الجمعة 18 أيلول (سبتمبر) 2015

ضياع القدس.. بين السلام المزعوم والربيع المشؤوم!

الجمعة 18 أيلول (سبتمبر) 2015 par محمد سليم قلالة

عندما كانت للمسلمين والعرب بعض الإرادة تمكنوا من بعض المقاومة في منتصف القرن الماضي 1948، وكان لفلسطين أن لا تُحتلّ لولا خيانة البعض وتخاذل البعض الآخر وسذاجة آخرين ممن وثقوا في عهود الغرب الذي لا عهد له باسم وقف إطلاق النار من أجل السلام. واُحتل جزءٌ من فلسطين، وقاومت بعض الجيوش العربية مقاومة محدودة، وأعلنت بعض الفصائل الإسلامية الجهاد، ودب الرعب في وسط المحتل لولا الخيانة مرة أخرى والوقوع في فخ وعود الغرب الكاذبة وسراب السلام المزعوم ثانية.

وانتظمت المقاومة لتحرير فلسطين في 1964، أسوة بتحرير جبهة التحرير للجزائر، وتشكلت منظمة التحرير الفلسطينية على غرار جبهة التحرير الجزائرية وأعلنت الثورة: “ثورة حتى النصر”. وكادت الانطلاقة تكون سليمة كما في الجزائر، وكاد طريق النصر يُرسم بوضوح، لولا الخيانة مرة أخرى والوثوق في وعود الغرب الكاذبة وسراب السلام مرة أخرى... وكانت هزيمة 1967.. وكان احتلال ما بقي من فلسطين بدل تحريرها بما في ذلك القدس.

وأعلنت بعد الهزيمة التي سُميت “نكسة” مرحلة جديدة من المقاومة، على أمل أن تشتعل مرة أخرى جذوة الثورة على الطريقة الجزائرية لدحر الاحتلال، وأنجزت “معركة الكرامة” قبل أن ينقضي عام على الهزيمة في 1968، وأمدت القوى الثورية الفلسطينيين بما تملك من خبرة، وبدأت الانتصارات تتوالى لتحرير الأقصى واستعادة فلسطين. وكان الأمل باق إلى ذلك الحين... لولا أن حوّل العرب انتصار أكتوبر العسكري لسنة 1973 إلى هزيمة سياسية وتوجّهوا إلى مَن اغتصب الأرض والعرض، معترفين بوجوده، مطالبين ببعض الحق لعله يرضى ومصدقين بوعد الأرض مقابل السلام، مرة أخرى...

ولم يرضَ هؤلاء المغتصبون حتى بتمكين أصحاب الدار من بعض الحق.. لم يرضوا بالجزء الأكبر من فلسطين وبالجزء الأكبر من القدس، وأخذوا من العرب ما لا يُعطى من قبل شريف: الاعتراف بهم وبوجودهم مقابل أيضا هذه المرة سلام مزعوم لم يروه إلى اليوم، ولن يروه ما بقوا على ذات المنهج سائرين..

وتشتتت المقاومة بين لبنان والأردن وسوريا، وانتظمت في شكل قوى رافضة للاحتلال، ولم تتخلّ عن قوة الموقف حتى وإن فقدت موقف القوة: الأرض التي كانت عليها تقف. واحتضن لبنان أكثر القوى دفاعا عن فلسطين، وتحمّل العدوان بعد العدوان مع أشقائه الفلسطينيين، واحتل جنوبه من قبل الإسرائيليين، واستمر داعما للفلسطينيين إلى حين اضطرارهم إلى الخروج في سنة 1982، ثم اعتراف العرب جماعيا في قمة فاس بالوجود الإسرائيلي، ومرة أخرى، نعم مرة أخرى، مقابل سلام مزعوم...

وكانت تلك البداية الحقيقية لفقدان القدس وإطفاء جذوة المقاومة مقابل سلام وهمي لدولتين: فلسطينية وإسرائيلية.

وظن العالم أنه وضع حدا لحالة صراع غير قابل للحل، وصدَّق بعض الفلسطينيين هذا الوهم، وانطفأت جذوة المقاومة إلا فيما بقي في جنوب لبنان. وتشتتت القوى الفلسطينية المكافحة على أكثر من مكان في انتظار عودة جزء من فلسطين لأهلها بعاصمتها القدس من خلال الاتفاقيات والمفاوضات.

وجرت مفاوضات السلام برعاية أمريكية، وتمّ الاعتراف المتبادل بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وقبل الفلسطينيون بجزء من أرض مقابل سلام دائم وربما جزء من القدس.

ولم يحدث أي شيء، لا جزءا من الأرض عاد ولا القدس عادت، بل تأسست سلطة فلسطينية اعتبرت النواة الأولى لدولة فلسطينية منتظرة، وتُركت وشأنها بلا قدرة على التأثير في مجرى التاريخ.

