الجمعة 16 تشرين الأول (أكتوبر) 2015
فليخجل المثبطون والمعوّقون

مشهد تصوّري لانتفاضة منتصرة

اجعلوها انتفاضة تحرير منتصرة
الجمعة 16 تشرين الأول (أكتوبر) 2015 par منير شفيق

- فليخجل المثبطون والمعوّقون

هنالك مثبطون ومعوّقون في أوساط الشعب الفلسطيني أشد فتكاً في الانتفاضة من رصاص العدو وقنابل الغاز، وأعمال القمع والبطش.

فبعضهم يصوّر الانتفاضة بأنها “كفٌ يلاطم مخرزاً” يعني لا أمل في ما تفعله، ومصيرها الفشل. وهذا التشبيه الذي يبدو كأنه حجّة قوية لا علاقة له في عالم الصراع الدائر بين الشعب الفلسطيني والعدو الصهيوني. فلا الشعب بالكف العارية، ولا العدو الصهيوني بالمخرز الذي يلاطم كفاً.

فهنالك من جهة الشعب قوّة الجماهير حين تنزل إلى الشوارع وتغلق المدن والقرى، فلا يستطيع جيش العدو دخولها إلاّ اقتحاماً وبتكلفة عالية جداً. وهنالك قوّة الإرادة والتصميم التي يتحلى بها الشباب والشابات وهم يواجهون العدو بالحجارة والسلاح الأبيض، أو حتى بالصدور العارية.

ثم هنالك عدالة القضية الفلسطينية في مقابل وضع العدو المغتصب والمعتدي ومرتكب الجرائم. الأمر الذي يجعل التشبيه بين المخرز والكف معكوسة في غير مصلحة العدو الصهيوني. فالعدالة أقوى من الظلم.

ثم هنالك الفارق الشاسع بين أمس واليوم. ففي السابق كان العدو أكثر قدرة على تحقيق أهدافه. وكانت كل موازين القوى المحلية والعربية تميل إلى مصلحته. ولكن اليوم فالمأزق يحيط به من كل مكان. فالدول الكبرى التي اعتمد عليها لم تعد متحكمة في العالم ومصائره، ولم تعد متحكمة في الأوضاع العربية حتى في حالة الفوضى الراهنة، ولم يعد جيشه قادراً على مواجهة المقاومة الإسلامية بقيادة حزب الله في لبنان. وقد هُزِمَ أمامها في حرب 2006، ولم يعد قادراً على مواجهة المقاومة الفلسطينية التي تحوّلت إلى قاعدة عسكرية جبّارة في قطاع غزة بقيادة كتائب عز الدين القسّام (حماس)، وسرايا القدس (حركة الجهاد الإسلامي)، وعدد من فصائل المقاومة المسلحة الأخرى.

فكيف يمكن أن ينطبق مَثَل الكف والمخرز على حالة الانتفاضة الراهنة. ومن ثم فإن كل من يقول لأبناء الضفة الغربية والقدس أو قطاع غزة أو الـ48 الكف لا يلاطم المخرز، إنما يلعبون دور الطابور الخامس حتى لو قالوها عن حسن نيّة من خلال الانقياد لتجارب مريرة سابقة عاشوها وعاشها الصراع ضدّ العدو.

ثم هنالك نمط آخر من المثبطين والمعوّقين، الذين يردّدون ما يدّعيه محمود عباس بأن المقاومة والانتفاضة ستقودان الضفة الغربية إلى الخراب، ودمار ما عمّرته السلطة الفلسطينية وساد من استقرار ومظاهر رفاه.

