الجمعة 18 أيلول (سبتمبر) 2015

توظيف وصناعة المقدس.. قصة صهيونية

الجمعة 18 أيلول (سبتمبر) 2015 par د.احمد جميل عزم

إذا كان هذا الأسبوع، وبمناسبة رأس السنة العبرية، ويوم الغفران اليهودي الذي يبدأ مساء الثلاثاء المقبل وينتهي الأربعاء، قد شهد محاولات غير مسبوقة للمضي خطوة إضافية في تحقيق وجود إسرائيلي فوق أرض الحرم القدسي الشريف، فإنّ مثل هذا الأسبوع قبل 87 عاماً (العام 1928)، كان بداية التوتر الذي أدى إلى هبّة ومواجهات البراق العام 1929.
إذا تأملنا كيفية استحضار الحدث والمكان من الدين، تمهيدا لصناعة المُقدَس في السياسة، فإنّ حالة القدس في السيرة الصهيونية مثال جيد.
عندما بدأ التوتر العام 1928، عقب محاولة اليهود وضع فاصل قماشي بين الرجال والنساء أمام حائط البراق، والذي كان المسلمون قد أجازوا الصلاة لليهود أمامه منذ ما بعد الحروب الصليبية -ولم يكونوا ربما ليتوقفوا عند قطع القماش تلك، لولا أن الجو متوتر بسبب الحركة الصهيونية، ووعد بلفور، والهجرة الهادفة إلى تحويل فلسطين لدولة يهودية- كانت الدوائر الصهيونية قد عاشت قصة صغيرة، أحدثت قليلاً من الجدل، وتتعلق بـ“هانس تيودور هرتزل”، ابن المفكر والأب الروحي للحركة الصهيونية الذي كتب كتابه الشهير “الدولة اليهودية”. فقد تحول هذا الابن للمسيحية وترك اليهودية، في ضربة معنوية لكل فكرة الحركة الصهيونية. كان هذا بالتزامن تقريبا مع إحضار مكتب وأثاث هرتزل للقدس، كنوع من الرد على دفن المسلمين لشخصية هندية إسلامية في المسجد الأقصى (محمد علي). وواقع الأمر أنّ هذه الحادثة الصغيرة لابن هرتزل كانت جزءا من حالة ملتبسة عند الصهيونية بشأن الدين والمقدس.
عندما كتب موسى هس كتابه “إحياء إسرائيل”، العام 1862، فإنّه وقبل ذلك بثلاثة أعوام، كان قد كتب يقول إنّ “الدين هو مرض عقلي”، وإن “تاريخ الأديان ما هو إلا تاريخ الخطأ البشري”. وعاد هس لاحقاً وغير اسم كتابه إلى “من روما إلى القدس”. وعادة ما يكون تغيير اسم كتاب ما لأنّ الاسم الأول لم يُستقبل بشكل إيجابي وربما لم يستقطب الاهتمام، ومن هنا فربما كان الحديث عن روما والقدس هو حديث عن شيئين يهمان الناس ويعرفونهما. وكان هس يرى في اليهود “عرقا” له تجربة تاريخية تبرر أن يكون له قومية ما، وإن لم يدعُ لدولة في فلسطين.
كان هس، كما كل الحركة الصهيونية، مجموعة تناقضات. فهو كان يعد نفسه ماركسياً، لكن الماركسية كانت بالضرورة معادية وتتنبأ بانهيار القوميات. لذا كان هس، كما كان كثير من الطائفيين في العالم، بمن فيهم طائفيون عرب مسلمون ومسيحيون، علمانيين، ولكن لا بأس لديهم من استغلال الدين أو المذهب، والتمسك بهما هويةً.
لم يكن هس حالة فريدة، بل هناك عدة منظرين صهاينة علمانيين تبنوا مواقف تبحث عن القومية اليهودية، من دون أن يكونوا متدينين، ومن دون أن يشترطوا اختيار فلسطين مكانا لتجسيد هذه القومية.
قبل صدامات البراق، كان المليونير اليهودي الأميركي، ناتان شتراوس، كما يزعم، قد تلقى عرضا لشراء بيوت حول الحائط. لكن كما يقول المؤلف توم سيغيف “بدا الحائط الغربي مكلفاً له”، وقد كان المبلغ المطلوب 100 ألف دولار، ففضل بناء مركز صحي باسمه. وسيغيف نفسه يقول إنّ حاييم وايزمان، زعيم الحركة الصهيونية في العشرينيات، “كره القدس”، وكتب عنها لزوجته “إنها مدينة ملعونة، لا شيء هناك، لا شيء مريح”، وكتب لها “لا شيء مذل أكثر من”قدسنا“، كل ما يهين ويسيء للمقدس قد حدث هنا”.
كان ذلك جزءا من صراع وايزمان مع المتدينين. وما يزال صراع المتدينين والعلمانيين قائما في المدينة بشدة حتى اليوم. لكن هذا لم يمنع وايزمان من منح أموال كثيرة ليهود القدس، بمن فيهم المتدينون، ومن أهداف ذلك زيادة اعتمادهم على الصهيونية العلمانية، وبالتالي إجبارهم على التغيير وضمان عدم معارضتهم لمشروع إقامة دولة، تتعارض مع الشريعة اليهودية ذاتها. كما لم يمنع ذلك وايزمان من الكتابة، في مجلة المنظمة الصهيونية الأميركية، التي كان عنوانها “فلسطين الجديدة”، أنّ الرد على ما أصاب اليهود في صدامات القدس العام 1929، يجب أن يكون “انهمار اليهود إلى فلسطين”.
يقوم علمانيون ولادينيون، كما جزء من المتدينين، على السواء، بتحويل الدين وتاريخه إلى قصة يتزعمون من خلالها المشهد والناس، ويحولونهم إلى وقود وقرابين لتحقيق خططهم الشخصية والقومية.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 71 / 2165400

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع احمد جميل عزم   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

12 من الزوار الآن

2165400 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 12


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010