الاثنين 5 تشرين الأول (أكتوبر) 2015

“اصطياد العقرب”... آفاق وتساؤلات

الاثنين 5 تشرين الأول (أكتوبر) 2015 par معين الطاهر

لم تكن العملية التي استهدفت مستوطنين إسرائيليين محتلين جنوب نابلس يوم الأول من أكتوبر/تشرين الأول الجاري، وقد سماها الناطق الإعلامي لكتائب الشهيد عبد القادر الحسيني عملية اصطياد العقرب، لم تكن الأولى في العام الجاري 2015، فقد سبقتها عمليات إطلاق نار أخرى في مناطق مختلفة من الضفة الغربية، وكان الهدف دوماً جنود الاحتلال أو سيارات المستوطنين. وقد سبق أن أعلن العدو عن اعتقال خلايا متهمة بهذه الأعمال الفدائية، ومنها مجموعات منتمية إلى حركة حماس، وأخرى إلى “فتح”، بل إن أفراد واحدة من هذه المجموعات كانوا ضباطاً في أحد الأجهزة الأمنية الفلسطينية، لم يستطيعوا صبراً على ممارسات العدو الصهيوني، ودفعهم انتماؤهم الوطني وشرفهم العسكري إلى قتاله، بما توفر لهم من وسائل محدودة .