فهؤلاء لا يرون حولهم ما فعله الاستيطان ويفعله المستوطنون في الضفة الغربية في ظل مسار اتفاق أوسلو، ولا سيما في عهد المفاوضات وحكم محمود عباس وسلام فياض، وهو أشدّ تدميراً وتخريباً، فكيف يمكن أن يُغطّى من خلال ما أسموه استقراراً أو بعضاً من ترف كاذب بُنِيَ على القروض والرواتب الحرام، التي جاءت عبر مساعدات أمريكية وأوروبية لتبيع قضية فلسطين. وتستكين للاحتلال وتقبل، عملياً، بتآكل الضفة الغربية من خلال استشراء الاستيطان. ناهيك عن تهويد القدس وما يجري من انتهاكات للمسجد الأقصى تهدّد بتقسيمه وهدمه، أو اعتداءات على المقدّسات الأخرى الإسلامية والمسيحية.

ثم كيف يتحدث هؤلاء عن استقرار ورفاه يخافون عليهما فيما قطاع غزة يعاني من الحصار والدمار، لكأن الضفة الغربية ليست هي والقدس وقطاع غزة شعباً واحداً وداراً واحدة، وحالاً واحداً.

أما من جهة أخرى، فمن هذا الذي يحق له أن يتحدث عن استقرار ورفاه تحت الاحتلال ناهيك عن الاستيطان والتهويد والتهجير. لأن هذا الحديث بدعة تصل إلى حد التفريط والكارثية عندما تكون البلاد مبتلاة باحتلال. فالاحتلال لا حلّ له إلاّ بالمقاومة والانتفاضة، وهذه شرعة الشعوب التي رزحت تحت احتلال، وسنّة رب العالمين في التدافع بين الناس.

وبالمناسبة بعض هؤلاء يستشهدون باستراتيجية اللاعنف الذي استخدمها غاندي ضدّ الاحتلال البريطاني للهند. ولكنهم يجهلون أن هذه السياسة ولّدت الكثير الكثير من اللااستقرار والاضطرابات. وأسالت الكثير من الدماء وحتى أدّت إلى مجازر، ناهيك عن السجون ومواجهات الشوارع بين الشعب والقوات البريطانية. فاستراتيجية غاندي كانت العصيان المدني، وجعل العدو لا ينام الليل، وخرق كل ما يضع من قوانين، وإجباره على اللجوء إلى العنف. وكان كل ذلك استراتيجية انتفاضية ناجحة في ظل الظروف التي عاشتها الهند. فالمَثَل الهندي هو في مصلحة الانتفاضة الشاملة وأقرب إليها.

فليخجل المثبطون والمعوّقون. فكل حجّة يتقدمون بها تفضح جبنهم وتقاعسهم وقلة حيلتهم. وهذا أخف ما يستحقون من رد.

- مشهد تصوّري لانتفاضة منتصرة

صحيح أن ما من ثورة أو انتفاضة يمكن أن تُرسَم أحداثها وتطوراتها وتعرّجات مسارها، وصولا إلى لحظة، انتصارها، من قِبَل عقل إنساني مهما بلغت قدرته على التخيّل ومهما كانت معرفته بالثورات والانتفاضات المنتصرة أو المهزومة.

فكل ثورة وكل انتفاضة لها خصوصيتها وانفراديتها. وذلك بالرغم مما يمكن أن يكون هناك من مشتركات وأهمها ضرورة دخول القوّة المسيطِرة المُراد الإطاحة بها مرحلة المأزق والتدهور، والتخبط بارتكاب الأخطاء في إدارة صراع. وهذا هو الشرط الأهم في انتصار الثورات والانتفاضات.

ولكن مع ذلك لا يستطيع المرء إلاّ أن يحاول أن يرسم مشهدا تصوّريا (سيناريو) لانتفاضة، أو ثورة، منتصرة. وهي لم تزل في أولى إرهاصاتها.

إن أول ما يجب أن يتوفر لهذه المغامرة الفكرية – التقديرية لمسار لم يحدث بعد أو لم يسبق له مثيل من حيث الزمان والمكان والظروف وموازين القوى داخليا وإقليميا وعالميا، هو التأكد، في حالتنا الفلسطينية الراهنة، من أن شرط المأزق الشديد والتدهور والتخبط بالأخطاء متوفر في نتنياهو وحكومته وقيادة جيشه. ثم التأكد، في الحالة الصهيونية، من أن القوى الدولية المسانِدة لها هي الأخرى في حالة تدهور وتخبّط. مما ولّد بين الطرفين مستوى من التناقضات التي ستفرض التراجع المنشود. وهو هنا الانسحاب من الضفة الغربية والقدس وتفكيك المستوطنات بلا قيد أو شرط، ومن ثم إطلاق الأسرى للعودة إلى خطوط الهدنة لعام 1948/1949.

