الاثنين 7 أيلول (سبتمبر) 2015

حماس ومنظمة التحرير الفلسطينية

الاثنين 7 أيلول (سبتمبر) 2015 par علي بدوان

لم يَشغُلَ الساحة الفلسطينية في العقدين الأخيرين موضوع إشكالي كالعنوان المُتعلق بأوضاع منظمة التحرير والعلاقة بين المنظمة وحركة حماس، وذلك في سياق متوالية الحديث الدائم والمُتكرر عن ضرورة انضمام حركتي حماس والجهاد الإسلامي للمنظمة، وإصلاح المنظمة وإعادة النظر بأوضاعها ومؤسساتها بشكلٍ عام. فقد مَضَت سنوات طويلة من الزمن وقد بُحت الحناجر وهي تنادي بإجراء المراجعات النقدية الجادة لأوضاع المنظمة على كل المستويات السياسية والتنظيمية والبرنامجية، وإعادة بنائها من جديد على أسس تراعي كل المتغيرات التي وقعت خلال أكثر من عشرين عاماً مضى من الزمن، والتي لا يمكن لأي عاقل تجاهلها، وتحديداً بالنسبة للمُتغيرات التي وقعت في حضور وأوزان وفعل القوى في الساحة الفلسطينية.

فبعد سنين طويلة من قيادة المنظمة للعمل الوطني الفلسطيني، وفصيلها القائد حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) ظهرت حركة سياسية لديها مشروعها، حيث اعتقد البعض بأن مشروعها جاء ليهدّد تفرّد المنظمة بتمثيل الشعب العربي الفلسطيني في الداخل والشتات.

مناسبة الحديث أعلاه، ما يجري الآن من تفاعلات سياسية فلسطينية بشأن عقد دورة جديدة للمجلس الوطني الفلسطيني (البرلمان المُوحد للداخل والشتات) وانتخاب لجنة قيادة جديدة للمنظمة، حيث انطلقت العديد من الأصوات الرافضة، والمتحفظة، والموافقة على عقد الدورة، فيما رفضت حركة حماس تلك الدعوة بالرغم من وجودها خارج إطار المنظمة حتى الآن.

ومع صدقية أصحاب هذه الدفوع وسلامة دعواتهم بالنسبة لإصلاح أوضاع المنظمة وضرورة انضواء حركتي الجهاد وحماس إلى صفوفها، إلا أن أصواتهم التي بُحت لسنوات طويلة ظلت بلا أصداء وكأنها صِيَاحٌ في صَحراء مُقفَرة، بل وتم تجاهلها، وكانت النتيجة هي استصغار وإهمال لأوضاع المنظمة وبقاء حركتي حماس والجهاد الإسلامي خارج أطرها ومؤسساتها.

الجميع من فصائل وقوى المنظمة، ومن خارجها، يَتَحدث عن ضرورة البدء بإجراء عملية إصلاح واسعة وشاملة في منظمة التحرير الفلسطينية، لكن تلك الدعوات مازالت وكأنها نَفخ في قربة مثقوبة، فبعض القوى الرئيسية في واد والناس في واد آخر، حتى بات الواحد فينا يخشى على مصير منظمة التحرير كي لا يكون مشابهاً لمصير هيئات فلسطينية من الماضي كالهيئة العربية العليا لفلسطين التي أسسها مفتي فلسطين المرحوم الحاج محمد أمين الحسيني بُعيد النكبة مباشرة، والتي طواها النسيان ولم يعد يَذكرها أحد إلا من يبحث في التاريخ، خاصة تاريخ الحركة الوطنية الفلسطينية المعاصرة، وطوال قرنٍ من الزمان.

لقد أخذت العلاقة بين حركة حماس ومنظمة التحرير الفلسطينية أشكالاً مُتعدّدة من التنافس والأطروحات والرؤى والتباينات والإشكاليات، منذ أن أعلنت حركة حماس عن نفسها أواخر العام 1987، وقد عُقِدت عدة لقاءات على المستوى الأول بين قيادة حركة حماس الناشئة في حينها وقيادة المنظمة بشخص رئيسها الراحل ياسر عرفات في العاصمة السودانية الخرطوم عام 1989 وتلا ذلك عدة لقاءات عمل في العاصمة المصرية القاهرة.

كانت منظمة التحرير الفلسطينية، ومازالت، وكما هو مُفترض، الوعاء والحاضنة لكل القوى الفلسطينية منذ الاعتراف العربي والأممي بها كممثل شرعي للشعب الفلسطيني، ومنذ دخول الفصائل لعضويتها أوائل العام 1968.. أما حركة حماس ومنذ انطلاقتها، فقد سَعَت إلى طمأنة المنظمة على أنها لا تسعى إلى ضرب تمثيلها أو الصدام معها، فوَرَدَ في ميثاق حركة حماس أن «منظمة التحرير الفلسطينية من أقرب المُقربين إلى حركة المقاومة الإسلامية، ففيها الأب أو الأخ أو القريب أو الصديق، وهل يجفو المسلم أباه أو أخاه أو قريبه أو صديقه.. فوطننا واحد، ومصابنا واحد، ومصيرنا واحد، وعدونا مشترك».

