها. وذلك من أجل الإبقاء على هدف تحرير فلسطين كل فلسطين من النهر إلى البحر باغتباره الحلّ العادل الوحيد. بل هو الحلّ الممكن الوحيد أيضاً.
فهذه المقالة تستهدف نقطة واحدة الآن وهي اعتبار كل الحلول التي قدّمت كانت تضليلية ووهمية. وكانت تخدم الاعتراف بشكل أو بآخر بالكيان الصهيوني، أو تتنازل، بشكل أو بآخر، عن ثابت من ثوابت القضية الفلسطينية. هذا من جهة، أما من جهة أخرى فالتأكيد كما أثبتت التجربة على أن من الخطأ البحث غن حلّ للقضية الفلسطينية خارج حلّ التحرير الكامل والعودة الكاملة.
ومن ثم ما دام حلّ القضية الفلسطينية غير ممكن إلاّ بالتحرير فلا يجب أن يُقبَل بأي حلّ جزئي أو مرحلي أو مؤقت. أو بعبارة أخرى يجب أن تسقط كلمة حلّ هنا من حيث أتى.
ولهذا يُخطئ البعض إذا فهموا أن النضال لتحقيق هدف دحر الاحتلال وتفكيك المستوطنات وبلا قيد أو شرط يتضمن الموافقة على ما سمّي زوراً وخداعاً بالحلّ المرحلي. لأنه لا حلّ مرحلياً للقضية الفلسطينية. وهذا ما طبّق فعلاً ما بين 1949 و1967، ومن 1967 حتى الساعة وسيستمر فإن وضعاً جديداً سينشأ نتيجة دحر قوات الاحتلال وتفكيك المستوطنات من القدس والضفة الغربية، بلا قيد أو شرط. والمقصود بعبارة بلا قيد أو شرط: “لا صلح ولا مفاوضات ولا اعتراف”.
فكيف يستطيع أحد أن يشكك بصحة تحديد الهدف الراهن بدحر الاحتلال وتفكيك المستوطنات وبلا قيد أو شرط وتبني استراتيجية الانتفاضة وما يصحبها من مقاومة ولا يرى ما سيترتب من نتائج هائلة في موازين القوى في مصلحة القضية الفلسطينية وهدف التحرير. بل ويدخله ضمن الحلول المرحلية أو الجزئية التصفوية.
يخطئ الذين يعتبرون أن هدفَيْ دحر الاحتلال وتفكيك المستوطنات من القدس والضفة يخطئون إذا فهموه حلاً مرحلياً، أو تسميته كذلك. وبعض هؤلاء يصدرون عن مشروع حلّ الدولة الواحدة القائمة ولكن بلا أبارتهايد. أو عن إبعاد النضال الفلسطيني من وضع أهداف ضدّ الاحتلال والتوطين، ومن خوض انتفاضة ومقاومة. ومن ثم عدم الخوض في حرب حقيقية مع العدو لتحقيق انتصار جزئي عليه يكون بمثابة النموذج أو “البروفة” لما يجب عمله من أجل الانتصار الكبير والكامل مع الدور العربي والإسلامي والعالمي. وهذا الخط يختلف عن خط الذين يخوضون حروبهم بالشعارات ولا يعرفون كيف يوّحدون الشعب كله تحت استراتيجية انتفاضة شعاراتها قابلة للتحقيق وتُنزِل الهزيمة بالعدو وجيشه.
كان لا بدّ للقضية الفلسطينية من أن تمرّ بمراحل نضالية مختلفة ومراحل النضال لا تسمّى حلولاً. وإذا سُميّت كذلك فثمة خطأ فكري شنيع. كما أن القضية الفلسطينية لا بدّ من أن تمرّ بأوضاع متعدّدة من حيث ترتيبات موازين القوى مثلاً الحالة ما بين 1949 – 1967 ثم الحالة حين كانت جبهة الأردن مفتوحة 1968 – 1971، ثم الحالة التي كانت جبهة لبنان هي المفتوحة 1971 – 1982 (وما قبلها طبعاً)، ثم جبهة لبنان 1982-2000 ثم 2006 حتى الآن. وكذلك الحالة القائمة في قطاع غزة ولا سيما 2007 حتى الآن، كما الحالة الحالية في القدس وفي الضفة فضلاً عن حالتَيْ مناطق الـ48 والشتات. وكان لكل وضع وحالة أهداف راهنة أو تحدّيات راهنة لمواجهتها مثلاً النضال ضد التوطين.
فالمطلوب من الانتفاضة أن تُصبح انتفاضة شاملة تُغلق المدن والقرى في وجه العدو وتطلق الشباب في نقاط التماس للمواجهة بالحجارة وبكل وسائل المقاومة التي في متناول اليدين وأن تصبح شاملة شعبياً وبتصميم لا يتوقف، حتى تُجبِر العدو، بعد أن تكتمل الضغوط الأخرى، عربياً وإسلامياً وعالمياً، على الانسحاب وتفكيك المستوطنات وبلا قيد أو شرط. وبهذا تنشأ في الضفة والقدس وقطاع غزة ومناطق الـ48 حالة جديدة من موازين القوى، ومرحلة جديدة من مراحل النضال. ويؤمل أن تكونا أكثر مؤاتاة لمواصلة عملية التحرير.
لعل من الأخطاء الرئيسية التي ارتُكِبَت من بعض القيادات أو الاتجاهات السياسية هي اقتراح حل، أو العمل لإيجاد حل للقضية الفلسطينية. وقد فشلت كل المشاريع التي طُرحت أو ستطرح نظرياً وعملياً وهو ما أكدته التجربة. ولا يجب أن يكون ثمة أي حلّ، غير حلّ التحرّر الكامل لها من جانب الفلسطينيين والعرب والمسلمين وأحرار العالم، كما في المقابل فإن استراتيجية عدوّنا تستهدف الاستيلاء الكامل على كل أرض فلسطين وتهجير كل الفلسطينيين منها. وهذا حلّه. وما من جواب غير جواب التحرير.