ما لم يكن مثل هذا التأكد متمكنا عند تقدير الموقف لدى القيادة التي ستقود الانتفاضة فإنها لن تستطيع أن تنتصر في الصراع الذي سيشبه في مرحلة من مراحله، عض الأصابع الذي يخسر فيه من يصرخ أولا.

المشكلة الأولى التي تواجه الانتفاضة الراهنة بدأت بالإصرار على أنها هبّة بمعنى أنها ستكون لبضعة أيام ثم تنتهي، بانتصار جزئي أو بلا انتصار، فيما الصحيح هو اعتبارها خطوة على طريق الانتفاضة الشاملة ومن ثم تسميتها انتفاضة على طريق الانتفاضة الشاملة، أو اعتبارها إرهاصات انتفاضية من أجل الإيحاء بأنها على طريق التحوّل إلى انتفاضة شاملة، ومن ثم على من يتناولها أن يعالجها باعتبارها انطلاقة لانتفاضة شاملة.

من يدقق في المواجهات التي خاضتها الانتفاضة حتى الآن سواء أكان على مستوى التظاهر واستخدام الحجارة وما شابه من وسائل بدائية أم كان على مستوى القتال بالسلاح الأبيض (الطعن بالسكين البسيطة المتواضعة) أم الدهس، يتأكد من أن ثمة روحا شجاعة وثّابة سارية في نفوس الشباب والشابات، ما بين سن 12 إلى 24 سنة مصممّة على المضيّ بالانتفاضة إلى المستويات الأعلى. وهذه الروحية على عكس ما يتصوّر البعض نابعة من شعور بضعف العدو وإمكان هزيمته، وليست نابعة من روح يأس. لأن اليأس لا يولّد مثل هذه الشجاعة والإقدام والانتشار، وإنما يقود إلى التراجع والقنوط وتجنب المواجهة حتى في ظل الإذلال.

الأمر الذي يفرض أن تُقاد الانتفاضة بروح متأكدة من إمكان النصر ومن إمكان إنزال الهزيمة بالعدو. فكل ما يحتاجه الأمر بضعة أشهر من انتفاضة شاملة ومصممة ولا مجال لوقفها إلاّ بتحقيق هدف انسحاب الاحتلال من الضفة والقدس وبلا قيد أو شرط. ولهذا يجب أن نتصوّر بروز قيادة ميدانية للانتفاضة تخوضها بهذه الروحية واليقينية.

ومن يدقق بالتحركات والتظاهرات في كل من قطاع غزة ومناطق الـ48 يستطيع أن يتصوّر وحدة فلسطينية واسعة لدعم الانتفاضة الشاملة والمشاركة فيها. وذلك بما يتعدّى تحقيق هدف إحباط التقسيم الزماني للصلاة في المسجد الأقصى إلى تحقيق دحر الاحتلال وتفكيك المستوطنات وتحرير الضفة والقدس وكسر الحصار عن قطاع غزة وإطلاق كل الأسرى. فما دامت الانتفاضة قد انطلقت وسال دم الشهداء واحتدم الصراع فلا بدّ من حلّ جذري. وهذا الحل لا يكون إلاّ بدحر الاحتلال وتفكيك المستوطنات أو بعبارة أخرى تحرير الضفة والقدس والمسجد الأقصى والأسرى وقطاع غزة (من الحصار).