وبعد بروز حركة حماس كان أمامها ثلاثة خيارات بالنسبة لتمثيل منظمة التحرير الفلسطينية: إما الاعتراف بتمثيلها الأوحد للشعب العربي الفلسطيني بالداخل والشتات، وإما إسقاط هذا الاعتراف والسعي إلى إبراز نفسها كبديل لمنظمة التحرير الفلسطينية وهو خيار صعب وقد تجاوزته حركة حماس ولم تقف عنده، حيث بات الجميع على قناعة راسخة بأن مشاريع البدائل غير مُمكنة وقد جرى تجريبها في محطات مُختلفة في مسار الحالة الفلسطينية.. أما الخيار الثالث فهو السعي للاتفاق على إصلاح مؤسسات المنظمة والدخول إلى صفوفها بوزنها وحضورها وتمثيلها على الأرض وهو الخيار الوطني الواقعي الذي يراكم على إنجازات مسيرة الكفاح الوطني الفلسطيني ولا يقف على التضاد منها.

من هنا، وأغلب الظن، فإن الخيار المُؤكد كان- ومازال- بالنسبة لحركة حماس ومعها حركة الجهاد الإسلامي هو السعي لتصحيح مسار منظمة التحرير الفلسطينية، والسعي لدخولها بعد الاتفاق بين فصائلها الرئيسية على إعادة بنائها وتفعيلها.. وقد ظَهَرَ هذا الاتجاه مُبكراً في البيانات والوثائق الرسمية الصادرة عن حركة حماس.. ففي مذكرة تعريفية صادرة عن الحركة في عام 1993 جاء فيها «حركة حماس ليست بديلاً لأحد، وترى أن منظمة التحرير الفلسطينية إنجاز وطني ينبغي الحفاظ عليه، ولا مانع لديها من الدخول في إطار المنظمة.. على أساس التزام المنظمة بالعمل على تحرير فلسطين، وعدم الاعتراف بالعدو الصهيوني وإعطائه شرعية الوجود على أي جزء من أرض فلسطين».

وفي هذا الجانب لعبت حركة حماس وانطلاقاً من وزنها على الأرض في فلسطين، خصوصاً في قطاع غزة، دوراً محورياً في كل الحوارات الفلسطينية التي جرت خلال الأعوام الأخيرة في القاهرة والدوحة من أجل تعبيد الطريق أمام إصلاح المنظمة وإعادة تصحيح أوضاعها بشكل جذري، وتوسيع إطارها ليتسع الجميع على أساس التشاركية الوطنية الحقيقية، واعتماد قاعدة انتخابية ديمقراطية بانتخابات عامة لمجلس وطني فلسطيني توحيدي، بحيث تتمثل القوى السياسية والمجتمعية في فلسطين والشتات وفقاً لوزنها في الشارع الفلسطيني، وبالتالي مغادرة منطق المحاصصة القديم.. ولذلك شاركت حركة حماس بكل اللجان المتفرعة عن الحوارات الفلسطينية، وقدمت رؤيتها داخل اللجنة المعنية بأوضاع المنظمة وبإعادة تشكيلها، وقد تمخض عن تلك الاجتماعات التي عقدت ما بين القاهرة وعمان تشكيل الإطار القيادي المؤقت للمنظمة والذي يَضُمُ حركتي حماس والجهاد الإسلامي وباقي القوى دون استثناء لأي طرف فلسطيني بما في ذلك قوى التحالف المعارض وبشكلٍ خاص (الجبهة الشعبية القيادة العامة/ أحمد جبريل + منظمة الصاعقة).. لكن وللأسف فإن الجهود المبذولة بهذا الصدد توقفت عند حدودها بفعل الإشكاليات المُتراكمة عن عملية الانقسام، وهو ما يتطلب من الجميع، وتحديداً حركتي فتح وحماس إعلاء صوت العقل والحكمة وتجاوز كل العصبيات التنظيمية من أجل الهدف الأسمى المُتمثل بوحدة الشعب والمنظمة، وانضواء الجميع تحت راية المنظمة وببرنامج وطني توافقي وتشاركي.

إن طريق إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية وتوسيع صفوفها بالقوى الفاعلة الموجودة على الأرض وحل إشكالية التداخل ما بين «سلطة-منظمة» وإشكالية الشراكة والتمثيل لصالح منظمة تحرير واحدة وقوية على أساس برنامج التشارك الوطني بين الجميع، يتطلب إنهاء الانقسام وتحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية واقعاً على الأرض، وإعادة بناء المؤسسات الوطنية الفلسطينية التي تَجمع ولا تُفرق والتي ترى الكل ولا تستثني تجمعاً فلسطينياً واحداً.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 15 / 2165664

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع علي بدوان   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

24 من الزوار الآن

2165664 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 24


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010