- فليخجل المثبطون والمعوّقون

هنالك مثبطون ومعوّقون في أوساط الشعب الفلسطيني أشد فتكاً في الانتفاضة من رصاص العدو وقنابل الغاز، وأعمال القمع والبطش.

فبعضهم يصوّر الانتفاضة بأنها “كفٌ يلاطم مخرزاً” يعني لا أمل في ما تفعله، ومصيرها الفشل. وهذا التشبيه الذي يبدو كأنه حجّة قوية لا علاقة له في عالم الصراع الدائر بين الشعب الفلسطيني والعدو الصهيوني. فلا الشعب بالكف العارية، ولا العدو الصهيوني بالمخرز الذي يلاطم كفاً.

فهنالك من جهة الشعب قوّة الجماهير حين تنزل إلى الشوارع وتغلق المدن والقرى، فلا يستطيع جيش العدو دخولها إلاّ اقتحاماً وبتكلفة عالية جداً. وهنالك قوّة الإرادة والتصميم التي يتحلى بها الشباب والشابات وهم يواجهون العدو بالحجارة والسلاح الأبيض، أو حتى بالصدور العارية.

ثم هنالك عدالة القضية الفلسطينية في مقابل وضع العدو المغتصب والمعتدي ومرتكب الجرائم. الأمر الذي يجعل التشبيه بين المخرز والكف معكوسة في غير مصلحة العدو الصهيوني. فالعدالة أقوى من الظلم.

ثم هنالك الفارق الشاسع بين أمس واليوم. ففي السابق كان العدو أكثر قدرة على تحقيق أهدافه. وكانت كل موازين القوى المحلية والعربية تميل إلى مصلحته. ولكن اليوم فالمأزق يحيط به من كل مكان. فالدول الكبرى التي اعتمد عليها لم تعد متحكمة في العالم ومصائره، ولم تعد متحكمة في الأوضاع العربية حتى في حالة الفوضى الراهنة، ولم يعد جيشه قادراً على مواجهة المقاومة الإسلامية بقيادة حزب الله في لبنان. وقد هُزِمَ أمامها في حرب 2006، ولم يعد قادراً على مواجهة المقاومة الفلسطينية التي تحوّلت إلى قاعدة عسكرية جبّارة في قطاع غزة بقيادة كتائب عز الدين القسّام (حماس)، وسرايا القدس (حركة الجهاد الإسلامي)، وعدد من فصائل المقاومة المسلحة الأخرى.