عندئذ يصبح الانتقال من الارهاصات الانتفاضية إلى الانتفاضة الشاملة ممكنا، وقابلا للتحقق لأن إرادة الشعب ستكون الغالبة والحالة هذه. ويصبح العدو الصهيوني في أزمة حقيقية حين يجد كل القطاعات الفلسطينية في فلسطين متحدّة وقد فشل في أن يعزل انتفاضة القدس عن انتفاضة الضفة أو يعزل القدس والضفة عن غزة، أو يُبعد جماهير 48 عن الضفة والقدس وقطاع غزة.
هنا أيضا لا يصعب تصوّر هذا المشهد متحققا على الأرض.

لا شك في أن ردود فعل نتنياهو باستخدام المزيد من جرائم القتل والبطش والإجراءات التعسفية أمرٌ ممكن تصوّره بالرغم من شدّة الضغوط التي تُمارَس عليه ليتراجع عن إحداث تغيير في المسجد الأقصى فيسعى إلى التهدئة من أجل عدم إيصال الانتفاضة الراهنة إلى الانتفاضة الشاملة الأكثر وحدة واتسّاعا وتصميما وحزما لتحقيق هدف دحر الاحتلال وتفكيك المستوطنات بلا قيد أو شرط.

إن نتنياهو وحكومته أضيق أفقا، وأكثر ميلا لاستخدام أقصى مستويات العنف. وهذا سيكون، في الحالة الفلسطينية الراهنة، من شروط الانتقال إلى الانتفاضة الشاملة، إذ ليس هنالك ما هو أشدّ خطرا على الانتفاضة من تراجع نتنياهو عن المساس بالمسجد الأقصى، وتقديم بعض التنازلات لتحريك المفاوضات من جديد.

ومع ذلك لنتأمّل مشهد مضيّ نتنياهو في طريق القتل والبطش ليقابله مشهد تصاعد الانتفاضة والمواجهة.

إذا ما أخذ المشهد هذا المسار التصعيدي فسيصحبه ارتفاع هائل لمستوى التعاطف العربي والإسلامي مع الانتفاضة كما سيؤدي إلى ارتفاع منسوب الرأي العام العالمي لا سيما في الغرب، فيضغط على الجاليات اليهودية في أوروبا وأمريكا كما على نتنياهو لوقف الانتفاضة ولو بالرضوخ لمطالبها، أو الانسحاب (فك الارتباط) من الضفة والقدس كما حدث مع قطاع غزة عام 2005.

إن الفارق الراهن بين أمس واليوم يتمثل في موقف الرأي العام في الغرب من السياسات الصهيونية، أو من القضية الفلسطينية. مما سيكون له دور أساسي في تأكيد إمكان انتصار الانتفاضة وصولا إلى تحرير الأراضي المحتلة في حزيران 1967، وبلا قيد أو شرط، وبلا قبول بحلّ الدولتين الذي يشكل القبول به كارثة على هدف تحرير كل فلسطين من النهر إلى البحر ومن الناقورة إلى رفح.

وبالمناسبة إذا ما تحرّرت تلك الأراضي بلا قيد أو شرط لن يبقى من معنى لبقاء الجولان محتلا، أو سيصبح تحريره قاب قوسين أو أدنى.

ولهذا نحن لسنا هنا أمام أهداف غير قابلة للتحقيق ولسنا إزاء تضحيات لا تستحق كل ما تقدّمه من دماء وجراح وسجون ودمار. ومن ثم نحن أمام واجب الانخراط في الانتفاضة ودفعها إلى الانتصار. وما على سلطة رام الله وأجهزتها الأمنية إلاّ التنحي جانبا في الأقل.

- اجعلوها انتفاضة تحرير منتصرة

لم يعد هنالك من شك في أن الانتفاضة الثالثة قد انطلقت. وهي تحمل في انطلاقتها كما ستحمل في مسارها خصوصيتها التي تميّزها عن الانتفاضتين الأولى والثانية. وهذا أمر طبيعي لما حدث من اختلافات كثيرة في الظروف وموازين القوى والمعطيات المتنوعة. ولهذا من الخطأ القياس الشكلي بين هذه الانتفاضة وأيّ من الانتفاضتين السابقتين.

