السبت 21 آب (أغسطس) 2010

كابوس الدولة

السبت 21 آب (أغسطس) 2010 par حسام كنفاني

الوضع الفلسطيني الحالي يوحي بالأسوأ الآتي. الأسوأ ليس بالمفاوضات والتنازلات أو الاعتداءات والاجتياحات أو الاستيطان والتهويد أو المصادرة والاعتقال. الأسوأ قد يكون الدولة الفلسطينية نفسها التي تجري محاولات إقامتها حاليّاً. محاولات قد تبوء بالفشل، كما باءت سابقاتها. لكن ماذا لو نجحت؟ هل من الممكن تخيّل شكل هذه الدولة الوليدة في ظل الصراعات داخلها؟ الصراعات ليست جديدة بالتأكيد، على الأقل عمرها 4 سنوات، أي تاريخ الانتخابات التشريعية التي أفرزت انقساماً بين «فتح» و«حماس»، لكنه في الأيام الأخيرة بدأ يأخذ منحى أكثر خطورة، بعدما دخل العنصر الإلهي طرفاً في الصراع، الذي كان إلى الأمس القريب أرضيّاً فقط، أما اليوم فأصبح أرضيّاً وسماويّاً.

هل من الممكن تخيّل أي شكل من الدول ستكون عليه «جمهوية فلسطين المستقلّة»؟ لا بأس من المحاولة. لنفترض أن العقبات أزيحت من درب المفاوضات، المباشرة وغير المباشرة، وأن بنيامين نتنياهو، وسائر أقطاب اليمين واليسار في «إسرائيل»، أحسوا بالمعاناة الفلسطينية وقرروا الاتفاق على تقديم «التنازلات المؤلمة» التي وعد بها كل رؤساء حكومات «إسرائيل» منذ بدء المفاوضات، وكانوا يقصدون بها التنازلات الفلسطينية. لنفترض أن كل هذا تمّ، وأعلنت الدولة الفلسطينية العتيدة، بغض النظر عما إذا كانت ستشمل القدس الشرقية أو عودة اللاجئين أو الحصول على نصيب من المياه أو السيادة أو التسلّح. كل هذه التفاصيل لم تدخل في نطاق مشروع التخيّل القائم.

مشروع الخيال مرتكز على «الدولة»، وعلى أي نموذج دولة قد تكون في حال تخطي درب الآلام الطويل. وليجمح الخيال ليضم إنهاء الانقسام في اعتبارته، رغم أنه ضرب من المستحيلات قد يكون أصعب من قيام الدولة نفسها. لكن لا بأس من الحلم، الذي يخرج عن نطاق المنطق والحسابات.
عناصر الحلم اكتملت، وأقيمت الدولة وعمّت الأفراح في العالم العربي والإسلامي، وأشاد الغرب بالاتفاق التاريخي وإنهاء سنوات طويلة من الصراع، ونام الجميع على طي صفحة عنوانها «القضية الفلسطينية». الجميع أنفسهم استفاقوا على واقع وجود هذه الدولة. من هذه النقطة قد يتحوّل الحلم إلى كابوس، ولا سيما أن معطيات الأيام الأخيرة تشير إلى نموذجين متناقضين للحكم في طورهما إلى التشكّل. نموذجان لا يمكن أن يتعايشا، ووجودهما أساساً في مكان واحد سيؤدّي حتماً إلى المواجهة بالحديد والنار. يمكن أخذ إجراءات «السلطة الفلسطينية» في الضفة الغربية كنموذج أول. إجراءات قد تكون بداية مساعي لتطبيق «الأتاتوركيّة» في الأراضي الفلسطينية. في البدء جرى الحديث عن منع الأذان في المساجد «لمنع إزعاج المستوطنين». لكن وزارة الأوقاف ما لبثت أن نفت منع الأذان، لتؤكّد أن المنع اقتصر على تلاوة القرآن عبر مكبرات الصوت. قرار جديد على «سلطة محمود عبّاس»، يشير إلى نهج سيعتمد في الأيام المقبلة. ليس الأمر إشارة إلى أن أبو مازن سيصبح رمزاً علمانيّاً (لا سمح الله)، حتى وإن لجأ إلى الأسلوب التركي الأتاتوركي. هو يحاول المزاوجة بين هذه الطريقة والتعاطي المصري مع الحركات الإسلامية منذ منتصف ثمانينيات القرن الماضي، وحتى الأيام الحالية، من توزيع الخطب الموحدة على أئمة المساجد، إلى منع الخطباء المغضوب عليهم من اعتلاء المنصّات، وغيرها من الإجراءات التي ستأخذ شكلها الرسمي في الأيام المقبلة.

إجراءات عبّاسيّة تصب في خانة مواجهة النموذج الآخر للدولة، الذي بدأت تبلوره حركة «حماس» في قطاع غزّة بأوجه مختلفة. نموذج «طالباني» بلبوس «إخواني». لبوس يعطي مقبوليّة معقولة للتجربة الإسلاميّة للإخوان، على اعتبار أنها «متنورة» ومناهضة للسلفية الجهادية. لكن الأمر ليس على هذا النحو، فسيّد قطب، الذي يعد أحد آباء الفكر الجهادي، كان إخوانيّاً، من دون أن ننسى فترة الاحتضان التي أمنتها «حماس» للحركات السلفية في قطاع غزة، حيث أفادتها واستفادت منها، قبل أن تنوي الانقضاض عليها بعدما باتت تمثّل تهديداً لسلطتها.

هذا الأمر قد يكون مجرّد تفصيل في قراءة تجربة الحكم القائمة حالياً في القطاع، والتي تأخذ كل يوم شكلاً جديداً أكثر تطرّفاً ينقضّ على حريات الآخرين. الجديد اليوم هو محاولة «حماس» تعميم فكرها وتجربتها على الضفة الغربية، ولا سيما أن بيانها الأخير حض أهل الضفة على الانتفاض لـ «إغلاق أندية القمار ومحال بيع الخمور وبيوت الرقص التي افتتحت بتراخيص رسمية في الضفة»، على اعتبار أنها «جزء من الحرب على الدين والتاريخ». هذا ما قاله فوزي برهوم، مستكملاً حملة إسماعيل هنية على السلطة و«حربها على الله».

حلم الدولة لا يمكن أن يستمر أكثر من ذلك. الخيال لا يمكن أن يحتمل وجود هذين النموذجين في مكان واحد. مكان لا شك سيتحوّل إلى ساحة لحرب السماء على الأرض. لنستفق من «الحلم، الكابوس» ونركّز على الاحتلال، فهذا لا يزال موجوداً.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 38 / 2177878

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

11 من الزوار الآن

2177878 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 10


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40