وهكذا، بدل أن تُوجّه قواها نحو تحقيق الهدف المركزي؛ تحرير فلسطين أو جزء من فلسطين واستعادة الأقصى عاصمة لها، وجّهت قواها نحو بعضها البعض وانقسمت إلى سلطتين واحدة في رام الله وأخرى في غزة، واحدة تتمسك بالسلطة المؤقتة والأخرى تصر على كونها تمثل الشرعية وترفع لواء المقاومة ضد المحتل.

وبدل أن تتحد القوى وتتعزز الإرادات تشتتت مرة أخرى،. فابتعدت أكثر غاية استعادة القدس، وبناء الدولة حتى ولو على جزء من فلسطين.

وضُربت المقاومة في غزة أكثر من مرة، وشُنَّت عليها أكثر من حرب مدمرة، ومازالت تئن تحت الحصار، من غير أي سند أو عون، عدا بعض ما تمدها به بعض القوى المقاومة من مال أو قليل من السلاح.

ولم تستسلم غزة ولا استسلم الفلسطينيون الرافضون للاحتلال، وأحس العالم بأن جذوة المقاومة مازالت مشتعلة وبأن هناك حقا مازال وراءه طالب، إلى أن هب ما سمي بـ“الربيع العربي”، وظن الجميع أن الأمة قد استعادت وعيها، وأنها ستنطلق من جديد، فإذا بالربيع يتحول فجأة إلى خريف وشتاء وإذا بالحصار على غزة يزداد، وإذا بمصر الثورة تعيد غلق الأبواب ثانية وتتحول هي الأخرى إلى الاحتراق الداخلي، وسورية تعرف أسوأ مصير بحرب داخلية وخارجية لم تُبق ولم تذر أنجبت “داعش” و“النصرة”، وفتحت المجال لكل من أراد استباحة الأرض والدم السوريين، وحزب الله الذي حقق أكثر من انتصار على الإسرائيليين يعيد توجيه قواته هو الآخر نحو العدو الداخلي، والسعودية تقود تحالفاً ضدّ جارتها اليمن فتخسر المال والسلاح والرجال بلا غاية ولا هدف، والعراق القوي الصامد تاريخياً أصبح مرتعا لكل من حَمَل السلاح، غير قادر على ضمان استقراره، والسودان منقسم، والجزائر محاطة بالنار من أكثر من جانب.. وهكذا تحوّل الربيع إلى نار تشتعل في كل مكان محيط بفلسطين. ولم يعُد بإمكان أي كان أن يفكّر في بيت الآخر بعد أن احترق بيته أو بدأ يحترق..

ولا يجد الإسرائيليون أفضل من هذا التوقيت للإجهاز على ما بقي قائما من آثار للمسلمين: المسجد الأقصى.. وها هم يفعلون.

ولن يجدوا من يردعهم حتى يستكملوا المهمة كما شاءوا، فقد أشعلوا النار في كل البيوت المحيطة بهم.

فهل من وعي بعد هذا؟ هل من إدراك بأن القدس ينبغي أن تتحرر من الداخل، ومن داخلنا أولا، تتحرر في قلوبنا، وفي بيوتنا وفي دولنا وفي المحيط الذي نعيش فيه قبل أن تتحرر في فلسطين؟

هل من وعي أن فلسطين ما هي إلا الانعكاس الحي لحال أمتنا؟ ما هي إلا المُعبِّر بإخلاص عن حالنا؟ ما هي إلا المرآة العاكسة لكل ما نحن عليه؟ ما هي إلا الرمز الحي لحالنا والقدس الشريف هو قلب هذا الرمز؟

فهلا انطلقنا من حيث يجب أن ننطلق لاستعادته ولتصحيح الصورة التي نحن عليها؟ هل قمنا بتجديد الوعي أن القدس ليست فقط رمزا للفلسطينيين، بل لنا جميعاً، وأن باحتلالها نحن جميعا محتلون، ليس فقط في أرضنا، بل في قلوبنا وفي عقولنا؟

إننا بحاجة إلى إدراك هذا قبل أي شيء آخر، ثم في حاجة إلى إدراك أن أي اضطراب في الجزائر أو في مصر أو في بغداد أو دمشق واليمن... إنما يُبعدنا لسنوات عن العودة إلى القدس ويسمح لمغتصبيها بحق من تدميرها بحثا عن الهيكل المزعوم.. وهم يفعلون في ظل جهلنا وعدم وعينا وجرينا وراء سراب ربيع عربي وسلام مزعوم.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 27 / 2165692

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع ارشيف المؤلفين  متابعة نشاط الموقع سليم قلالة   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

10 من الزوار الآن

2165692 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 10


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010