إن أهم المعطيات التي تميّز الانتفاضة الراهنة تتمثل أساسا في، أولا: ما حدث من تغيير في حالة الكيان الصهيوني الذي يُواجَه مأزقا سياسيا وعسكريا لم يسبق له مثيل من حيث ضعفه وعزلته وسوء قيادته ووضعه العام. وثانيا: وجود محمود عباس وأجهزته الأمنية وحرصه على التنسيق الأمني مع العدو (حفاظا على الاحتلال والاستيطان وتهويد القدس، عمليا، وتبنيا لسياسة تصفية كل مقاومة وأية محاولة للانتفاض). وثالثا: ميزان القوى العالمي والإقليمي والعربي الذي دخل في حالة فوضى تمتاز بتفاقم الصراعات وعدم قدرة أمريكا على لعب الدور الأول في التحكم بالمسار العام للأحداث.

أما المشترك بين الانتفاضات الثلاث فيتمثل بالتصميم الشعبي في القدس والضفة الغربية وقطاع غزة ومناطق الـ48 على الانتقال بالوضع إلى حالة الانتفاضة الشاملة والمقاومة بالوسائل البدائية والعفوية.

فضلا عن التعاطف الشعبي العربي والإسلامي. وذلك بالرغم من ما يواجهه الوضع العربي من صراعات داخلية. ولكن يجب أن يُلاحَظ تعاظم التعاطف من قبل الرأي العام العالمي والأوروبي خصوصا مع الشعب الفلسطيني، كما ضدّ سياسات الكيان الصهيوني. وهذا عامل هام جدا في تضييق الخناق على نتنياهو وحكومته وجيشهما يسمح بانتصار الانتفاضة إذا ما ثبّتت أقدامها في الأرض لبضعة أشهر.

إذا كانت حكومة نتنياهو قد صمّمت على فرض التقسيم الزماني للصلاة بين المسلمين واليهود في المسجد الأقصى، قد راحت تستفز الشعب في القدس والضفة الغربية بل كل من يهمه الأمر أمر المسجد الأقصى. مما أطلق الانتفاضة التي أخذت تتعاظم يوما بعد يوم. ولكن هدف الانتفاضة يجب ألاّ يقتصر على إنزال الهزيمة بهذا المسعى وفرض التراجع على حكومة نتنياهو، كما حدث من قبل. فهذه النتيجة أصبحت مضمونة منذ الآن، إذ لا قِبَلَ لسلطات الاحتلال، ومهما حاول محمود عباس أن يمنع التحركات الشعبية، على إجهاض الانتفاضة.

فالانتفاضة يجب أن تحمل هذه الأهداف، ولا تتوقف إلاّ بتحقيقها جميعا. وهو ما يحلّ مشكلة احتلال الضفة والاستيطان والأسرى من جهة ثانية. كما هو الذي يحل مشكلة حصار قطاع غزة. فالمعركة الراهنة يجب ألاّ تقتصر على ما يتعرض له الأقصى من تهديد فقط. بل أن السبب الذي إذا لم يُزَل، سيبقي الخطر داهما على المسجد الأقصى حتى هدمه، هو استمرار الاحتلال وسياسات الاستيطان والتهويد وأسر عشرات الآلاف.

فهذه الانتفاضة المنتصرة منذ الآن في حماية الأقصى يمكنها أن تنتصر، في الآن نفسه، على الاحتلال والاستيطان والتهويد وتؤدي إلى إطلاق كل الأسرى. فميزان القوى العالمي والإقليمي والعربي يسمح بالذهاب بهذه الانتفاضة إلى النصر، وهو ما يجب أن يميّزها عن الانتفاضة الأولى التي أجْهِضَتْ باتفاق أوسلو، وما يجب أن يميّزها عن الانتفاضة الثانية التي فَرَضَت فك الارتباط بقطاع غزة وتفكيك المستوطنات من أجل وقفها والتمهيد لعهد التنسيق الأمني في الضفة الغربية والاستفراد بالقدس والمسجد الأقصى. ولكن يُسَجَّل هنا انتصار جزئي للانتفاضة الثانية بتحرير القطاع.