على أن ثمة أموراً لافتة في هذه العملية عن سواها، إذ جاءت عقب خطاب الرئيس محمود عباس في الأمم المتحدة، وبعد اعتداءات المستوطنين في منطقة العملية على أسرة الدوابشة وحرق أطفالهم واستشهاد الأب والأم والطفل الرضيع حرقاً، وبعد عمليات القتل بدم بارد، كما حدث مع هديل الهشلمون في الخليل، وقرار الحكومة الإسرائيلية استخدام الذخيرة الحية ضد راشقي الحجارة، والاقتحامات المتكررة للمسجد الأقصى. ويشاء القدر وإرادة الفدائي الفلسطيني أن تُقتل في “اصطياد العقرب” مع زوجها، ضابط الاستخبارات في وحدة قيادة الأركان، وأحد قيادات المستوطنين البارزين، مستوطنة شاركت في اقتحام المسجد الأقصى الأسبوع الماضي، وانتشر لها على نطاق واسع شريط مصور، يظهرها وهي تشتم الرسول (ص) في رحاب المسجد الذي دنّسته مع رفاقها من مجموعات تدفيع الثمن الصهيونية.
وعلى العكس من سلوك المستوطنين الصهاينة في حرق الأطفال واقتلاع أشجار الزيتون، لفت نظر المحلل العسكري في القناة الثانية الإسرائيلية، روني دانيال، أن الفدائيين منفذي العملية من المسافة صفر نزلوا إلى السيارة التي أمطروها بنحو 50 طلقة، وأخرجوا جثة الضابط الصهيوني منها، وشاهدوا الأطفال في المقعد الخلفي، وتركوهم بسلام، وكأنهم يقولون “لسنا حيوانات مثلكم، نحن لا نقتل الأطفال”، مثلما قتل إسرائيليون من مستوطنة إيتمار أسرة الدوابشة.
وعلى الرغم من أنه من المبكر بعد تحديد المسؤول عن هذه العملية، إلا أن اللافت، في بيان كتائب الشهيد عبد القادر الحسيني التي أعلنت مسؤوليتها عنها، تطابقه مع البيان العسكري الأول لقوات العاصفة في مطلع سنة 1965، والذي أعلن انطلاقة الثورة الفلسطينية المسلحة، وهو ما أوضحه نداء آخر من تيار المقاومة والتحرير في حركة فتح، نشره موقعه وصفحاته على موقع التواصل الاجتماعي، حين خاطب من وصفهم بأنهم امتداد الجرمق وتعبير الكرامة الذين يواجهون، اليوم، مهمة بالغة الدقة، لا تقل أهميتها عن انطلاقة الثورة، لأنها مرحلة تجديد الطريق وتصويب المسيرة.تعتبر هذه العملية بداية لعمل كتائب الحسيني المسلح المعلن، والتي لم تكن معروفة في الضفة الغربية، غير أن دورها في أثناء الحرب الإسرائيلية العدوانية في غزة، صيف 2014، برز قوة منظمة وفاعلة، وكان واضحاً أنها تشكلت من نشطاء في فتح وكتائب الأقصى، وأنها تمثل امتداداً لهذا الإرث النضالي المقاوم في القطاع، في مرحلة الانتفاضة الثانية، والذي كان أحد تعبيراته البارزة الشهيد جهاد العمارين ورفاقه من أبطال الكتائب ولجان المقاومة الشعبية.
وبعد عملية اصطياد العقرب، دفع الجيش الإسرائيلي أربع كتائب إلى منطقة نابلس، وعزل أجزاء الضفة الغربية عن بعضها، وسمح لجموع المستوطنين أن يعيثوا فساداً، وأن يحطموا مئات السيارات الفلسطينية، ويحرقوا أشجار الزيتون والأراضي الزراعية، ويهاجموا قرى فلسطينية بحماية الجيش الإسرائيلي. وفي المقابل، تصدّى لهم المواطنون ولجان الحراسة دفاعاً عن قراهم، كما شهدت الضفة الغربية عمليات إطلاق نار أخرى على مستوطنات، إضافة إلى تصاعد الاشتباكات مع المستوطنين في الخليل والقدس، وطعن فلسطيني مستوطناً في القدس والاستيلاء على سلاحه، وإطلاق النار منه على مستوطنين آخرين وقتل اثنين منهم على الأقل، ما وضع الأراضي الفلسطينية المحتلة على شفير انتفاضة جديدة .
في هذه المرة، سلكت السلطة الوطنية الفلسطينية وقيادة حركة فتح مسلكاً مختلفاً، إذ وعلى الرغم من تأكيدات التلفزيون الإسرائيلي أن التنسيق الأمني بين أجهزة الأمن الفلسطينية ونظيرتها الإسرائيلية تعزّز، وأن تعليمات صدرت من قيادات عليا في السلطة للقيام باعتقالات احترازية لمنع تفاقم الأوضاع، إلا أن السلطة الفلسطينية لم تستنكر العملية الفدائية، كعادتها في عمليات سابقة . كما أن فاعليات في “فتح” هللت للعملية الفدائية ورحبت بها، وقال أحد الناطقين بلسانها إن الحركة قررت الدفاع عن الشعب الفلسطيني، في حين دعا أحد قادتها عبر قناة فضائية المواطنين للتصدي لاقتحامات الجيش والمستوطنين وإطلاق النار عليهم. بل وذهب بعضهم إلى حد الادعاء أن هذا التصعيد جاء تنفيذاً لخطاب الرئيس محمود عباس في الأمم المتحدة، في حين جنح آخرون إلى أن هذه العملية جاءت لرفع مستوى شعبية “فتح” والرئيس، بعد أن هبطت، حسب استطلاعات الرأي العام، أخيراً.
هنا، ينبغي التمييز تماماً بين المشاعر الوطنية الجياشة لدى مجمل قواعد فتح والفصائل الأخرى، وبهجتهم وسرورهم بمثل هذه العمليات، ورغبتهم بإنهاء الانقسام والخلاص من “أوسلو” وتبعاتها المختلفة، وبين الموقف الرسمي للقيادة الفلسطينية الذي لم يتعدّ، حتى الآن، إطار وصف ما يعانيه الشعب الفلسطيني، والتلويح باتخاذ إجراءات أخرى من دون إنجازها فعلاً، مع الإبقاء على التنسيق الأمني قائماً، والسعي إلى اقتناص فرصة جديدة للدخول في المفاوضات، ثانيةً، عبر بوابة المبادرة الفرنسية، وتوسيع “الرباعية الدولية”، مع ضرورة التأكيد أن النهج الحالي للقيادة المتنفذة لم يوافق، سابقاً ولا حالياً، على هذا النمط من العمليات ضد العدو، بل دانها واستنكرها مراتٍ، وساهم في تفكيك الكتائب وجمع سلاحها في فترات سابقة، واختار نهجاً مختلفاً عن منهج المقاومة، وعملياً، ليست هناك أي علاقة تربطها بهذه المجموعات سوى علاقة الملاحقة والاعتقال والاضطهاد.
وإذا كانت هذه التطورات قد طرحت كل هذه التساؤلات والالتباسات، فإنها، في الوقت نفسه، قد أظهرت أفقاً منيراً لمرحلة جديدة من نضال الشعب الفلسطيني، يتكامل فيه الحراك الشعبي الجماهيري مع خلاياه المقاومة، وتتحد مجمل الجهود باتجاهاتها المتعددة باتجاه فلسطين كلها.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 49 / 2165274

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقلام الموقف  متابعة نشاط الموقع معين الطاهر   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

4 من الزوار الآن

2165274 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 5


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010