فكيف يمكن أن ينطبق مَثَل الكف والمخرز على حالة الانتفاضة الراهنة. ومن ثم فإن كل من يقول لأبناء الضفة الغربية والقدس أو قطاع غزة أو الـ48 الكف لا يلاطم المخرز، إنما يلعبون دور الطابور الخامس حتى لو قالوها عن حسن نيّة من خلال الانقياد لتجارب مريرة سابقة عاشوها وعاشها الصراع ضدّ العدو.

ثم هنالك نمط آخر من المثبطين والمعوّقين، الذين يردّدون ما يدّعيه محمود عباس بأن المقاومة والانتفاضة ستقودان الضفة الغربية إلى الخراب، ودمار ما عمّرته السلطة الفلسطينية وساد من استقرار ومظاهر رفاه.

فهؤلاء لا يرون حولهم ما فعله الاستيطان ويفعله المستوطنون في الضفة الغربية في ظل مسار اتفاق أوسلو، ولا سيما في عهد المفاوضات وحكم محمود عباس وسلام فياض، وهو أشدّ تدميراً وتخريباً، فكيف يمكن أن يُغطّى من خلال ما أسموه استقراراً أو بعضاً من ترف كاذب بُنِيَ على القروض والرواتب الحرام، التي جاءت عبر مساعدات أمريكية وأوروبية لتبيع قضية فلسطين. وتستكين للاحتلال وتقبل، عملياً، بتآكل الضفة الغربية من خلال استشراء الاستيطان. ناهيك عن تهويد القدس وما يجري من انتهاكات للمسجد الأقصى تهدّد بتقسيمه وهدمه، أو اعتداءات على المقدّسات الأخرى الإسلامية والمسيحية.

ثم كيف يتحدث هؤلاء عن استقرار ورفاه يخافون عليهما فيما قطاع غزة يعاني من الحصار والدمار، لكأن الضفة الغربية ليست هي والقدس وقطاع غزة شعباً واحداً وداراً واحدة، وحالاً واحداً.

أما من جهة أخرى، فمن هذا الذي يحق له أن يتحدث عن استقرار ورفاه تحت الاحتلال ناهيك عن الاستيطان والتهويد والتهجير. لأن هذا الحديث بدعة تصل إلى حد التفريط والكارثية عندما تكون البلاد مبتلاة باحتلال. فالاحتلال لا حلّ له إلاّ بالمقاومة والانتفاضة، وهذه شرعة الشعوب التي رزحت تحت احتلال، وسنّة رب العالمين في التدافع بين الناس.

وبالمناسبة بعض هؤلاء يستشهدون باستراتيجية اللاعنف الذي استخدمها غاندي ضدّ الاحتلال البريطاني للهند. ولكنهم يجهلون أن هذه السياسة ولّدت الكثير الكثير من اللااستقرار والاضطرابات. وأسالت الكثير من الدماء وحتى أدّت إلى مجازر، ناهيك عن السجون ومواجهات الشوارع بين الشعب والقوات البريطانية. فاستراتيجية غاندي كانت العصيان المدني، وجعل العدو لا ينام الليل، وخرق كل ما يضع من قوانين، وإجباره على اللجوء إلى العنف. وكان كل ذلك استراتيجية انتفاضية ناجحة في ظل الظروف التي عاشتها الهند. فالمَثَل الهندي هو في مصلحة الانتفاضة الشاملة وأقرب إليها.

فليخجل المثبطون والمعوّقون. فكل حجّة يتقدمون بها تفضح جبنهم وتقاعسهم وقلة حيلتهم. وهذا أخف ما يستحقون من رد.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 41 / 2165282

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع المراقب العام   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

11 من الزوار الآن

2165282 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 12


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010