من هنا يجب أن تتحوّل الانتفاضة الثالثة إلى انتفاضة تحرير للقدس والضفة الغربية وللأسرى وبلا قيد أو شرط. وذلك لإحداث تغيير أساسي في المعادلة الفلسطينية باتجاه الإعداد للتحرير الكامل لفلسطين من النهر إلى البحر ومن الناقورة إلى رفح.

إن التأكّد من أن موازين القوى والظروف السائدة تسمحان بإنزال هزيمة بالاحتلال والاستيطان في القدس والضفة الغربية يجب أن تتسلّح به الانتفاضة الثالثة. فهي ليست انتفاضة احتجاج وغضب فحسب وإنما أيضا انتفاضة انتصار. فالعدو الصهيوني في المأزق وكل تصرفاته تزيد من عزلته ومن الغضب ضدّه، كما أن حلفاءه لا يستطيعون أن ينصروه كما فعلوا في السابق، وأما الوضع العربي الذي سمح بأن تشتعل الأوضاع في داخله ولو باتجاهات سلبية في كثير من أوجُه اشتعاله فلا بد من أن يسمح باشتعال الأوضاع ضدّ العدو الصهيوني في القدس والضفة وقطاع غزة وعلى مستوى فلسطيني عام.

وهو الاشتعال الأوجب وهو الاشتعال في الاتجاه الصحيح. أوَليس من العيب وغير المنطقي، في هذه الظروف وموازين القوى المؤاتية أن يُحاصَر قطاع غزة بعد حرب 2014 حتى الآن ولا يشتعل ضدّ العدو الصهيوني. لأن حرب 2014 لم تضع أوزارها ما دام الحصار (ومنع إعادة الإعمار) مستمرا. لأن الحصار يعني استمرار الحرب فهو حرب مستمرة.

وكذلك الأمر، أوَليس من العيب وغير المنطقي أن تقسّم الصلاة في المسجد الأقصى ويُهيّأ لبناء الهيكل المزعوم، ولا تشتعل الانتفاضة الشاملة بكل من قوى ووسائل تأييد ضدّ الاحتلال والاستيطان. بل أوَليس من العيب ومن غير المنطقي أن يستمر التنسيق الأمني في الضفة الغربية ويمتد إلى القدس فيما الاحتلال يستمر في الاستيطان والاعتقال والبطش وحصار قطاع غزة والاعتداء على المسجد الأقصى والمقدسّات الأخرى الإسلامية والمسيحية، ويعلن مصادرته للقدس وضمها عاصمة لكيانه المغتصِب وغير الشرعي، ولا تشتعل فلسطين كلها ضدّ العدو الصهيوني.

بكلمة إن الشعب الفلسطيني في القدس والضفة الغربية وقطاع غزة هو الأَوْلى في إطلاق الانتفاضة الشاملة. وفي كسر حصار غزة ولو بالعودة للحرب ضدّ الكيان الصهيوني.

أما من لا يعجبهم أو يزعجهم هذا التوجّه ليقولوا لنا ماذا يحدث في المسجد الأقصى من إجراءات لتقسيمه وتهويده وماذا يحدث في القدس؟ وماذا يحدث في الضفة الغربية، وماذا يحدث في قطاع غزة تحت الحصار في ظل سياسات التهدئة والمرونة، وما شابه. ثم ليقولوا كيف يجب أن يكون الردّ الناجح.
والسؤال، قولوا لنا أيّة لغة يفهمها العدو الصهيوني؟ ولا نريد أن نسأل عن اللغة التي نخاطب بها بعضنا بعضا خارج فلسطين ويحرّمونها في فلسطين؟



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 28 / 2165231

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع المراقب العام   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

14 من الزوار الآن

2165231 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 12


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010